أخبار رئيسيةأخبار وتقاريرالضفة وغزة

جثث الأسرى الإسرائيليين الستة قد تخرق جدار الاستعصاء التفاوضي

أحيا تبادل الاتهامات بين حركة حماس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجدل حول الطرف المعرقل لإتمام صفقة التبادل المتعثرة منذ أشهر طويلة. وشكلت واقعة استعادة جثث الأسرى الإسرائيليين الستة التي تمكن جيش الاحتلال من استعادتها في مدينة رفح، جنوبي غزة، قبل يومين أحد أسباب تصاعد الاتهامات بين “حماس” ونتنياهو، لا سيما بعد مزاعم جيش الاحتلال بأن الأسرى الإسرائيليين قُتلوا قبل استعادتهم بساعات قليلة.

ووجهت حركة حماس على مدار الأسابيع الماضية اتهامات عدة لنتنياهو بعرقلة إتمام الصفقة لأسباب سياسية، من خلال تغيير الشروط المتعلقة بالوصول إلى صفقة خلال جولات التفاوض. وعززت الحادثة الأخيرة من اقتناع المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بالإضافة للشارع الإسرائيلي، بأن الحل الوحيد متمثل في الوصول إلى صفقة تبادل جديدة مع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية لاستعادة الأسرى الإسرائيليين المتبقين في غزة. علاوة على ذلك، فقد شكلت التحركات الإسرائيلية الداخلية الأخيرة للتظاهرات وحالة الزخم غير المسبوق منذ بداية الحرب، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للضغط على نتنياهو للوصول إلى صفقة تبادل لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى الإسرائيليين، تطوراً في الملف.

المطالبة باستعادة الأسرى الإسرائيليين
وشهدت المؤسسة الإسرائيلية، أمس الاثنين، تظاهرات غير مسبوقة للمطالبة بالوصول إلى اتفاق، مع تظاهر نحو 750 ألف إسرائيلي للمرة الأولى في عدة مدن مركزية في البلاد، مطالبين باستعادة الأسرى الإسرائيليين وإبرام صفقة تبادل.

وكان لافتاً حضور الهستدروت، وهو أكبر تجمع عمالي إسرائيلي، للمرة الأولى في دعوات الإضراب وشل الحركة التجارية في إسرائيل، من أجل الضغط على نتنياهو للوصول إلى صفقة تبادل مع حركة حماس. وبالتزامن مع خطوة الهستدروت فقد ذهبت بلديات واسعة ومؤسسات إسرائيلية لتعطيل العمل والإضراب، جزئياً وكلياً، للسماح لموظفيها بالتظاهر من أجل الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإبرام صفقة تبادل. وأسهمت واقعة الأسرى الإسرائيليين الستة الذين استعاد الاحتلال جثثهم وهدد بعدها قيادات حركة حماس بالتصفية رداً على ما سماه “إعدامهم” ملف التفاوض من جديد بعد حالة من التعثر المتكررة منذ أشهر.

وقّدر مراقبون أن نتنياهو سعى على مدار الأشهر الماضية لتقليل عدد الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية وحركة حماس، بهدف سلبهم نقطة القوة وتحويلها لأداة ضغط، غير أن ما جرى انعكس سلباً على نتنياهو وعزز من حالة الضغط عليه.

وفي أعقاب تبادل الاتهامات، أصدرت “حماس” بياناً ذكرت فيه أن محاولات تضليل الرأي العام بقيادة نتنياهو عبر استمراره في سياسة الخداع والكذب، للتنصل من المسؤولية عن حالة الانغلاق التي وصلت إليها المفاوضات، لن تعفيه من تحمل كامل المسؤولية بسبب استمرار العدوان الفاشي على قطاع غزة ووضعه المزيد من الشروط المعطّلة لجهود الوسطاء في التوصل لوقف إطلاق النار.

في غضون ذلك، رأى مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية أحمد الطناني، أن واقعة الأسرى الإسرائيليين الأخيرة أحدثت خرقاً مهماً في جدار الاستعصاء التفاوضي، الذي ساد في الأسابيع الأخيرة على أثر إصرار نتنياهو على التمسك بالسيطرة المباشر والكلية على محور فيلادلفيا والجزئية على محور نتساريم.

وأضاف الطناني في حديثٍ معه، أن حادثة العثور على جثث الأسرى الإسرائيليين الستة وإثبات مقتلهم بالرصاص قبل ساعات من العثور عليهم، خلقت حالة من الصدمة والردة لدى الجمهور الإسرائيلي، إذ قدمت نموذجاً على ما سيحمله انسداد الأفق التفاوضي حول مصير باقي الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، وهو ما أكدته رسالة كتائب القسام، الجناح العسكري لـ”حماس”، حول التلويح بمصير الطيار الإسرائيلي رون أراد، الذي اختفى في لبنان في عام 1986، وظلّ مصيره مجهولاً.

وأوضح الطناني أن وجود جزء أساسي من الأسرى الإسرائيليين الذين تم العثور على جثثهم، على قائمة الدفعة الأولى المفترض إطلاق سراحها في الصفقة التي عطلها نتنياهو، أحدث شرخاً كبيراً في المظلة التي حصّن بها نتنياهو نفسه أمام أهالي الأسرى الإسرائيليين والمجتمع الإسرائيلي، بالحديث المستمر عن كون الضغط العسكري نجح في تحقيق مكاسب ودفع المقاومة إلى تقديم التنازلات الجوهرية. وبات محسوماً لدى أهالي الأسرى الإسرائيليين والقوى السياسية في إسرائيل، وبشكل خاص المعارضة منها، أن هذا الضغط العسكري لن يعيد الأسرى الإسرائيليين إلا في توابيت.

ولفت الطناني إلى أن ما كان محفزاً للمزيد من الضغط، هو الموقف العلني الذي قدمه وزير الأمن في حكومة نتنياهو، يوآف غالانت حول كون قرار الكابينت بإبقاء السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا قد مثل حجر العثرة أمام إمكانية عقد أي صفقة. وهو ما وجد صدى مهما وتأثيرا أساسيا على قرار الإضراب، تحديداً مشاركة “الهستدروت” فيه.

وبحسب الطناني، فإن الجواب الذي قدمته “حماس” كان واضحاً، فقد استطاعت الاحتفاظ بالعديد من الأسرى الإسرائيليين على قيد الحياة لمدة طويلة، وأرسلت العديد من الإشارات حول حجم التهديدات على حياتهم وفي مقدمتها القصف الإسرائيلي المستمر، مروراً بانقطاع الاتصالات مع المجموعات الآسرة، أو الضغط النفسي الذي تعرض له الآسرون مما دفعهم لاتخاذ خطوات فردية، وليس انتهاء بأوامر التعامل المباشر مع الأسرى الإسرائيليين في حال تعرض مكان الأسر لخطر المداهمة الإسرائيلية مع استمرار العمليات العسكرية.

ووفقاً للطناني، فإن الحادثة الحالية لن تغير من موقف نتنياهو الواضح أنه قد تجاوز منذ البداية القلق بخصوص مصير الأسرى الإسرائيليين إلا أن المتغير المهم هو تصاعد الحراك الضاغط، من أجل الوصول لصفقة تبادل داخل إسرائيل وانخراط طبقات وشرائح أخرى.

نتنياهو تحول إلى حجر عثرة
إلى ذلك، اعتبر الباحث محمد الأخرس، أن نقطة الاستعصاء في ملف التفاوض هي نتنياهو، الذي بات حجر عثرة، من خلال استخدام ملف التفاوض لتحييد ضغط أهالي الأسرى الإسرائيليين ومنع تأثيرهم على الرأي العام الإسرائيلي.

وأضاف الأخرس في حديثٍ معه، أن محور الارتكاز لنتنياهو خلال الفترة الماضية، هو إيهام المجتمع الإسرائيلي بأن الضغط سيحقق النتائج المرجوة، من دون الحاجة لدفع الثمن سياسياً أمام حركة حماس أو إحداث انتكاسة على صعيد الائتلاف الحكومي.

ولفت إلى أن التقدير كان أنه في حال عدم الضغط الحقيقي على نتنياهو من الولايات المتحدة أو المجتمع الإسرائيلي أو المؤسسة العسكرية، فلن يذهب باتجاه إبرام صفقة تبادل، غير أن واقعة الأسرى الإسرائيليين الستة مثلت بداية ضغط عليه.

ووفقاً للأخرس فإن هذا المشهد سيفضي بالضرورة إلى إبرام صفقة تبادل أو دفع نتنياهو للذهاب لوقف إطلاق نار، غير أن ما حصل شكّل أول خطوة حقيقية ضاغطة على رئيس الوزراء الاسرائيلي، لا سيما إذا استمر الحراك الداخلي في البلاد.

وأشار إلى أن الحراك الجماهيري والإضرابات العمالية التي تمت الدعوة لها لو كتبت لها الاستمرارية بالإضافة لتصلب موقف المؤسسة العسكرية والأمنية بالذهاب لصفقة، فعندها فإن حالة الضغط ستكون قوية على نتنياهو للوصول لصفقة.

أما على صعيد موقف المقاومة الفلسطينية، فرأى الأخرس أن المقاومة واجهت عوامل ضغط قوية، تمثلت في محاولة الاحتلال تحييد كل عوامل وأدوات الضغط التي تمتلكها عبر تحييد الضغط الإقليمي أو ضغط جبهات مثل الضفة الغربية المحتلة.

وأكد أن التطورات الحاصلة في المشهد الميداني خلال الأسابيع الأخيرة خدمت المقاومة الفلسطينية، لا سيما مع تجدد العمليات في الضفة بالإضافة للمتغيرات الحاصلة على المشهد السياسي الإسرائيلي، مما أعاد بعض القوة للموقف السياسي للمقاومة.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى