أنفاق بالقدس لتسهيل المرور أم تطويق المدينة وربطها بالمستوطنات؟
مرّ أسبوع على افتتاح نفقَي “يادين” أمام حركة المركبات في القدس. ويضم النفقان الجديدان 4 مسالك، اثنان منها يوصلان إلى مستوطنة “معاليه أدوميم” والبحر الميت شرقي المدينة، وآخران يعودان بالاتجاه الآخر نحو مستوطنة “بنيامين” شمال شرقي المدينة المقدسة.
وجاء على الموقع الإلكتروني لوزارة المواصلات الإسرائيلية أن افتتاح الأنفاق الجديدة استكمال لمشروع “فصل المستوى” عند تقاطع التلة الفرنسية، والذي سيسمح بالسفر المستمر والسريع إلى “معاليه أدوميم” والبحر الميت، وهو يضم 4 أنفاق بطول 4.4 كيلومترات وعمق نحو 40 مترا.
ويبلغ طول كل نفق -حسب موقع الوزارة- نحو 1.5 كيلومتر، ونفذتهما شركة “موريّا” بقيادة بلدية الاحتلال بالقدس ووزارة المواصلات، ويضاف النفقان الجديدان لنفقين آخرين افتُتحا أواخر 2023 وحملا اسم “ناركيس” قرب مفترق التلة الفرنسية بحيث يوصلان إلى مستوطنتي “نفيه يعقوب” و”بسغات زئيف” ويبلغ طول كل منهما 700 متر.
〽️ سلطات الاحتلال تستمر في بناء مشاريع استيطانية جديدة في القدس، تعزز من وجود المستوطنين وتيسر تحركاتهم داخل المدينة، وذلك على حساب تدمير منازل وأحياء المقدسيين.
"يغئال يادين" نفق استيطاني افتتحه الاحتلال لربط مستوطنة التلة الفرنسية وشارع "1" بالعيسوية وحاجز الزعيم بالقدس. pic.twitter.com/fpQV0T8NGC
— معراج (@M3rajNet) August 24, 2024
حسم الديموغرافيا
وفي تعقيبها على إتمام هذا المشروع، قالت وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف “التزامنا بتنمية وازدهار القدس المدينة الخالدة وعاصمة إسرائيل يتم التعبير عنه في العديد من الاستثمارات، وتعمل الوزارة على تعزيز المنظومة المرورية والاتصال بين القدس وجيرانها من الشرق، معاليه أدوميم وبنيامين”.
بينما قال مدير عام الوزارة موشيه بن زاكين “مكتبنا يعمل على تحسين مداخل القدس العاصمة الأبدية لشعب إسرائيل، بهدف تسهيل الأمر على المجتمعات المتنوعة التي تأتي إلى القدس كل يوم لجميع احتياجات الحياة”.
أما مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد أريج للأبحاث التطبيقية (القدس) سهيل خليلية فيقول في حديث معه إن الأنفاق الجديدة بالإضافة للنفق الإضافي الذي افتتح مؤخرا أسفل مدينة بيت جالا (جنوبي القدس) ستسهل حركة قرابة 170 ألف مستوطن من مستعمرات “غوش عتصيون” و”معاليه أدوميم” و”جفعات زئيف” نحو القدس، موضحا أن “إسرائيل تخطط لضم هذه التكتلات الاستيطانية إلى الحدود الإدارية لبلدية القدس”.
ولكي يصل هؤلاء إلى المدينة يحتاجون إلى شبكة طرق متطورة، وبضمهم سترجح كفة الديموغرافيا في المدينة المقدسة لصالح اليهود على حساب الفلسطينيين الذين تخطط إسرائيل أيضا لاستثناء أحيائهم الواقعة خلف الجدار العازل من حدود البلدية، وفقا للباحث.
وتتماشى فكرة الأنفاق الجديدة مع المفهوم العام الذي يريد الإسرائيليون تنفيذه وهو تخصيص شبكات طرق خاصة بالفلسطينيين وأخرى بالإسرائيليين لتسهيل استجلاب المستوطنين، كما أن العمل على افتتاح المزيد منها يدلل -وفقا للباحث بمركز أريج- على حجم البناء الذي سيضاف للمستوطنات والمناطق الصناعية القريبة منها.
ركائز المشروع الاستيطاني
ويبلغ طول الطرق الالتفافية (خارج المدن) بالضفة الغربية -التي أنشئت من أجل المستوطنين لكن ما زال الفلسطينيون يستخدمون بعضها- أكثر من 960 كيلومترا، وهنا يؤكد الباحث أن مشروع الاستيطان يقوم على 3 ركائز أساسية هي بناء المستوطنات والطرق الالتفافية والمناطق الصناعية.
ويضيف: فعندما بنيت المستوطنات لم يكن المشروع ناجحا ففكروا ببناء مناطق صناعية قريبة منها من أجل جلب المستوطنين للعمل، وبالتالي برزت الحاجة لإنشاء شبكة طرق واسعة وسهلة.
من جهته يقول خبير الخرائط والاستيطان خليل التفكجي -في حديث معه- إن الأنفاق التي تقام داخل القدس لها مجموعة من الأهداف الإستراتيجية “وهي الدمج بين القدس الشرقية والغربية، وربط المستعمرات الإسرائيلية التي تقع خارج حدود البلدية مع المدينة”.
وبمعنى آخر، يقوم الجانب الإسرائيلي بعملية توسيع حدود بلدية القدس من القدس الحالية التي تعادل 1.2% من مساحة الضفة إلى 10% من مساحتها، عن طريق ضم كتل استيطانية وإنشاء شبكة شوارع وأنفاق، وفق الخبير المقدسي.
ويضيف “على سبيل المثال تبلغ تكلفة إنشاء شارع الطوق أو ما يعرف بالشارع الأميركي 500 مليون دولار، ولإنشائه صودر 1070 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضي 4 بلدات مقدسية، وأحكم الشارع والمستوطنات تطويق هذه البلدات وحدّ من توسعها وفتت ارتباطها الجغرافي”.
وتطرق التفكجي إلى النفق الذي سيفتتح بمنطقة حاجز قلنديا، قائلا إنه سيربط مستوطنات شمال شرق القدس بالمدينة، وبالتالي فرض أمر واقع، إقامة بنية تحتية خاصة بالمستعمرات، تسهيل حركة المستوطنين، مصادرة الأراضي، محاصرة القرى الفلسطينية، دمج شطري المدينة، بحيث تصبح إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية من المستحيلات.
طرق تطوق القدس
بدوره تحدث مدير مركز القدس للمساعدة القانونية رامي صالح عن هذه القضية من وجهة نظر حقوقية قائلا “يجب أن نتذكر أنه عندما يتم ربط المدينة مع المستوطنات فإنها تعزل في الوقت ذاته عن محيطها الفلسطيني” موضحا أن “كل من يرغب بزيارة القدس من الشعب الفلسطيني يجب أن يحصل على موافقة من الجهات العسكرية الإسرائيلية”.
ولأن استصدار تصريح دخول إلى القدس بات أمرا مستحيلا خلال الحرب، فإن الفلسطينيين باتوا يتسللون إلى مدينتهم المقدسة، ويكون الاعتقال مصيرهم في معظم المرات.
وأضاف صالح بأن “التقديرات تشير إلى أن هناك مئات الفلسطينيين الذين يدخلون القدس يوميا دون الحصول على تصريح وأن العشرات يتم توقيفهم. وللمفارقة فإن المستوطن يدخل بكل أريحية دون حاجز، والفلسطيني يجب أن يتسلل إلى مدينته ثم يعتقل”.
وختم الحقوقي المقدسي بالقول إن هناك 10 مقاطع طرق تطوق القدس يصل طولها إلى 96 كيلومترا، وإن السلطات الإسرائيلية عملت على بنائها خلال 25 عاما الماضية وادّعت أن الهدف تسهيل حركة المرور من وإلى المدينة “لكنها بالنسبة لنا كمقدسيين تربط المستوطنات المحيطة بالمدينة بمركزها، وتعزل الأحياء الشرقية المحتلة عام 1967 عن النسيج الفلسطيني”.
المصدر: الجزيرة