معركة الوعي (215) شيء عن مصطلحي “الإرهاب” و”الحرب على الإرهاب” (1-3)
حامد اغبارية
ما هو “الإرهاب”؟ ومن هو “الإرهابيّ”؟
تحاولُ أن تجد تعريفا عِلميًّا واحدًا ثابتًا اصطلح عليه العالم لـ “الإرهاب” فلا تجد؟!
لماذا ليس هناك تعريف واضح للإرهاب؟ وكيف نجحت آلةُ التضليل أن تخلط بين الإرهاب الحقيقي وبين حق الشعوب المستضعفة في الدفاع عن نفسها وتحقيق حريتها وتقرير مصيرها؟ وكيف استطاعت المنظومة الدولية إلحاق مصطلحات مثل “التطرف” و”العنف” بمصطلح “الإرهاب”؟
في هذا المقال (من ثلاثة أجزاء) محاولة للإجابة على كل التساؤلات.
“ليس هناك تعريف واضح للإرهاب، وليس هناك إجماع عالمي على تعريف الإرهاب”. هكذا تقول “ويكيبيديا” اقتباسا من ميرا وليامسون في كتابها “الإرهاب والحرب والقانون الدولي” ومن شْميد أليكس في كتابه “تعريف الإرهاب: دليل روتليدج لأبحاث الإرهاب”.
لماذا لا يوجد تعريف واحد متفق عليه؟ وهل عدم وجود تعريف واضح هو أمرٌ طبيعي سببُه اختلافُ الثقافات والمفاهيم، أم أنه مقصودٌ بدايةً لأنه يخدم أجندات الإرهاب الحقيقي والإرهابيين الحقيقيين؟
أزعمُ أن الأجندة الدولية، وخاصة المنظومة التي تمسك بخيوطها الولايات المتحدة الأمريكية ومِن خلفها الفكرة الصهيونية، لها مصلحة في عدم التوافق على تعريف واحد لمصطلح “الإرهاب”، لأنه في هذه الحالة سوف تتورط تلك المنظومة في إدانة نفسها بممارسة الإرهاب الحقيقي.
وفيما يلي جزء من التعريفات التي تدور حول المصطلح، ومِن خلالها ستدرك أسباب عدم الاتفاق الدولي على مصطلح “الإرهاب”، بشرط أن تسأل الأسئلة الصحيحة:
– استخدام العنف أو التهديد به لخدمة أهداف سياسية، أو دينية، أو أيديولوجية، أو اجتماعية، والأفعال المرتكبة من قبل جهات فاعلة غير حكومية أو الشخصيات المتخفية التي تخدم أهداف حكوماتها.
سؤال: لو استعرضتَ الأحداث التي وقعت في نصف القرن الأخير (على الأقل)، فمن هي الجهات التي مارست هذا كلّه؟
– الأفعال التي تتسبب في وقوع ضحايا وإيقاع الضرر بأكبر قدر من أفراد المجتمع.
سؤال: أعطني مثالا أو أمثلة تقع الآن أو وقعت خلال السنوات العشرين الأخيرة. من هي الجهات التي مارست هذا الإرهاب؟
– الجرائم التي تقرر بأنها غير قانونية بواسطة التشريع القانوني والجرائم المتوارثة على أنها غير أخلاقية.
سؤال: من هي الجهة المخولة في تحديد عدم قانونية “الجرائم”؟ ومن هو المخول في تحديد فعلٍ ما بأنه غير أخلاقي؟ هل هي أمريكا مثلا؟ الأمم المتحدة؟ الاتحاد الأوروبي؟ روسيا؟ المشروع الصهيوني؟ من؟؟؟
ولماذا فشلت الأمم المتحدة حتى الآن في تعريف محدّد لمصطلح الإرهاب؟ لقد حاولت هذه الهيئة الدولية فعل ذلك عامي 1970 و1980 لكنها فشلت أو في الحقيقة أُفشلت من أطراف دولية لها الحق في استخدام الفيتو. فمن هي يا ترى؟ عرفت الجواب طبعا!!
أمّا الأعجب في هذه المسألة فهو الادّعاء بأن سبب عدم الوصول إلى تعريف متفق عليه هو اختلاف وجهات نظر الدول الأعضاء حول “استخدام العنف في الصراعات على الحرية وتقرير المصير”.
هل فهمت القصد من ذلك؟ هل معنى هذا واضح؟ فمن هي الأطراف التي “تستخدم العنف” في سبيل تحقيق الحرية وتقرير المصير؟
عرفتها! أليس كذلك؟
من أجل ذلك كان لا بد أن يبقى تعريف المصطلح فضفاضا ضبابيا كي يُفصّل على المقاس الذي تحدده الدول التي تتحكم بمصائر الشعوب!
ثم يقولون لك: “لقد تبنى المجتمع الدولي سلسلة من الاتفاقات الإقليمية التي تعرّف وتجرّم أنواعًا عديدة من الأنشطة الإرهابية. وفي سنة 1994 أدانت الهيئة العامة للأمم المتحدة “الأفعال الإرهابية” مستعملة الوصف السياسي التالي للإرهاب: “الأفعال الإجرامية التي تقصد التسبب في حالة من الذعر لجمهور، أو لمجموعة من الأشخاص أو شخص معين لأغراض سياسية غير مبررة في أي ظرف، مهما كان الاعتبار للفلسفة السياسية، أو الأيديولوجية العنصرية، العرقية والدينية أو أي طبيعة أخرى ….”.
