رعاية المُسنّ في الإسلام
د. حسين وليد محاجنة
لقد حرص الإسلام أشدّ الحرص على العناية بالفرد داخل المجتمع، منذ كونه جنينا فطفلا، فشابا، فرجلا، بعد أن أعطاه قيمته الإنسانية فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، [الإسراء: 70]. فالإنسان في جميع مراحله محترم ومكرم، لقيمته الإنسانية الذاتيّة، ويزداد ذلك التّكريم والاحترام بقدر ما يكتسب من محامد وصفات وبقدر ما يعمل من أعمال البر والخير.
إنّ الإسلام حفظ للإنسان كرامته، ووفّى بحقّه، فأمر بإكرامه عند شيبته وحثّ على القيام بشؤونه، وهو النّموذج الذي جسّدته ابنتا شعيب عليه السّلام اللتان قالتا: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}، [القصص: 23].
ولمّا كان حال الكبر هو مظنّة الإهمال والضّجر والغضب خصّه سبحانه بالذّكر وبمزيد من العناية من بين سائر الحالات التي يمرّ بها الإنسان في حياته، قال سبحانه: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}، [الإسراء: 23 – 24].
وكذلك كانت الشّيخوخة محلّ عناية ووصاية من النّبيّ ﷺ الذي قال: “رغم أَنْفُ ثمّ رغم أنف، ثمّ رغم أنف”، قيل: من يا رسول الله؟ قال: “من أدرك أبويه عند الكبر -أحدهما أو كليهما- فلم يدخل الجنّة”، [رواه مسلم].
قال أهل اللّغة: معناه ذلّ وقيل: كره وخزي، وهو بفتح الغين وكسرها، وهو الرُّغم بضم الرّاء وفتحها وكسرها، وأصله لصق أنفه بالرُّغام، وهو تراب مختلط برمل، وقيل: الرّغم كلّ ما أصاب الأنف ممّا يؤذيه.
وفي الحديث الحثّ على برّ الوالدين، وعظم ثوابه. ومعناه أنّ برّهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة، أو النفقة، أو غير ذلك سبب لدخول الجنّة، فمن قصّر في ذلك فاته دخول الجنّة وأرغم الله أنفه. [انظر: النّوويّ: شرح صحيح مسلم(16/ 85)].
وقال ﷺ لرجل استأذنه في الجهاد: “أحيّ والداك” فقال: نعم، قال: “ففيهما فجاهد”، [متّفق عليه].
وأقبل رجل إلى نبي الله ﷺ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال: “فهل من والديك أحد حيّ؟” قال: نعم، بل كلاهما، قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال :”نعم”، قال: “فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما”، [متّفق عليه].
وعن معاوية السلمي -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله إنّي كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: “ويحك، أحيّة أمّك؟” قلت: نعم يا رسول الله، قال: “ويحك الزم رجلها فثمّ الجنّة”، [رواه ابن ماجة وهو صحيح].
قال العجلونيّ في “كشف الخفاء” (1/ 335): “والمعنى: أنّ التّواضع للأمهات وإطاعتهن في خدمتهنّ، وعدم مخالفتهنّ إلّا فيما حظره الشّرع، سبب لدخول الجنّة”.
والأمر لا يقف عند الوالدين إذا بلغا سنّ الشّيخوخة، بل يتعدّى ذلك إلى كلّ كبير مسنّ، فيوجب له الاحترام ويجعل ذلك من الإسلام، يقول ﷺ: “ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويوقّر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر”، [رواه التّرمذيّ وحسّنه].
قال المناوي في “فيض القدير شرح الجامع الصّغير”(5/ 495): “(ليس منّا) أي ليس مثلنا (من لم يرحم صغيرنا) لعجزه وبراءته عن قبائح الأعمال وقد يكون صغيرا في المعنى مع تقدم سنه لجهله وغباوته وخرقه وغفلته فيرحم بالتعليم والإرشاد والشفقة (ويوقر كبيرنا) لما خص به من السبق في الوجود وتجربة الأمور”.
كما يوجب ﷺ للمسنّ الرّعاية الاجتماعيّة والخلقيّة، يقول ﷺ: “إن من إجلال الله إكرام ذي الشّيبة المسلم”، [رواه أبو داود وهو صحيح]. أي إنّ من تبجيل الله وتعظيمه وأداء حقّه إكرام وتوقير الشّيخ الكبير في السّنّ.
ويعدّ الشّاب البار الذي استجاب لأمر ربّه يعده بالجزاء الأوفى فيقول ﷺ: “ما أكرم شاب شيخا لسنّه -أي في شيخوخته- إلّا قيّض الله له من يكرمه عند سنّه”، [رواه التّرمذيّ وقال: “حديث غريب”]. وهذا كلّه يندرج تحت الأصل العام الذي قرّره رسول الله ﷺ: “من لا يرحم لا يرحم”، [رواه البخاريّ].
ومن سماحة الإسلام : أنّه راعى حقّ المسنّ في العبادات أيضا، وأمر من يؤم النّاس أن يراعي حال المسنين. قال ﷺ: “إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخفّف فإنّ فيهم الضّعيف والسّقيم والكبير، وإذا صلّى لنفسه فليطول ما شاء”، [متّفق عليه].
توصيات ومقترحات للمسنّين
إنّ الأسرة -بأصولها وفروعها- هي عماد المجتمع، والرّكيزة الأولى من ركائز بنائه، ومن سنن الله أنّ الصغير يكبر، والكبير يهرم، وهكذا تدور الحياة دورتها. لكن مع هذه التّبدلات تبقى القيمة الإنسانيّة ثابتة لا تتغير، لذلك أوصى الإسلام باحترام الإنسان -كقيمة- في كلّ أحواله وبالغ في التّأكيد عليها في مرحلة الشّيخوخة لذلك نجد من الواجب أن نقترح بعض التّوصيات للعناية بالشّيخوخة، منها:
1. نؤكّد على دور الإعلام في التّوعية والحثّ على رعاية المسنين.
2. كما نؤكّد على دور علماء الدّين والاجتماع في غرس فكرة “وجوب رعاية المسنين” وتنمية الوازع الذّاتيّ الإنسانيّ والدّينيُ تجاههم وعواقب إهمالهم.
3. نقترح إيجاد برنامج تربويّ للنّاشئة، يقوم ببثّ الوعي الدّينيّ والاجتماعيّ للعناية بالمسنين وتقديم المعونة لهم.
4. كما أنّه على الجهات المعنيّة إيجاد وسائل وضمانات تكفل للمسنين حقوقهم كاملة -المادّيّة والمعنويّة- وتقوم برعاية مصالحهم.
5. الانتباه إلى اتجاه النّظم الاجتماعيّة نحو تفكيك الأسرة بشكل تقليديّ، واستحداث أنماط جديدة، لا يكون فيها أبوة أو بنوة، أو عمومة، أو أرحام وأن هذا من الإفساد في الأرض.
[انظر: “رعاية المسنّين في الإسلام”، مقال منشور على موقع “إسلام ويب” بتاريخ 1.1.2002].