لماذا أبقت النمسا الفلسطيني عماد عمران 40 عاما في السجن حتى توفي؟
توفي الجمعة الماضي الفلسطيني عماد عمران في سجن بمدينة كريمس بالنمسا، بعد أن قضى نحو 40 عاما من حياته خلف القضبان، بعد القبض عليه لمشاركته عام 1985 في عملية مطار فيينا.
وتعود أحداث القضية إلى 27 ديسمبر/كانون الأول 1985، عندما نفّذ فلسطينيون عملية استهدفت شركة “العال” الإسرائيلية في مطار فيينا الدولي، وهاجموا فيها وفدا من المسافرين المتجهين إلى تل أبيب، وقُتل إثرها شخصان وأصيب 39 آخرون.
وكان عماد عمران أحد المشاركين في هذه العملية وأصيب في الهجوم، وطاردته الشرطة النمساوية في الشوارع حتى ألقت القبض عليه، وحكم عليه بالمؤبد، لكن السلطات رفضت الإفراج عنه حتى توفي في محبسه.
اسم مستعار
ويقول جلال عمران عن شقيقه عماد، إن أخاه من مواليد الكويت عام 1965، ويحمل الجنسية الأردنية، وكان عمره (20 عاما) عندما شارك في عملية مطار فيينا، وأضاف أن الأسرة لم تعرف بمشاركته في هذه العملية إلا عام 2000، لأنه لم يفصح عن هويته الحقيقية عندما قبض عليه في النمسا.
وعرف عماد في هذه القضية باسم “توفيق شوفالي”، وهو الاسم الموجود في جواز السفر المزور الذي دخل به النمسا.
ويقول جلال عمران إن أخاه ظل 15 عاما يرفض الإفصاح عن هويته الحقيقية مخافة أن تتعرض عائلته لأي ضرر نتيجة العملية التي أقدم عليها، و”ظلت عقليته عند عام 85 لحظة القبض عليه ولم تتجاوزها”.
وأضاف جلال أن أول زيارة لأخيه عماد كانت عام 2007، ووقتها كان لا يعلم السبب الحقيقي الذي أُدين به عماد، ولم يسأله عن ذلك مخافة الرقابة التي كانت مفروضة عليهما أثناء الزيارة، ولم يفصح له عماد عن السبب الحقيقي لإدانته إلا عام 2009.
منظمة أبو نضال
وعندما وقعت عملية مطار روما، أعلنت حينها منظمة “أبو نضال” مسؤوليتها عنها، في حين ندد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات بالهجوم وهجوم آخر تزامن معه في مطار روما، مشددا على أن الهدف من العمليتين كان الضغط على النمسا وإيطاليا لقطع علاقاتهما مع الفلسطينيين، وكان ذلك في فترة شهدت توترا بالغا بين منظمتي “فتح” و”أبو نضال” المنشقة عنها، والتي أسمت نفسها “فتح-المجلس الثوري”.
وبشأن ذلك، يوضح رئيس التجمع الديمقراطي الفلسطيني في النمسا هيثم عورتاني، أن تبني مجموعة “أبو نضال” العمليتين في فيينا وروما كان لأجل توريط منظمة التحرير الفلسطينية في تلك الفترة وخلط الأوراق، ولذلك أعلنت أن الهجومين كانا ردا على استهداف إسرائيل مقر المنظمة في تونس، أو ما تعرف بـ”عملية الساق الخشبية”.
وأضاف عورتاني عن دوافع عماد أنه “قرر أن يأخذ الثأر لما وقع في مجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت، وبعد تنفيذ عملية المطار، تمت مطاردته في شوارع فيينا، حيث أصيب وألقي القبض عليه”.
وهذا السبب يوضحه أيضا جلال عمران، إذ يقول إن أخاه قال له في إحدى زياراته إنه “أراد فقط لفت أنظار العالم لما يحدث للفلسطينيين، بالضبط مثل المظاهرات التي تجوب العالم حاليا من أجل رفع الصوت عاليا”. وتساءل عماد في اعترافه لأخيه “ماذا كنا سنفعل بالطائرة التي نخطط لخطفها؟ وأين كنا سنذهب بها؟”.
عراقيل الإفراج
كان من المفترض أن يُفرج عن عماد عمران بعد قضائه حكم المؤبد، لكن القضاء النمساوي أضاف 19 سنة أخرى، بعد إدانة عماد باحتجاز رهائن أثناء محاولته الهروب عام 1996 مع مدانين آخرين، كما أدين عام 2016 بمدة جديدة بعد “تهديد حرس السجن”. في حين أفرجت السلطات النمساوية عن مصطفى عبد الحميد بدرة عام 2008، وهو الذي كان مشاركا في عملية مطار فيينا، وقضى 23 سنة من الاعتقال.
ويتحدث جلال عمران عن عدة عراقيل وضعتها السلطات النمساوية أمام الإفراج عن أخيه، ومنها:
أولا: اشترطت السلطات أن يُنقل عماد إلى دولة أخرى يكمل فيها سجنه، ومن دون أن يتم الإفراج عنه.
ثانيا: طلبت من جلال أن يوفر لأخيه مكانا وعنوانا ثابتا في الأردن لكي ينتقل إليه، وعندما حقق كل الطلبات فوجئ برفض الإفراج.
ثالثا: قبل أسبوعين خاطبت إدارة السجن جلال عمران بأنها رفعت طلبا للإفراج عن عماد، وصدر قرار إطلاق سراحه بالفعل لكن بعد وفاته بساعات فقط.
إهمال طبي
قبل وفاة عماد بنحو 18 شهرا تحدث إلى أخيه جلال، وكان يتمتع بصحة جيدة، ولم يكن يشتكي من أي أعراض، حسب ما قاله الأخ الأصغر، لكن الاتصال الذي جرى بينهما نهاية أغسطس/آب الماضي أخبر عماد أخاه أنه اكتشف إصابته بالسرطان في الرئة والكبد.
واتهم عماد إدارة السجن بالإهمال الطبي الذي أدى إلى تفاقم وضع أخيه الصحي، فقد تأخرت الإدارة في نقله إلى مستشفى المدينة من أجل تلقي الرعاية التي تناسب مرضه، واكتفوا بمستشفى السجن ذي الإمكانات المتواضعة.
ومن صور الإهمال أيضا التي حكاها عماد أن أخاه ظل 3 أيام من دون أن يقدم له أي طعام، “حتى المسكنات كانوا يرفضون تقديمها في وجودي، وحتى بعض تدهور حالته كانوا يقدمون له طعاما صلبا وبالتالي لم يكن يستفيد منه لأنه لم يعد يستطيع تناوله عن طريق الفم”.
وفي طلب لإدارة سجن مدينة كريمس في النمسا بالرد على اتهامات شقيق عماد عمران، أجابت بأنه بسبب “غياب الأساس القانوني، أو لأسباب تخصّ حماية المعطيات الشخصية، فإنها لن تستطيع تقديم أيّ معلومات حول نزلاء السجن أو النزلاء السابقين”.
المصدر: الجزيرة