أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (216) شيء عن مصطلحي “الإرهاب” و”الحرب على الإرهاب”.. إلا الشعب الفلسطيني، فلا بواكي له (2-3)

حامد اغبارية

إلّا الفلسطيني، فلا بواكي له…!
وأما المسلم، أنّى كان، فإنَّ أدنى حركة تصدر عنه خارجة عن النصّ الأمريكي- الصهيوني فإنه موصوف بالإرهاب…. دون نقاش ودون مراجعة… فقد سبق سيف واشنطن وتل- أبيب العذل، وليس في الإمكان الرجوع إلى الخلف، فقد أُطلقت الرصاصة وانتهى الأمر.

نحن، الفلسطينيين والمسلمين، في زمن الهوان والردّة، ما زلنا الضحية الوحيدة للعبة الأمم التي تقودها الصهيونية- الصليبية- الماسونية، تارة بغطاء أمريكي أوروبي، وتارة بغطاء أممي في أروقة هيئة الأمم، وتارة ثالثة، يا للعجب! بغطاء عربي كامل الأوصاف. وكأن بيزنطة وفارس قد حرَّكتا قبائل جزيرة العرب ضد أحفاد “الإرهابيين الأوائل”.

عالم اليوم يتحدث عن حق الشعوب في الدفاع عن نفسها وفي تقرير مصيرها وفي مقاومة من يعتدي عليها. وهذا قائم إلا في حالة واحدة: في حالتنا نحن، الفلسطينيين. فنحن -في نظر المنظومة الدولية- الاستثناء الوحيد المؤبّد.

هناك… في أرشيف هيئة الأمم المتحدة مئات آلاف الصفحات التي تتحدث عن حقوق شعوب الأرض، ومئات القرارات المتعلقة بالحرية والاستقلال ودفع العدوان. وهي مواد مؤرشفة بطريقة جميلة تخطف الأبصار وتستجلب الإعجاب الشديد.. لكنها كانت وما تزال وستبقى مجرد حبر على ورق عندما يكون للأمر علاقة بالشعب الفلسطيني وبالمسلمين على وجه التحديد والقطع.

ماذا تجد في تلك الوثائق الأممية؟
في المادة (25) من ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945، تقرأ أن “العلاقات بين الدول هي علاقات وديّة قائمة على أساس التساوي بين جميع الشعوب، دون استثناء”. هذا نص مذهل…! لكنه أشبه ما يكون بالبالون أو الطبل الفارغ… ليس له رصيد على أرض الواقع، لأن الواقع يعكس صورة واحدة أو مشهدا متكررا واحدا: علاقة القوي بالضعيف وعلاقة الأسياد بالعبيد.. والويل ثم الويل “للعبيد” إذا ما فكروا مجرد تفكير بالانعتاق والتحرر. لأن القاعدة تقول: كيف سيشعر السيد بأنه سيد إذا لم يكن هناك عبيد؟!

تتحدث المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة عن “شرعية حق المقاومة للشعوب من أجل الدفاع عن نفسها إذا داهمها العدو بقصد احتلالها”.

يُفترض، من مضمون هذه النص، أن كل الشعب على كوكب الأرض لها الحق في مقاومة المحتل، وأن على الأمم المتحدة أن تدعم هذا الحق وتساند كل شعب في ممارسة هذا الحق، حتى لو اضطرت إلى تسيير القوة العسكرية من أجل ذلك.

فمتى حدث هذا في حالة الشعب الفلسطيني؟ ومتى حدث هذا في حالة الشعب الأفغاني؟ ومتى حدث هذا في حالة الشعب الشيشاني؟ ومتى حدث هذا في حالة الشعب البوسني؟ ومتى حدث هذا في حالة الشعب المالي؟ ومتى حدث هذا في حالة الشعب الروهنغي؟ ومتى حدث هذا في حالة الشعب العراقي؟

إنَّ الذي حدث أن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها أصدرت قرارات تحت البند السابع لتمكين “الأسياد” من شن حرب على “إرهاب العبيد”. و”بالصدفة” فإن جميع هؤلاء “العبيد” من المسلمين!! فما ذنب الأمم المتحدة؟! وما ذنب “الأسياد”؟!!

في القرار الأممي رقم (1514) لسنة 1960، وهو قرار خاص بمنح البلدان والشعوب المستعمَرة استقلالها، تقرأ: “إن إخضاع الشعب للاستعباد الأجنبي والسيطرة الأجنبية والاستغلال الأجنبي يشكل إنكارًا لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعرّض السلام والتعاون الدوليين للخطر، وإن كل محاولة تستهدف جزئيًا أو كليًا تقويض الوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية لقُطر ما، تتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها…”. هذا القرار طُبق بحذافيره إلا في حالة واحدة: الشعب الفلسطيني… أما الأقطار العربية التي منحها “الأسياد” الاستقلال، فإننا نعيش إلى اليوم ثمار هذا “الاستقلال”، الذي -كما ترى- يبدو أن العبودية الحقيقة أفضل منه أضعافا مضاعفة. فهو في الحقيقة كان “استقلالا” بهدف سلخ هذه الأقطار عن هويتها، وانتزاعها من حضن أمها- أمّتها. ألا ترى “بركات” استقلال تلك الحظائر تصب فوق رؤوس شعوبها من الخيرات ما تنوء بحمله الجبال الشاهقات؟!

