ثلاث زهرات بمناسبة افتتاح السنة الدراسية
ليلى غليون
بمناسبة افتتاح السنة الدراسية الجديدة التي نسأل الله تعالى أن تكون سنة خير ونجاح لجميع طلابنا وطالباتنا الذين نأمل فيهم الخير كله في تحديد ورسم صورة خلابة لمستقبل واعد بإذن الله تسطع فيه شمس الرقي والنهضة لنعود كما كنا شامة بين الأمم بتقدمنا الحضاري وبعزتنا الإسلامية وبهيبتنا الأصيلة، وبهذه المناسبة نتوجه إلى طلابنا وطالباتنا ومعلمينا ومعلماتنا ومديرينا ومديراتنا وأولياء الأمور كل في مجال مسؤوليته وواجبه تجاه هذه المهمة العظيمة والرسالة السامية، رسالة العلم التي عندما تصدرت سلم أولوياتنا كنا أساتذة الدنيا وسادتها بل حصدنا من سنابل العلم والمعرفة عزًا ومجدًا وحضارة ردحًا طويلًا من الزمن.
لذا هي ثلاث زهرات أقدمها، وأبدأها بزهرة إلى الأهل وأولياء الأمور لأقول: إن المدرسة ليست مكانًا (يلم) الأبناء ليرتاح الأهل من ضجيجهم وشقائهم ومطالبهم التي لا تنتهي كما يعتقد بعض الآباء والأمهات، الذين يتنفسون الصعداء عندما تفتتح السنة الدراسية أولى أيامها وكأن حملًا ثقيلًا أزيح عن كواهلهم، إن رسالة المدرسة من أسمى الرسائل وأجلها بل وأخطرها، فالمدرسة بدورها المفترض تعلم وتربي لتقدم للمجتمع انتاجًا طيبًا ومحصولًا وافرًا يعم خيره كل القطاعات الاجتماعية، لذا فإن تعاون الأهل مع المدرسة ضرورة حتمية في مسيرة نجاح الطالب، كذلك فإن متابعتهم وتواصلهم من خلال الاتصال بالمدرسة أو الزيارات المدرسية سيعزز هذا النجاح بإذن الله ويجعل الأهل مطلعين ومتابعين لكل شؤون أبنائهم وأخلاقياتهم وسلوكياتهم، فقد ذكر الاختصاصيون التربويون أن الفشل الدراسي المتكرر للطالب مع انعدام اتصال أولياء الأمور بالمدرسة من الأسباب المهمة التي تقود الطالب الى الانحراف، لذلك فمن الضروري جدًا تفعيل دور مجالس الآباء والأمهات في المدرسة لتقوية الصلة بين البيت والمدرسة.
والزهرة الثانية إليك أخي المربي، أختي المربية، فالطالب أمانة بين يديكما وهو فلذة كبد أبويه، وهم على ثقة بأنكما ستحفظان هذه الأمانة، وهم يظنون بكما كل خير، ولأنهم كذلك، فهم يقولون لكما ويوصونكما بأبنائهم كما أوصى هارون الرشيد حين قال لمعلم ولده: (إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصيّر يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة وكن له حيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وبصره بموقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في وقته، ولا تمر بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ).
أرأيت أخي المربي أختي المربية أن المهمة ليست سهلة بل هي من أخطر ما يكون، وأن التفريط فيها أو حتى التقصير في أدائها ستكون له انعكاسات سلبية وخطيرة على الأجيال حاضرًا ومستقبلًا أقلها أن هذه الأجيال ستسحق تحت وطأة الفساد والانحراف، وها هو الإمام الغزالي في أحيائه يوجه إليكما أخي المربي أختي المربية رسالته ويقول: (ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرًا عظيمًا وخطرًا جسيمًا فليحفظ آدابه ووظائفه) فأنتما لستما مجرد ناقل للمعلومة أو ملقن يلقن مادة جافة، بل دوركما يمتد ويمتد لأكثر من ذلك، فبالإضافة لدوركما في تنمية القدرات الإبداعية عند الطالب والسلوكيات الحميدة وتنمية الذكاء ومهارات التفكير، فإن رسالتكما مكملة لرسالة البيت ودوركما مكمل لدور الأب والأم في العملية التربوية، الأمر الذي يتوجب عليكما بل أجده فرضًا عليكما خصوصًا في زماننا المتأزم هذا الذي تهب عليه رياح الفساد والانحراف من كل حدب وصوب، أن تحرصا كل الحرص على توعية الطالب قبل تعليمه لكل المخاطر المهولة التي تحيطه والتي تسعى وتستهدف نزع كل القيم الحميدة والثوابت الأصيلة من قاموس حياته، مثل الفضائيات والانترنت والاعلام الفاسد والأجهزة الالكترونية على أنواعها ومواقع التواصل الاجتماعي التي أغرقت هذا الجيل بمحتوياتها التافهة التي أتقنت فن مخاطبة الغرائز ونشر الانحلال والفوضى الأخلاقية في المجتمعات وتمييع النشء وتحديدًا في مجتمعاتنا الإسلامية. فمن يتصدى لهذه الحرب المسعورة، الحرب على الأخلاق والقيم والدين؟ ومن يقوي جهاز المناعة التربوي والتوعوي في نفوس الطلاب غيركما أنتما أيها المربي الفاضل والمربية الفاضلة الغيورَين على هذا الجيل.
والزهرة الثالثة، بل أجمل زهرة أهديها إليكم أحباءنا الطلاب والطالبات، أنتم يا حبات العيون ومهج القلوب، أرأيتم كيف يكد آباؤكم ويتعبون بل ويضحون في سبيل توفير وتحصيل كل ما تطلبونه وتحتاجونه من غير أن ينقصكم شيء ولو أدى ذلك بهم إلى حرمان أنفسهم من الراحة والسعادة من أجل عيونكم ومن أجل راحتكم وسعادتكم، كيف لا وكل ما يتمنونه ويأملونه فيكم هو أن تكونوا أبناء صالحين متعلمين مثقفين تخدمون مجتمعكم بتخصصاتكم العلمية وشهاداتكم الأكاديمية وعلى أعلى المستويات ولا يريدون منكم جزاء ولا مقابل.
فكونوا عند حسن ظنهم ولا تخيبوا آمالهم فيكم، وانظروا كم تكون فرحتهم والتي لا تسعها الدنيا بأسرها عند نهاية كل فصل وأنتم تعودون إليهم بتحصيلكم العلمي المتفوق، فحافظوا على هذه الفرحة ولا تحرموهم منها، واجعلوا طلبكم للعلم طاعة لله أولًا وهو الذي يقول في محكم تنزيله: {وقل ربي زدني علما}. وفي آية أخرى: {ويرفع الله الذين آمنوا منكم وأوتوا العلم درجات}، وليكن أسمى أهدافكم ومراميكم الوصول إلى قمم النجاح والتفوق، ولا تتنازلوا عن القمم فأنتم أهل لها، واجعلوا من نجاحكم هدية تقدمونها إلى آبائكم وأمهاتكم أولًا، ثم هدية لخدمة مجتمعاتكم وأوطانكم ثانيًا، وأياكم أن تكونوا غير ذلك، فجدوا واجتهدوا وواصلوا الليل بالنهار في مشواركم العلمي المبارك والله معكم ودعاؤنا لكم بالتوفيق والنجاح والسداد فانطلقوا على بركة الله.