في ذكرى محرقة رابعة
مارية محاجنة (المشهد)
محرقة رابعة، هي محرقة العصر، سَفك السيسي فيها دماء آلاف الأبرياء من المُعتصمين السّلميّين في نهار واحد!
ووددتُ الحديثَ عن ما قبل الانقلاب حيث الإعلام التخريبي الذي مارس فجورًا سياسيّا وإعلاميّا لا نظير له، من خلال بث الاشاعات المُغرضة بحق الرئيس الشرعيّ المُنتخب د. محمد مرسي وحكومته، وصولًا إلى ليلة الانقلاب، وما تبعه من أحداث، وصولا ليومِ المحرقة.
فبعد وقوع المجزرة وارتقاء آلاف الشهداء خرجت أصوات تُحمّل مسؤولية ما حدثَ لجماعة الإخوان المُسلمين في مصر، وأنها هي من أوصلت الشارع إلى هذه الطريق وارتكاب المجزرة.
فنداءات عصام العريان وصلاح سُلطان وخالد أبو شادي ومحمد البلتاجي وأحمد عارف وخيرت الشاطر وعبد الرحمن الصغير وغيرهم من قيادات الإخوان، بالاعتصام السلميّ في ميدان رابعة، “والخطابات النارية”، هو ما دفع سلطة الانقلاب العسكريّ لاقتراف ما حدث في يوم 14.8.2013.
ورغم تبنيّ الإخوان المسلمين في مصر الحِراك الشعبيّ السلميّ، وقد قال مرشدهم: سلميتنا أقوى من الرصاص.. وجدنا بعض من المناوئين للمشروع الإسلامي ممّن أصابهم نوبات هلع وتشنج فكري خَشية تصدّر الإسلاميين المشهد، فعملوا على إسقاط رئيس منتخب لبلادهم في تفكير سطحي آني لا يُقدّر العواقب والتبعات، فتبعات الانقلاب العسكريّ لا يزال شعب مصر يتجّرع مراراتها وويلات الانقلاب حتى اللحظة، وطالت أيدي الطواغيت معظم الناشطين والفاعلين في العمل السياسيّ والميدانيّ، دون تمييز لأحد من الانتماءات.. هذه الأصوات التي حمّلت الاسلاميين طغيان ما حدث، ولم تنسب الأمر للقاتل الفاجر وأعوانه. بل خرجت علينا تُغني:
تسلم الأيادي تسلم يا جيش بلادي، والمرادُ:
تسلم بقتلكَ السلميّين في رابعة… تماما كما خرجت علينا ليلة الانقلاب العسكري 3.7.2013 الهام شاهين التي أمضت حياتها في إفساد أجيال متعاقبة “لن يشير إليكم بعد اليوم رئيسًا بإصبع سبابته”.. لكن ما حدث، أنه جاء رئيس يُطيح بأعناقِ مُخالفيه.
بكلمات أخرى: لا تُريدون رئيسًا مُنتخبًا حتمًا ستخضعون لرئيس مُنقلب. لا تريدون أن تحتكموا للديمقراطية التي صدّعتم رؤوسنا بها ، فلتهنئوا بنار الديكتاتورية ويبوسة عقول العسكريين… لا تُريدون قيادات نسائية فاضلة واعية كعزة الجرف وأسماء علي ونجلاء زوجة الرئيس وخديجة خيرت الشاطر التي قتلت بالبث المباشر أثناء تغطيتها لفظائع وأهوال جيش الكفتة، فلتهنئوا: بالوضيعة الهام شاهين وفيفي عبده ومثيلاتها..
لا تُريدون رئيسا متواضعا زاهدا في الدنيا، فلترزحوا تحت حكم رئيس لص سرق خيرات البلاد والعباد، وانتشر الفقر انتشارًا واسعًا في عهده، ممّا ضاعف حالات التردّي المجتمعي والهبوط الأخلاقي القيميّ، وشيوع الجهل، والفساد، والبغي.
يُغيظهم “الإسلام السياسيّ”، ويريدون أن يقتصر دوره في زاوية أحد المساجد، وفي بيوت العزاء، وفي فقه الوضوء!!
بينما الذي حدث ظهور “مُدّعي قيادة” و”أدعياء ناشطين”، في مُجملهم ركبوا الموجة ويتسلقون على قضية هنا أو هناك، على اعتبارها مجد شخصي من شهرة او تفاهة أو تسويق أو تلميع للطواغيت الظلمة.
في ذكرى المحرقة يتراءى لي أن المعركة بين الحق والباطل لا تقبل بأنصاف الحلول، هي التمايز هي المفاصلة هي الولاء هي البراء، لا تقبل التقسيم ولا تقبل الضبابية ولا مشتقات اللون الرماديّ. وبيننا وبينكم ديمقراطياتكم، صوت الناخب الحُر هو من يحق له تقرير وانتخاب رئيسه وحكومات شعبه، لكنه في عهد الانقلاب أصبح حبرًا على ورق، هذا إن بقي ورق.
والله غالبٌ على أمره، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.