اجتياح الضفة ومخططات الحكومة الإسرائيلية
المحامي علي أحمد حيدر
إنّ ما يحدث في مدن وقرى ومخيمات شمال الضفة الغربية (جنين وطولكرم وطوباس) وبعض مدن وبلدات الجنوب (الخليل وبيت لحم) من عدوان واجتياح عسكري لقوات الاحتلال الإسرائيلي وقتل واعتقالات وهدم للمنازل والمساجد وتدمير للبنى التحتية ومحاصرة المستشفيات وإغلاق المحال التجارية، يعتبر تصعيدا خطيرا جدا وسوف تكون له، كما يبدو، تبعات قاسية وصعبة ليس على الأمد القريب فحسب، بل كذلك على الأمد البعيد وعلى مجمل القضية الفلسطينية.
الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية لا تخفي نواياها ورغبتها بضم الضفة إلى إسرائيل، وفرض السيادة عليها وتوسيع الاستيطان وتهجير السكان الفلسطينيين من بيوتهم، والدليل على ذلك ما صرّح به وزير الخارجية يسرائيل كاتس في الأسبوع الماضي، بأن هنالك حاجة إلى “إخلاء مؤقت” للفلسطينيين من بيوتهم من “أجل حمايتهم”. بالإضافة الى ذلك، وزير المالية والمستوطنات بتساليئيل سموطريتش يعتقد بضرورة الحسم والاستيلاء على كل الضفة وفرض السيادة عليها.
وبحسب سموطريتش، الحسم يعني إلغاء الحلم الفلسطيني بالاستقلال وإقامة دولة بواسطة التطهير العرقي وسياسات القوة والإخضاع. وفي المقابل، يدفع إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى، حيث أفصح هذا الأسبوع أن مهمة حياته هي “تحطيم حلم إقامة الدولة الفلسطينية”.
وقد سبق رئيس الحكومة نتنياهو، سموطريش مؤخرا، من خلال الخارطة التي استعرضها، في المؤتمر الصحفي، من أجل تبرير موقفه للبقاء في محور فيلادلفيا وإطالة الحرب، والتي تكشف بكل وضوح تصوره إزاء القضية الفلسطينية.
يؤمن نتنياهو أن غزة يجب أن تبقى محاصرة للأبد، وأن الضفة الغربية المحتلة يجب أن ُتضم لإسرائيل وتكون جزءا لا يتجزأ منها.
من خلال تصريحاته وعرض خارطته في المؤتمر الصحفي لا يكتفي نتنياهو بعرقلة الصفقة والتضحية بالمحتجزين وتجاهل الرأي العام في إسرائيل (الذي توافق أجزاء كبيرة منه على إجراء صفقة)، واحتقار الولايات المتحدة ورئيسها وإهمال الوسطاء…الخ. بل يوضح ما هو هدفة الاستراتيجي “لليوم التالي” وهو ما تؤمن به حكومته وتعمل على تطبيقه بشكل يومي، من مواصلة الاستيطان وتعميق الاحتلال والسيطرة، ودعم غلاة المستوطنين الذين يعيثون في الأرض فسادًا، وضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، أو كما قالت الوزيرة عديت سيلمان مؤخرا بأنهم: “سيرثون الارض” وليس أن يحتلوها.
إنّ ما تقوم به الحكومة بالضفة هو نسخ نموذج غزة وتطبيقه. وإذا لم يكن كل ذلك بكاف، فقد صرّح وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بأنه مخول لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى والسماح لليهود المستوطنين بالدخول إلى باحات الأقصى والسماح لهم بأداء صلوات تلمودية، وأنه يريد بناء كنيس في حرم المسجد الأقصى، بمعنى أنه يريد تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا. وما تصريحات نتنياهو المتتالية بأنه لا تغيير على “الوضع القائم” في المسجد الأقصى، إلا لذر الرماد بالعيون، (تصريحات تلزمه بها قوى الأمن التي تحذره من إمكانية تفجر الأوضاع في الضفة وفي الدول العربية والإسلامية جراء مواقف بن غفير المستفزة)، ومحاولة أخرى منه للتضليل والمراوغة، فلم يكن ولن يكون نتنياهو محط مصداقية أبدًا.
إنّ الحكومة الإسرائيلية تحظى بكل الدعم والتأييد من الإدارة الأمريكية، وتحظى بصمت عالمي وعربي ودولي إزاء ما يحدث في غزة من جرائم. ويعول نتنياهو وحكومته الفاشية على دونالد ترامب رئيسا قادمًا للولايات المتحدة، وخصوصا أن الأخير صرّح مؤخرا “بأن مساحة إسرائيل صغيرة وهو مشغول في إمكانيات توسيعها”. ويفهم من هذه التصريحات بأنّ ترامب ينوي تهجير الفلسطينيين وإعادة احتلال غزة والضفة الغربية وإلغاء وإبطال اتفاقيات أوسلو رسميا وخصوصا أنها ميتة قبل أن تولد.
مع هذه المعطيات، يجب أن يتعامل الشعب الفلسطيني ومعارضي نتنياهو من المجتمع اليهودي والمجتمع الدولي.
في هذا الظرف التاريخي، من الضروري والملِّح إنهاء الانقسامات الفلسطينية، وتشكيل قيادة جماعية وموحدة، واعتماد منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية وإعادة إحيائها والتمسك بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، والعمل على بلورة مشروع وطني فلسطيني متفق عليه، مرفدًا باستراتيجيات عملية متكاملة وناجعة، وعلى رأس سلم الأولويات إنهاء الحرب على قطاع غزة.