خبراء يتحدثون عن تفجيرات لبنان.. كيف وصلت تل أبيب لأجهزة “البيجر”؟
تعددت الفرضيات حول الآلية التي تم استخدامها لتفجير أجهزة النداء الآلي “البيجر” الخاصة بعدد كبير من عناصر حزب الله، ومنها القيام باختراق الجهاز عبر هجوم سيبراني، أدى لتفجير البطاقة، وفرضية أخرى عن احتمالية زرع متفجرات داخل الجهاز عبر اختراق سلسلة التوريد، ثم تم تفعيل هذه المتفجرات عبر تقنية متطورة.
من جهتها، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن “إسرائيل نفذت عملية التفجير عبر إخفاء مواد متفجرة داخل دفعة جديدة من أجهزة البيجر”، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وآخرين مطلعين على العملية.
وأضاف المسؤولون أنه “تم التدخل في الأجهزة التي طلبها حزب الله من شركة Gold Apollo في تايوان قبل وصولها إلى لبنان، فيما نفت الشركة ذلك، قائلة إنها صنعت في المجر عبر شركة لديها تصريح بإنتاج هذا النوع من الأجهزة.
الهجوم السيبراني مستبعد
وخلال الساعات الأولى من الانفجار، كانت الفرضية الأكثر انتشارا هي التفجير عبر هجوم سيبراني، ما دفع للتساؤل عن قدرة هذا النوع من الاختراقات على رفع درجة حرارة البطارية كما قيل، لتصل حد الانفجار، رغم أن هذه الأجهزة غير متصلة بالإنترنت.
الخبير في الأمن السيبراني الدكتور أحمد حسين العمري، أوضح أن “البيجر هو جهاز اتصال لاسلكي صغير ومحمول، شاع استخدامه بكثرة في أواخر الثمانينات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، وهي مرتبطة بشبكة الاتصالات الخلوية ”الهاتف المحمول”.
وأوضح أنها “تعمل دون الحاجة لربطها على شبكة الإنترنت، وهي أجهزة اتصال تستخدم الأمواج الراديوية بترددات مختلفة”.
وتابع العمري: “ما حدث في لبنان هجوم إلكتروني أوسع من مفهوم الهجوم السيبراني، فحتى يحدث مثل هذا التفجير، فإنه بحاجة إلى عامل فيزيائي ملموس موجود داخل البيجر، إما من خلال البطارية الموجودة أو حشوة تفجيرية مُعدة مسبقاً تم زراعتها داخل الجهاز”.
واستبعد العمري “إمكانية التفجير المباشر من خلال بطارية الليثيوم الموجودة داخل الجهاز”، موضحا أنه “لتفجير بطارية الليثيوم لا يحدث ذلك من خلال رفع درجة حرارتها واستنزاف المعالج والدوائر الكهربائية في الجهاز، حيث يحتاج تفجير البطارية لعوامل خارجية معقدة”.
وأضاف، “كذلك فإن رفع درجة حرارة مئات الأجهزة في ذات الوقت وفي مناطق واسعة تمتد من بيروت وحتى دمشق من خلال البطارية أمر صعب جداً، ولهذا أستبعد هذا الخيار، أي إجهاد البطارية والمعالج ورفع درجة الحرارة نتيجة ذلك وبالتالي انفجار البطارية”.
وشرح ذلك بالقول، “كيف سترفع درجة حرارة مئات الأجهزة بنفس الوقت، فحتى يتم رفع درجة الحرارة تحتاج عمل إجهاد على البطارية، وحتى يتم ذلك يجب تشغيل جميع عناصر الجهاز ومنها الخاصة بالاتصال والمعالج وغيرها، أي تشغيل الجهاز بكل طاقته، فمثلا كثيرا ما ترتفع درجة حرارة الهواتف العادية لكن لا ترتفع إلى مستوى يؤدي لتفجير البطارية، ولهذا استبعد هذا الخيار”.
ورجح العمري “فرضية زرع حشوات تفجيرية مُعدة مُسبقا خلال إما عملية التصنيع وإما خلال سلسلة التوريد، علما أن الشركة المُصنعة قد لا تكون على علم بعملية زرع الحشوات، فكل شركات صناعة أجهزة الاتصالات لا تقوم بتصنيع جميع قطع الجهاز، بل تشتري بعضها من مورد أخر وقد يكون تم زرع هذه العبوات عبر هذه القطع المستوردة من طرف ثالث، أيضا طبيعة الانفجار الذي رأيناه يؤكد وجود حشوة تفجيرية”.
ولفت إلى أن “عملية إطلاق التفجير يمكن أن تتم عبر إرسال إشارة راديوية إما من خلال منظومة الاتصالات الوطنية أو من خلال قمر صناعي أو طائرة مُسيرة، أو حتى من منطاد تجسسي، وعلى كل الأحوال ننتظر نتائج التحقيقات الرسمية التي تجريها الحكومة اللبنانية وحزب الله والجهات القضائية ذات العلاقة”.
عبوة متفجرة
الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء ركن محمد الصمادي، قال إنه “من الممكن أنه تم استبدال بطاريات هذه الأجهزة بطريقة أو بأخرى من قبل الموساد وزرع عبوة متفجرة، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه العملية لم تكن إسرائيل فقط السبب الرئيسي بها، فلا بد من وجود دول حليفة مشتركة”.
وتابع الصمادي “الاحتمال الثاني أن يكون قد تم زراعة رقاقة إلكترونية تؤدي إلى أن يتم رفع درجة حرارة البطارية إلى درجة الانفجار، وعملية إرسال إشارة لتفعيل الرقاقة أو العبوة التفجيرية في ذات الوقت تتطلب وجود منظومة ترسل إشارة قوية لهذه الأجهزة، وتحتاج للعمل عبر منظومة عمليات سيبرانية عالية الجودة”.
وأوضح أن “من يُصنع البيجر قد يُجمعه تجميع وليس صناعة جميع قطعه، وقرأت خبر أن هذه الأجهزة وردت من إيران، وهناك معلومة تقول أنها من الأردن، ولكن استبعد ذلك”.
وأكمل، “لكن إيران لا تقوم بتصنيعه بشكل كامل، بل تجمع قطعه، لذلك البطارية يتم جلبها من بلد أخر، وقد يكون تم زرع العبوة التفجيرية أو رقاقة إلكترونية لاستقبال إشارة التفجير هناك”.
وأضاف: “أيضا قد يكون هناك طريقة علمية جديدة للعلماء لاستخدام رقاقة تستقبل الإشارة من القمر الصناعي أو من طائرة مسيرة لرفع درجة حرارة البطارية ثم تفجير العبوة، بالطبع ارتفاع درجة حرارة البطارية غالبا لا يؤدي لانفجارها، ولكن قد يكون رفع درجة حرارة البطارية ساعد بتفجير العبوة المتفجرة”.
”إضعاف قدرات حزب الله”
وجاءت هذه العملية الموسعة في ذات الوقت الذي تعالت فيه التهديدات الإسرائيلية بالقيام بعمليات موسعة في جنوب لبنان، حيث قال جيش الاحتلال إن هناك خطط جاهزة لمهاجمة لبنان.
وقال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي إن “الجيش يعمل بقوة في الشمال وفي حالة تأهب عالية مع خطط عملياتية جاهزة”، مؤكدا أن الجيش مستعد لأي مهمة قد يُطلب منه تنفيذها”.
على الجانب الآخر، توعد حزب الله بالرد على عملية التفجير الأخيرة، التي اتهم الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذها، وأكد أنّ ”هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، والله على ما نقول شهيد”، وفقا لبيان أصدره عقب العملية.
وحول تأثير هذه العملية على قدرات حزب الله في أي مواجهة محتملة بين الطرفين، قال الخبير العسكري والاستراتيجي محمد الصمادي، “أولا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن إسرائيل وجهت العديد من الصفعات سواء كان لحزب الله أو سوريا أو للمقاومة في العراق أو لإيران، ولكن كانت ردود الأفعال من قبل جميع الجهات متواضعة جدا”.
وأضاف: “الآن قد يكون هذا نوع من أنواع التصعيد، وبرأيي الساعات القادمة تحمل العديد من المفاجآت، باعتقادي بأن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء، هذه حرب العقول والحرب النفسية وعمليات سيبرانية متقدمة جدا، وهي تُشكل مفاجأة حقيقة ليس فقط لحزب الله، بل لجميع دول العالم”.
وأكد أن “ما حدث هو رفع للتصعيد في الجبهة الشمالية وعمل استفزازي لإيران لجرها إلى الحرب، وإسرائيل الآن تحاول أن تضغط على حزب الله لدفع قواته إلى الشمال من نهر الليطاني”.
ولفت إلى أن “حزب الله وإيران متخوفان من أن يكون هناك حرب شاملة في المنطقة ويحاولان تجنب هذه الحرب، وظهر هذا جليا في تصريحات للأمين العام لحزب الله – بأن الحرب ليست نزهة، ولكن إن فُرضت علينا سنقوم بالمجابهة -“.
وأضاف: “لكن خلال الأيام الماضية لاحظنا ارتفاع في وتيرة التصريحات على المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل داخل حكومة اليمين المتطرف، وباعتقادي لم يُفلح المبعوث الأمريكي بأن يُثني إسرائيل عن هذا التصعيد، وهذا يندرج ضمن عمليات التصعيد نحو البدء في عملية قد تكون واسعة ومركزة على الجنوب اللبناني لاستهداف العديد من الأهداف”.
وأوضح الصمادي أن “ما يحدث من عمليات وضربات عسكرية متبادلة بين حزب الله وإسرائيل، ندرجها ضمن عمليات الاشتباك دون مستوى المعركة والعمليات الرئيسية، فهي كانت عبارة عن مناوشات خلال الفترة الماضية ولا ترقى إلى أن نقول بأنها معركة أو أنها حرب، وهي ليست بناء على خطط أو بناء على تقدير موقف تعبوي أو عملياتي”.
وحول التأثير قال الصمادي، “باعتقادي الآن يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار العنصر القيادي.، فما لاحظته أن معظم الإصابات نتيجة التفجير كانت في منطقة الفخذ أو الخصر، وعادة هذه الأجهزة تكون مع القادة ومع الضباط، لذلك قد يكون هناك إصابات عديدة فنحن نتحدث عن أعداد بالآلاف، وهذا العمل قد يكون عمل استفزازي يُجبر حزب الله أن يقوم بالرد”.
وتابع: “لكن ما عهدناه من حزب الله أنه دائما عنده صبر استراتيجي فيما يتعلق بعمليات الرد وليس بالسهولة عملية استفزازه، وعلى الرغم أن الجانب الإسرائيلي لغاية الآن لم يعترف بشكل رسمي، لكن هي قد تكون عملية لجر حزب الله إلى حرب واسعة في الجنوب اللبناني وإقحامه في هذه الحرب من أجل تدمير قدراته القتالية”.
إقالة غالانت!
وكانت عدة تقارير قد ذكرت أن نتنياهو ينوي إقالة وزير حربه يوآف غالانت، وتعيين رئيس حزب “اليمين الوطني” جدعون ساعر مكانه.
وقالت القناة الـ12 العبرية إن “المفاوضات بين حزب الليكود بزعامة نتنياهو وحزب اليمين الوطني (أمل جديد) برئاسة ساعر، تهدف إلى ضم الأخير للحكومة”، مشيرة إلى أن هناك “تقدما في المحادثات لتولي ساعر حقيبة الدفاع بديلا عن غالانت”.
لكن هل تم استخدام هذه الأنباء والتسريبات كعملية تمويه استخباري من قبل الاحتلال للتغطية على عملية تفجير أجهزة البيجر في لبنان؟
الصمادي قال، “يجب علينا أن نعي تماما بأننا نواجه عدو غاية في الذكاء والحنكة ولديه منظومة كبيرة جدا بما يتعلق بالعمليات النفسية واستخدام هذه القدرات، وعندما نأخذ بعين الاعتبار التصريحات التي تُطلق بين الحين والأخر من المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل، قد يظهر للعيان أحيانا بأن هناك تضارب وتفكك داخل الحكومة ويوجد فجوة بين المؤسستين، قد يكون هذا شيء من الواقع”.
وتابع: “لكن باعتقادي بأن هذه التصريحات التي اُطلقت في الآونة الأخيرة بخصوص إقالة غالانت قد تكون هي عبارة عن تغطية لهذه العملية وعمل إرباك، وهذا ما اسميه ضبابية الحرب، حيث دائما يكون هناك حالة من الغموض والإرباك وعدم الوضوح، والتي تؤدي إلى إيقاع الخصم في حالة من الارتباك وعدم معرفة ما هي الخطوة التالية التي سيتم الإقدام عليها، لذلك لا استبعد بأن هذه البروباغندا تم بثها من قبل الجانب الإسرائيلي للتغطية على هذه العملية وعلى ماذا سيجري خلال الساعات القادمة”.
يُذكر أن أجهزة البيجر، معروفة بقدرتها على توفير التواصل الفوري والمباشر، وتعد من أقدم وسائل الاتصالات المحمولة التي ساهمت في تعزيز التواصل السريع في مختلف القطاعات.
وعلى الرغم من التطور الهائل في تقنيات الهواتف المحمولة، إلا أن البيجر لا يزال يُستخدم بشكل واسع في العديد من المجالات الحيوية مثل الرعاية الصحية والطوارئ، بفضل موثوقيته وبساطته في نقل الرسائل النصية القصيرة والتنبيهات.
ويعتمد عمل البيجر على تقنية الاتصالات اللاسلكية الراديوية (Radio Frequency Communication).
وهذه التقنية تقوم بنقل الرسائل والإشارات عبر ترددات راديوية من خلال شبكة من الأبراج أو محطات الإرسال إلى جهاز البيجر الخاص بالمستخدم.
الإرسال عبر موجات الراديو: يعتمد البيجر على استقبال رسائل نصية قصيرة أو إشعارات تُرسل عبر موجات الراديو. عندما يرغب شخص ما في إرسال رسالة إلى مستخدم البيجر، يتم إرسالها من خلال مزود الخدمة إلى برج الإرسال القريب من المستخدم بشكل مشفر، وعندما يستقبلها الجهاز على الطرف الآخر يقوم بفك تشفيرها وعرضها.
المصدر: عربي 21