مجموعة الأزمات: كيف يمكن اجتثاث عنف المستوطنين الإسرائيليين من جذوره؟
أصدرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرها للعام 2024 تحت عنوان “القضاء على عنف المستوطنين الإسرائيليين من جذوره” ويتناول جذور العنف الذي يمارسه المستوطنون ودوافعه وأسباب تسارعه في الآونة الأخيرة، وارتباطاته بأهداف الحكومة الإسرائيلية، والعقبات التي يخلفها أمام الجهود الرامية إلى تحقيق سلام عادل ومستدام بين إسرائيل والفلسطينيين.
ويقترح التقرير -الذي يتألف من 4 محاور رئيسية، إضافة إلى مقدمتين وخاتمة وملحقات- أن تعمل القوى الخارجية المستثمرة في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على فرض عقوبات على المستوطنين العنيفين، كما بدأت بعض الدول الغربية فعل ذلك.
وتبدأ مجموعة الأزمات التقرير رقم 246، حول الشرق الأوسط، بالجذور الأولى للاستيطان عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان عام 1967، وبرر حزب العمل الحاكم وقتها بناء المستوطنات في تلك الأراضي باعتباره إجراء أمنيا ويوفر عمقا إستراتيجيا لإسرائيل، ويعطي مفاوضيها نفوذا فيما يتعلق بوضع الأراضي.
ومع أن إسرائيل زعمت أنها لا تصادر الأراضي إلا بأمر عسكري ولأغراض أمنية بحتة، فإن العديد من البؤر الاستيطانية المصادرة بأمر عسكري أصبحت مأهولة نهاية المطاف بمدنيين إسرائيليين، ثم بدأت مجموعة من المستوطنين المدفوعين أيديولوجيا في بناء مستوطنات دون إذن من الحكومة، وهو ما انتهى في كثير من الحالات إلى القبول ثم الحماية والتبرير لممارسة تُعرف باسم “فرض الحقائق على الأرض” وفرض الأمر الواقع.
مراحل الاستيطان
تم تحديد العقيدة التوجيهية للاستيطان بخطة ألون في يوليو/تموز 1967، والتي سميت باسم ييغال ألون، وهو جنرال شغل منصب نائب رئيس الوزراء بعد حرب عام 1967، وقد أوصت بأن تحتفظ إسرائيل بكل من وادي الأردن و”ممر القدس”، أو المرتفعات المحيطة بالقدس الشرقية الفلسطينية.
وبسبب الرفض الدولي، أصبح التخفي هو الشعار، لتصدر رئيسة الوزراء غولدا مائير تعليماتها لوزراء حكومتها “بالتوقف عن الكلام من أجل وطننا والتحدث أقل والقيام بأقصى ما يمكن” ثم اكتسبت حركة الاستيطان شرعية الدولة عندما تولى حزب الليكود السلطة عام 1977.
وكانت حكومة حزب العمل برئاسة إسحاق رابين عام 1992 هي الأولى والوحيدة التي اتخذت خطوات أولية ملموسة للحد من التوسع الاستيطاني، ولكن المعارضة اليمينية بدأت تشعر بالخيانة وروجت بقوة لأجندة “إسرائيل الكبرى” التي تمتد من نهر الأردن إلى البحر المتوسط عبر الضفة المحتلة.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت منظمات مثل “أمانة” -وهي جمعية تعاونية غير حكومية تشكل الذراع الأكثر فعالية للحركة الاستيطانية- في إنشاء “بؤر استيطانية رعوية” بالمنطقة (ج) التي تشكل 60% من الضفة، والتي تخضع بموجب اتفاقيات أوسلو للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
عنف المستوطنين ودوافعه
وعرّف التقرير عنف المستوطنين بأنه الطرق التي يستخدمها الإسرائيليون الذين يعيشون في الضفة المحتلة لإرهاب وإيذاء الفلسطينيين، وقال إنه يشمل التعدي على الأراضي ومصادر المياه، وإشعال النار في السيارات والمنازل والممتلكات الأخرى، وسرقة الماشية أو إيذائها، وحرق وقطع أشجار الزيتون، وتخريب الكنائس والمساجد وإطلاق النار على المدنيين، إضافة إلى المضايقة والترهيب والإساءة.
وأشار التقرير إلى دافعين رئيسيين في ارتكاب العنف:
أحدهما الانتقام والسلب في أعقاب أي عنف يمارسه الفلسطينيون.
والآخر الأكثر جوهرية بالنسبة للمستوطنين هو طرد الفلسطينيين من الضفة والاستيلاء على أراضيهم، وخاصة في المنطقة (ج).
ويبرر عدد من المستوطنين في الضفة اختيارهم العيش في الأراضي المحتلة بمجموعة من الآراء، بينها رفض مفهوم الضفة الغربية باعتبارها يهودا والسامرة التوراتية، أو أنها جزء من التراث القديم للشعب اليهودي، أو أنها ببساطة جزء من دولة إسرائيل الحديثة.
ويقول المحلل الإسرائيلي ميراف زونسزين المساهم الرئيسي في التقرير إن “عنف المستوطنين وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث يقوم المستوطنون الإسرائيليون بمضايقة وإرهاب وقتل الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة بأعداد أكبر وبتكرار وحماس أكبر”.
وأضاف زونسزين أنه “يتم تشجيعهم من قبل حكومة ملتزمة بتعميق السيطرة على الضفة وإحباط الدولة الفلسطينية. ولوقف عنف المستوطنين، يجب على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى استهداف ليس فقط المستوطنين الأفراد ولكن الكيانات والسياسات الحكومية التي تدعم المشروع الاستيطاني”.
المستوطنون والدولة
وقد فشلت الحكومات الإسرائيلية في الحد من هذا العنف وغالبا ما تسامحت معه، لكنه تصاعد بشكل كبير منذ أواخر عام 2022، عندما تولت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السلطة.
وأدت الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة -حسب التقرير- إلى تحويل الانتباه عن العنف المنهجي المتزايد الذي يمارسه المستوطنون على الفلسطينيين في الضفة المحتلة، حيث أصبحوا على نحو متزايد يتصرفون بالتنسيق مع الجيش ويرتدون الزي العسكري بأنفسهم، متمتعين بدعم نشط من وزراء الحكومة اليمينيين المتطرفين.
ونبه التقرير إلى أن فرض العقوبات على الأفراد -كما بدأت بعض الدول تفعل- يحجب جوهر المشكلة، ويعزز الرواية القائلة إن عددا قليلا من المخالفين للقانون يتصرفون خارج نطاق سلطة الدولة، وبالتالي على العواصم الغربية التي تتفق في الغالب على أن المستوطنات تنتهك القانون الدولي وأن تذهب إلى أبعد من ذلك.
وخلصت مجموعة الأزمات إلى أن مشروع الاستيطان وما يقابله من حرمان الفلسطينيين من ممتلكاتهم يقتلان ببطء أي أمل في التوصل إلى حل دائم للصراع، وأكدت أن الإفلات من العقاب الذي يتمتع به المستوطنون وكون القادة الإسرائيليين المتشددين والحكومة ذاتها لا يدفعون ثمنا لفشلهم، لا يهدد فقط بتفاقم الصراع، بل إنه قد أدى مع مرور الوقت لتمكين أكثر العناصر تمردا على القانون بالمجتمع الإسرائيلي.