ينص القرار الأممي رقم (637) لسنة 1970 على أن حق الشعوب في تقرير مصيرها يعتبر شرطا أساسا لتمتع هذه الشعوب بسائر الحقوق والحريات. أما الشعب الفلسطيني- تحديدا- دون سائر شعوب الأرض فإن هذا القرار لا ينسحب عليه. ولأن الأمر كذلك، فإنه لا ينسحب عليه أيضا القرار البند (51) من ميثاق الأمم المتحدة والقرار رقم (3101) لسنة 1972 الذي يؤكد على حق الشعوب الخاضعة للاحتلال بالتحرر بكافة الوسائل، والقرار (3103) لسنة 1973 الذي ينص على “توفير الحماية القانونية للمقاتلين الذين يكافحون ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي والنظم العنصرية، ليس فقط من خلال إضفاء المشروعية على عملهم، وإنما بشمول هؤلاء المقاتلين أيضاً بقواعد القانون الدولي المعمول به في النزاعات المسلحة….”..

ليس فقط أن هذا القرار لا ينسحب على الشعب الفلسطيني وحسب، بل إن الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال، من خلال حقه الشرعي والقانوني الدولي، موصوف بممارسة الإرهاب.

لماذا؟
لأن الطرف الذي يقاومه الشعب الفلسطيني وينشد التحرر من براثن احتلاله هو المشروع الصهيوني. فكما أن الشعب الفلسطيني يشكل حالة استثنائية في مواثيق الأمم المتحدة من حيث حرمانه من حقه في ممارسة حقه الذي تضمنه تلك المواثيق، فإن المشروع الصهيوني يشكل كذلك حالة استثناء في منحه الحق في أن يفعل ما يشاء وكيف يشاء وحيث يشاء دون حساب ولا عقاب. فهو – أي المشروع الصهيوني- درة تاج الحملة الصليبية الهرمجدونيّة الأخيرة، فإن سقطت درة التاج سقط التاج وفشلت الحملة.

أما أغرب قرار للأمم المتحدة فهو القرار رقم (3214) لسنة 1974، والذي ينص على “حق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من أجل نيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير… وإن أية محاولة لقمع الكفاح المسلح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.

الآن: من هو الشعب الوحيد على وجه الأرض الذي ليس من حقه تطبيق هذا القرار الجميل؟! إن هذا الشعب الذي تعرفونه طبعا، ليس أنه محروم من هذا الحق وحسب، بل إنه متهم بالإرهاب لأنه خرج على النصّ. وهو ليس متهم بالإرهاب فقط من طرف الجهة التي تحتله، ولا من طرف أمريكا ولا أوروبا ولا ميكرونيزيا، بل من الجهة التي أصدرت ذلك القرار…الأمم المتحدة نفسها.

ثم تجد الأغرب من هذا القرار، وهو إعلان جنيف لسنة 1977، حول الإرهاب، والذي يقول بالنص: “أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرارا، أن الشعوب التي تقاتل ضد الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي وضد النظم العنصرية في ممارسة حقهم في تقرير المصير لديهم الحق في استخدام القوة من أجل تحقيق أهدافهم داخل إطار القانون الدولي الإنساني. ومثل هذه الاستخدامات الشرعية للقوة يجب عدم خلطها بأفعال الإرهاب الدولي في ممارسة حق تقرير المصير، فللشعوب الواقعة تحت الهيمنة الاستعمارية والأجنبية الحق في النضال.. والسعي للحصول على الدعم بما يتوافق مع مبادئ الميثاق”. ولأن “لكل قاعدة استثناءً، ولكل قرار أممي فجوات يمكن اختراقه من خلالها، فإن هذا الإعلان يستثني شعبا واحدا من بين جميع شعوب الأرض من هذا الحق، وهو الشعب الفلسطيني. فإن هذا الشعب – الاستثناء عندما يأتي لممارسة حقه تطبيقا لإعلان جنيف ولسائر قرارات الأمم المتحدة، تلك المذكورة أعلاه وغيرها كثير، فإنه إنما يمارس الإرهاب…. وهو لأجل ذلك يستأهل العقوبة والحرمان والقتل والتهجير والتشريد والتجويع والتعطيش والنزف حتى الموت.

الآن عساك قد أدركت لماذا لم يتفق ما يسمى بالمجتمع الدولي على تعريف نهائي لمصطلح الإرهاب…!

في المقال القادم: حديث عن “الحرب على الإرهاب” ودور الكتيبة الإعلامية في تحديد الأهداف الموصوفة بالإرهاب، وماذا يقول “الذكاء الاصطناعي” في هذه المسائل. (يتبع).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى