رسول السلام عليك الصلاة والسلام
ليلى غليون
إنه الإسلام الذي رسم للبشرية الطريق السليم والأسلوب الأمثل نحو حياة كريمة، ووضع لها من الضوابط ما يضمن لها الطمأنينة والاستقرار ومن الأسس ما يضمن لها الأمن والسلام، ولقد أرسى إسلامنا العظيم قواعد السلام الكوني العالمي للناس كافة لينعم هذا الإنسان الذي جعله الله تعالى خليفته في الأرض وليوفر له كرامته وحريته كإنسان له احترامه واعتباره (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، (وما أرسلناك إلا كافة للناس..).
وعند حديثنا عن السلام في الإسلام فإننا نتحدث بداية عن السلام والأمن النفسي الذي وفره الإسلام للفرد ليستقر في ضميره ويسكن كل خلجة من خلجاته، فيعيش بأمان وهدوء نفسي بعقيدة عالجت كل مشكلات حياته بكل أجزائها وتفاصيلها وأوضحت له سبيل السلام الموصل لدار السلام، عقيدة وفرت له كل أسباب الأمن والاستقرار الدنيوي ليفوز بالاستقرار الأخروي، لينعكس هذا السلام النفسي بعدها ويكون ارتداده على من حوله من أسرة وأصحاب ومعارف وجيران من خلال علاقات وأواصر أخوة ومحبة مبنية على مبادئ الإسلام، ليمتد هذا السلام ويشمل كل مجتمعه، وليتواصل امتداده مع نفس تلك المبادئ السامية النابعة من أصول العقيدة مع كل أمته ثم العالم أجمعين.
فالسلام وهو اسم من أسماء الله الحسنى، هو هدف الإسلام في الأرض على أساس مبدأ العدل والمساواة والحرية للجميع بعيدًا عن الأهواء والمطامع البشرية البغيضة.
إنها أنوار تشع من العديد من الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، ومواقف السلف والخلف رضوان الله عليهم، والتي لا يمكننا إحصاءها في هذه العجالة، والتي سلطت الأضواء على القيم الإنسانية التي قررها الإسلام لإرساء قواعد السلام في كل المجتمعات عامة، كقيمة الكرامة الإنسانية العامة: (ولقد كرمنا بني آدم ..) الإسراء 70. وقيمة الوحدة الإنسانية: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة..) النساء 1. وقيمة التعاون الإنساني: (.. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان..) المائدة 1. وغيرها الكثير الكثير من القيم الإنسانية كالتسامح والحرية والإخاء.
وهذا قبس من أنوار رسول السلام صلى الله عليه وسلم: يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرات) بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”. فهل بقي شيء مما يدعم الأمن والأمان والسلم والسلام لم يذكره هذا الحديث الشريف؟ وهل بقي شيء مما يذهب صفو الحياة وهناءها واستقرارها إلا ونهى عنه؟ فسلام على صاحب الخلق العظيم، وصلاة على من أرسله الله رحمة للعالمين، وبركات على صاحب المسرى من أمر بإفشاء السلام حين قال: “والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”.
وفي حديث آخر نستمع إلى وصيته صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”.
إنه خطاب جامع لكل الناس، نعم للناس كافة يؤسس ويؤصل ويبني المجتمعات على الألفة والمحبة والسلام والإيثار والإحسان، إنه السلام الذي يحتوي على أمن الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة، فعمم أمره بين الناس قاطبة لينشروه.
إنه صاحب القلب الكبير والمشاعر الحانية الذي علم البشرية جمعاء كيف تكون قيمة الانسان، وقدم لها وثيقة تسقط أمامها كل مواثيق حقوق الإنسان التي ما بلغت معشار سموها وارتقائها وعدالتها، فلتتعلم الإنسانية كل الإنسانية من درر جوامع الكلم التي نطق بها فمه الشريف، ولتخرس كل الألسنة الحاقدة التي امتهنت مهنة التزوير والتحريف والكذب والبهتان، وإن كان في قلوب أصحابها ولو ذرة من صدق وأمانة وضمير حي فليعترفوا من أرسى قواعد العدل والسلم والمحبة في ربوع العالمين؟ من رفع الظلم عن الإنسانية، من كرم الإنسان أي إنسان بأرقى أساليب التكريم؟ من أعز المرأة وأحاطها بسياج الكرامة والإنسانية؟ من لا يزال يوصي بها حتى آخر لحظاته”… أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقًا ولهن عليكم حقًا فاستوصوا بالنساء خيرًا…”.
نعم قُبض رسول السلام عليه الصلاة والسلام وهو يوصي بالمرأة خيرًا، المرأة التي صار دعاة التحرر أوصياء عليها يرفعون لواء قضية وهمية ألبسوها للمرأة ويتاجرون بهذه القضية بأسواق العهر والنفاق، فحري بنا ونحن نتفيأ ظلال مولده الشريف، بل حري بنا في كل وقت وحين، حري بنا وإسلامنا يتعرض لأشرس وأعتى حملة عداء وتشهير وتزييف تربطه زورًا وعدوانًا بكل ما تبغضه النفوس من بشاعة وإرهاب وعداء مستحكم لكل ما جاهدت البشرية من أجله من حريات وحقوق إنسان وحقوق المرأة وغيرها. حري بنا وفي هذه اللحظات الحالكة أن نتذكر ونعمل ونذكّر الدنيا بأسرها بوصاياه وتعاليمه صلى الله عليه وسلم والتي هي بمثابة إعلان عالمي لحقوق الإنسان يحث على العدل والسلام والمساواة والتراحم ونصرة الضعيف والمقهور ونصرة المرأة. إنه إعلان عالمي كان ولا يزال وسيبقى ينسف كل الدعاوي الباطلة والشعارات الفارغة فراغ ضمائر أصحابها، من مزايدين ومزورين للتاريخ والحقيقة، يراهنون على بغيهم وكيدهم وما هو إلا على أنفسهم، وينفقون أعمارهم وأموالهم ليصدوا عن سبيل الله والتي ستكون عليهم حسرة ومقتًا وسيرد كيدهم في نحورهم كما قال سبحانه: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون…) الأنفال 36.