ولماذا يتبنى “المجتمع الدولي”، الذي هو لا دولي ولا يحزنون وإنما هو مجتمع مافياوات السياسة التي تتغذى على دماء الأبرياء من الشعوب المستضعفة، سلسلة من الاتفاقات الإقليميّة لتعريف الإرهاب حسب الأقاليم؟ وما هو الإقليم الوحيد الذي يصفه ذلك “المجتمع الدولي” الذي يمارَسُ بحقه هذا التعريف؟ نعم… لقد عرفتم. إنه الشرق الأوسط؛ يعني الشرق الإسلامي؟
وفتش معي- لو سمحت- عن إقليم آخر على كوكب الأرض يوصف بهذا الوصف! هل وجدتَ؟ أنا لم أجد!
ومن يا ترى، هي الجهات أو الأفراد أو الدول التي تمارس أفعالا إجرامية بقصد خلق حالة من الذعر للجمهور؟ ومن هي الجهات أو الدول التي تمارس ذلك على أساس عرقي وعنصري وإيديولوجي وديني؟ لا بدّ أنكم تعرفونها بالاسم والصفة والممارسة…
لقد عرف التاريخ مصطلح “الإرهاب” لأول مرة إبان ما يسمى بالثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر. لذلك لا غرابة في أن أصل اللفظ هو فرنسي ومعناه الرعب أو بث الرعب. وقد قال فيه مكسميليان روسبييري، وهو أحد قادة الثورة الفرنسية: “الرعب هو ليس سوى العدل والسرعة والمعاناة والصلابة”. ومن هذا الفهم مارست الثورة الفرنسية أعمال قتل وسفك للدماء بحجة الدفاع عن الثورة وتحقيق السلامة العامة.
والعجيب أن هذا المبدأ ما زالت دول كثيرة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ومن يدور في فلك هذه الدول من ربائب ومحميات، تمارس الإرهاب وبث الرعب بقوة السلاح وشن الحروب للسيطرة، تحت شعار “الحفاظ على السلم العالمي وتحقيق الأمن العام”! وبطبيعة الحال المأساوية فإن لسان حال ومقال هذه الدول إنه ليس هناك على وجه الأرض من يفهم شروط تحقيق “السلم العالمي وتحقيق الأمن العام” سواها.
إن الذي يجب أن نفهمه، نحن الفلسطينيين خاصة والمسلمين عامة، أن الضحية الوحيدة لهذه التعريفات الضبابية لمصطلح الإرهاب هي نحن وليس غيرنا. وأن ما يسمى بالمجتمع الدولي وهيئاته من أمم متحدة ومحكمة جنايات وغيرها، تقصد عن وعي وإدراك وسبق إصرار تشويش المعنى الحقيقي لمصطلح “الإرهاب” حتى تتمكن من السيطرة ليس على المصطلح وحسب وإنما على مقتضياته، بمعنى أنها تفعل ذلك كي تفصّل ملفات الإدانة والوصم بالإرهاب على من تشاء من الدول والقوى الناشدة للحرية بما يخدم أجنداتها. ولا أظن أن ذلك “المجتمع الدولي” سيُقْدِم على تعريف موحّد للمصطلح ذات يوم، لأن هذا ليس في مصلحة الدول التي تمسك بخيوط اللعبة.
لقد شنت دول الغرب حروبا كثيرة ضد دول أخرى، لكنها عندما فعلت ذلك لم تطلق على حروبها اسم “الحرب على الإرهاب” إلا ضد جهة واحدة: الفلسطينيين والمسلمين.
لقد شنت تلك الدول -على سبيل المثال لا الحصر- حربا على صربيا في التسعينات، لكنها لم تطلق على حربها تلك اسم “الحرب على الإرهاب”، بل سمّتها حربا على التطهير العرقي.؟
وبالمناسبة: لم تكن تلك الحرب ضد الصرب دفاعا عن مسلمي البوسنة والهرتسك وطوسوا (كوسوفا)، وإنما كي تسيطر على وضعٍ بات فيه واضحًا أن هناك دولة إسلامية حرة وذات شأن ستظهر في خاصرة أوروبا، وهذا ما لا يجوز السماح به. والنتائج ماثلة للعيان وليس بحاجة إلى شرح وتفسير وتفصيل.
وشنّت أمريكا حربا على فيتنام، ولم تطلق عليها اسم “الحرب على الإرهاب الفيتنامي”… والقائمة طويلة..
بينما شنت دولٌ تتحكم بمصير المجتمع الدولي حربا على أفغانستان والعراق وعلى حركات المقاومة في الجغرافيا الإسلامية، وكانت تلك الحروب وما تزال تحت شعار “الحرب على الإرهاب”…
كما شنت الهند (صديقة الأنظمة العربية من عصر الناصرية إلى عصر السيساوية والأسدية) حربا على “الإرهاب الإسلامي” في كشمير وباكستان. وشنت روسيا الاتحادية حربا على “الإرهاب الإسلامي في الشيشان” وعلى “عصابات الإرهاب السورية” إبان ثورة الشعب السوري عام 2011، ودعمت الدنيا كلُّها مجرمي الحرب الجزائريين في التسعينات، في حربهم على “الإرهاب الإسلامي”، كما شنت عصابات السيسي بدعم من أمريكا والشقيقة تل أبيب حربها على “إرهاب الإخوان المسلمين” في مذبحتي رابعة والنهضة، كما شنت الصين – وما تزال-حربا على الإرهاب اِلإسلامي في تركستان الشرقية، ومثلها فعلت عصابات ميانمار (بورما) في حربها “على الإرهاب الروهنغي الإسلامي”..
أما بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي فإن كل من لا يسير على خط الخضوع والهوان والرضوخ والتطبيع فهو إرهابي أبًا عن جدّ، ومن يدعمُه فهو داعمٌ للإرهاب ومعاقبتُه واجبة…
وما نزال نعيش تلك الحرب المجنونة على “الإرهاب الإسلامي الفلسطيني”…..! (يتبع).