أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

كيف أثرت الحرب على الحالة الصحية لسكان قطاع غزة؟

خلال شهور الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، عانى 10 من أحفاد نهلة أبو عشِيبة (62 عاما)، من أمراض لم تسمع عنها من قبل.

في البداية، وفي شهر أبريل/نيسان الماضي، أُصيب اثنان من أحفادها (17 و18 عاما) بمرض التهاب الكبد الوبائي (أ)، ودخلت حفيدتها “فرح” حالة الخطر الشديد جراء هذا المرض دون توفر أي علاج متاح، عدا تناول السكريات والابتعاد عن الدهون، حسبما أخبرها الأطباء.

ورغم أن المرض شديد العدوى، فإن عزْل الحفيدين كان صعبا على العائلة البالغ عدد أفرادها نحو 60 شخصا، ويقيمون في مركز إيواء بمخيم دير البلح وسط القطاع.


انتشار الأمراض

وما إن شُفيا، حتى بدأ وباء آخر بإصابة أحفادها، وهو مرض القوباء الجلدي البكتيري، شديد العدوى، الذي يحتاج لتناول مضاد حيوي فموي ومرهم يُدهن على الجلد لعلاجه. وبلغ عدد الأحفاد المصابين بالمرض الجلدي 8، دون توفر علاج لهم في عيادات الحكومة أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ولا حتى في الصيدليات الخاصة.

ويشكو سكان القطاع من أمراض عديدة أصابتهم خلال الحرب، أغلبها مستجد ولم يألفوه من قبل، كما أن العديد منها مجهول ولم يتم تشخيصه.

وتُلقي وزارة الصحة بغزة باللائمة على إسرائيل بسبب تدميرها الممنهج للقطاع الصحي، وحرمان السكان من مياه الشرب النقية، وحصارها المشدد المفروض على الأدوية والوقود اللازم لتنقية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي والتخلص من النفايات، بالإضافة إلى دفع السكان للنزوح المتكرر والإقامة في مراكز إيواء مزدحمة للغاية دون أي مقومات للحياة.

وأعلنت الوزارة، خلال العام الماضي، اكتشاف فيروس وباء شلل الأطفال، وسبقه انتشار وباء التهاب الكبد الوبائي (أ) والعديد من الأمراض الجلدية.

يرى الدكتور ماهر شامية وكيل وزارة الصحة المساعد في غزة، أن الحرب أثرت بشكل خطير على حالة الصحة العامة للسكان، وكانت البداية من قرار إسرائيل تدمير القطاع الصحي بشكل منهجي لدفع السكان إلى الرحيل.

استهداف قطاع الصحة
وأضاف الدكتور شامية أن الحرب استهدفت السكان بشكل أساسي ومقومات صمودهم وأهمها الصحة. وعدّد أهم استهدافات الاحتلال لها على النحو التالي:

– تدمير المؤسسة الكبرى، مجمع الشفاء الطبي في شمالي القطاع، وفي الجنوب إخراج مستشفيات أبو يوسف النجار، والهلال الأحمر الإماراتي، والكويتي، ودار السلام، عن الخدمة، في حين يعمل المستشفى الأوروبي جزئيا، وما زال مستشفى “ناصر” تحت التهديد، أما المستشفى الوحيد بالمنطقة الوسطى “شهداء الأقصى” فيعمل بنحو 10% من طاقته.
– تدمير المستشفى الوحيد المتخصص للأورام وهو “الصداقة التركي الفلسطيني” منذ بداية الحرب، مما أدى إلى تفاقم معاناة المرضى لعدم توفر الأدوية والأخصائيين ومكان يقدم الخدمة.
– إخراج 3 مستشفيات للأطفال عن الخدمة بعد تدميرها وهي “النصر”، و”عبد العزيز الرنتيسي”، و”محمد الدرة”.
– تدمير مستشفيي “الصحة النفسية، والعيون”، المتجاورين، وإخراجهما عن الخدمة.
– تدمير مراكز الرعاية الأولية وأهمها “صبحة الحرازين”، و”شهداء الزيتون”، و”السلام”، و”شهداء الرمال”، و”الشيخ رضوان”، و”شهداء جباليا”.
– تدمير مختبر الصحة العامة المركزي، وهو الوحيد الذي يفحص الأدوية وكل ما يُشرب ويؤكل.
– منع إدخال الأدوية والمهمات الطبية، حيث وصلت نسبة العجز فيها 83%، وإحراق 70% من مستودعات الأدوية الحكومية.
– تحييد غالبية الأجهزة الطبية المهمة في المستشفيات والمراكز الطبية، فمثلا لا يوجد أي جهاز رنين مغناطيسي يعمل في القطاع.
– تدمير 130 سيارة إسعاف من أصل 200.
– عدم توفر أخصائيين في شمالي القطاع، فمثلا لا يوجد أي إخصائي “صدرية” و”أورام”، ويعود ذلك على بقية التخصصات.
– توقف خدمات القسطرة القلبية تماما في شمالي القطاع، وإجراؤها للحالات الطارئة فقط في المستشفى الأوروبي بالجنوب.
– توقف خدمات التأهيل بشكل كامل، بعد تدمير مستشفيات الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، و”الوفاء”، و”الأمل”.
– إيقاف العمليات المجدولة مثل استئصال المرارة والفتاق والبواسير وغيرها، منذ عام، بهدف توفير غرف العمليات لجرحى الحرب.

أخطار مستقبلية
ويحذر الطبيب شامية من مخاطر صحية كبيرة سيواجهها قطاع غزة بعد انتهاء الحرب جراء الكم الهائل من المتفجرات التي استخدمتها إسرائيل، والتي ستؤدي إلى مشاكل جمّة، ليس أقلها تلوث الهواء والتربة والمخزون المائي الجوفي.

كما تطرق إلى الآثار النفسية الخطيرة التي سيعاني منها السكان عقب العدوان وستحتاج إلى فترات علاج طويلة، ولن “تجدي عمليات التفريغ النفسي والدعم الاجتماعي معها نفعا”.

وأدت الحرب إلى انتشار أمراض لم تُسجل في القطاع منذ عقود طويلة مثل الجرب والالتهابات البكتيرية والفطرية وحمو النيل، وزادت من حالات الإكزيما والحساسية الجلدية.

ويقول الطبيب موسى عابد مدير عام الرعاية الأولية في وزارة الصحة، إن مرض شلل الأطفال كان أخطر ما تم كشفه، وتم تداركه عبر حملة تطعيم بدعم دولي.

ويؤكد أن اكتشاف أمراض خطيرة وقاتلة مثل الكوليرا، هي “مسألة وقت ليس إلا في حال استمرت الحرب”، مستشهدا بتسجيل بعض الحالات في اليمن. وتطرق إلى انتشار الأمراض الجلدية، متهما الاحتلال بالمسؤولية عن ذلك، مؤكدا عدم توفر العلاج اللازم لها جراء منع الاحتلال إدخال الأدوية.

ويلفت أخصائي التغذية والجهاز الهضمي الطبيب محمد الراعي إلى أن إسرائيل أثرت على صحة سكان القطاع عبر سياسة التجويع وسوء التغذية طوال عام كامل.

ويضيف أن وجبة الغذاء السليمة يجب أن تحتوي على جميع العناصر الغذائية كالكربوهيدرات والبروتين والدهون، والمعادن والفيتامينات، لكن وجبات غالبية السكان -طوال عام مضى- لا تحتوي إلا على الخبز أي الكربوهيدرات فقط، مؤكدا أن هذا الأمر ألحق ضررا بكافة فئات السكان، سواء كانوا أطفالا أو كبار السن، أو من الفئة المتوسطة.

وأوضح أن الأطفال وخاصة من هم أقل من 5 سنوات عانوا من النحافة ونقص الوزن، وهو ما يؤثر على طولهم ونموهم وقد يؤدي إلى تقزمهم وضعف مناعتهم، وبالتالي الإصابة بالأمراض ودخول المستشفيات.

وحذّر من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى “كارثة”، وإلى تدهور صحة كبار السن والأطفال، وانتشار فقر الدم “الأنيميا” وأمراض مثل “الكساح” للأطفال، وعدم القدرة على المشي، و”عواقب أخرى لا تحمد عقباها”.

المصدر: الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى