أخبار وتقاريردين ودنيامقالاتومضات

سجن اسمه الموضة

ليلى غليون

العديد من الفتيات والنساء يقبعن في سجن اسمه (الموضة) والتي اعتبرها جهاز تحكم في يد مصممي الازياء ومن يقف وراءهم، يتحكمون ويعبثون في عقلية الفتاة وإرادتها ونمط حياتها لتسير وفق إشارات المرور التي نصبوها في طريقها.

لقد رسم صانعو (الموضة) منهجًا تسلك فيه الفتاة مسالك عديدة وسبلًا شتى بغية الوصول الى عالم الجمال، وأي جمال؟! جمال وضعوا له معايير محددة، ودقيقة، وسنّوا له قوانين ثابتة تتناغم وتتجانس مع أصول اللعبة التي وضعت قواعدها مسبقًا، وإن كانت أهداف صانعي الموضة ليست تجارية فحسب، ولكنها تصبو إلى ما هو أكثر من ذلك، وترمي أهدافها إلى ما هو أفظع من ذلك، لترمي بشرر كالقصر يصيب الأخلاق والقيم في الصميم، ويصيب الأجيال والمجتمعات برمتها، عن طريق نشر الفساد بالصور والألوان البراقة، وتطبيع التحلل بالعناوين واللافتات الرنانة، وممارسة عملية غسيل دماغ كاملة للفتاة من خلال وسائل الإعلام بكافة قنواتها وشبكاتها والتي هي أشبه بالبحار العاتية، حيث تقدم عارضات الأزياء والممثلات والراقصات على أنهن القدوة في الجمال والأناقة والرشاقة، وجعل جسم الواحدة منهن النموذج الأمثل، وهو جسم نحيف جدًا في نحافته (عظم على عظم) لتبدأ عملية التعذيب النفسي والجسدي والتجويع الذي تمارسه العديد من فتيات اليوم، وذلك باتباعهن (ريجيما) شديدًا قاسيًا يضرب كل القواعد الصحية عرض الحائط، ما أدى إلى التسبب بمضاعفات صحية كبيرة عند البعض منهن، كل ذلك بسبب عيون الموضة وحتى تصل الواحدة منهن إلى ذاك الجسد النحيف الذي يعتقدن بأنه عنوان الجمال والأناقة، وهذا الاعتقاد رسخه في نفوسهن تجار الموضة ومسوقو الموضة ومن يقف وراءهم، حيث حركوا بوصلة مقاييس الجمال باتجاه نحافة أكثر، بمعنى أن الأكثر نحافة هي الأكثر جمالًا وأناقة.

وتستمر اللعبة وتتنوع الوسائل والسبل للوصول إلى ذاك الجسد الرشيق بدءا من أنظمة الغذاء، ومرورًا ببرنامج يحدد ويحسب السعرات الحرارية، بدون الأخذ بعين الاعتبار تقبل الجسم لمثل هذه الأنظمة الغذائية أو عدم تقبله، لينتج عن هذه الأساليب الغذائية أمراض عديدة منها (البوليميا)، حيث يصاب الإنسان فيه بالشره فيأكل كميات كبيرة من الطعام ثم لا يلبث أن يتقيأ كل ما التهمه حتى يبعد عن نفسه شبح السمنة وكذلك أمراض أخرى تسمى بـ (اضطرابات الأكل).

إنَّ سجن الموضة الذي تقبع فيه العديد من الفتيات والنساء لم يقف عند حد أسره وتكبيله إرادة الفتاة أو المرأة، بل أن جناء هذا الأسر تعدى إلى ما هو أخطر من ذلك، وذلك بسعيه الدؤوب المتواصل وحرصه على أن لا يجعل للمرأة هدفًا لها أبعد من ملابسها ومكياجها وأحذيتها وحقائبها التي تتزين بها، ليحدد لها ماذا تلبس في الصباح، وماذا تلبس في المساء، وماذا يناسبها في تلك السهرة أو الحفلة، وما موضة الخريف وما موضة الشتاء وما موضة الربيع والصيف لتظل تلهث وتدور في دوامة لا تنتهي، وأما عن مكياج الصباح فهو بالطبع يختلف عن مكياج ما بعد الظهر أو مكياج المساء، فلكل مقام مقال ولكل مناسبة ما يناسبها لتصبح المرأة بإرادة منها أو بغير إرادة في دائرة التبعية والانجراف في هذا النفق الذي لا تعرف له نهاية، وليتم بذلك تفريغها من الاهتمام بالأمور الجدية، لينحصر هذا الاهتمام بالمظهر والجسد لتصبح أسيرة المظهر والجسد، مقيدة بالإعلانات الصاخبة للمساحيق ومستحضرات التجميل والعطور بماركاتها العالمية والفاترينات التي تعرض أحدث الأزياء وما تفتقت عنه عقلية مصممي الأزياء. وقد أثبتت الأبحاث والتجارب ولا زالت تثبت وتحذر من أن مساحيق التجميل مصنوعة من مواد كيماوية ضارة بالبشرة والجسم، وتساهم مساهمة مباشرة في غزو التجاعيد المبكرة للوجه، ولكن ورغم حملات التنبيه والتوعية في هذا المجال والتي لا تفتأ تدق على مسامع الفتاة والمرأة، إلا أنها، وعلى ما يبدو تصر على أن لا تسمع إلا لمن تعتقد أنه يجعلها أكثر جمالًا وأكثر أنوثة، حتى لو كانت الوسيلة المستخدمة لهذا الغرض المواد الكيماوية الضارة، فلتصبر على الضرر ولتتحمله ما دام في نهاية المطاف سيوصلها الى الجمال الذي تنشده.

أمّا عن الأموال التي تنفقها المرأة في سباقها نحو الجمال ومن أجل عيون الموضة، فحدث ولا حرج، فهذا طلاء الأظافر وهذا مزيله، وذاك أحمر الشفاه بألوانه المتعددة وذاك قلم الشفاه السحري، وهذا طلاء الجفون والرموش وذاك كريم أساس، وكريم لتفتيح البشرة والقائمة طويلة والوصفات كثيرة والاعلانات مغرية والأموال الطائلة تسرقها حملات الإعلانات المحمومة وتبتلعها بالوعة الهرولة نحو الأناقة والرشاقة ليتم غزو الجيوب وتفرغ من محتوياتها بعد أن فرغت عقول علاها غبار كثيف، ولتمتلئ جيوب أخرى سعى أصحابها بليل بهيم وتدبير إبليسي لعين أن يجعلوا من المرأة مجرد دمية متحركة تحركها أنامل خفية تهدف لإحداث تغييرات خطيرة في وضع المرأة في المجتمع من كونها أمًا وزوجة بالأساس وعضوًا نافعًا في المجتمع تكتسب أهميتها ومكانتها وسعادتها من أمومتها ودورها الكبير في أسرتها ومجتمعها، إلى كونها تبحث عن الاعجاب في عيون الناس أكثر من بحثها عن السعادة في عيون أطفالها وزوجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى