أخبار وتقاريرمقالاتومضات

كِذبة الحفاظ على الوضع القائم في الأقصى

ساهر غزاوي

ما يميز تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يُنظر إليها على أنها الأكثر يمينية وتطرفًا وعنصرية، ويُنظر إليها على أنها “حكومة الخطر والتطرف الجديدة” كما وصفتها صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية حين تشكلت الحكومة، ما يميزها أنها تعمل منذ لحظة تسلمها مقاليد الحكم على الانتقال من مرحلة إدارة الصراع الى حسم الصراع، وهذا من أهم الأهداف الإستراتيجية لهذه الحكومة. بخلاف الحكومات السابقة التي كانت تفضل البقاء في نقطة إدارة الصراع. مع التنويه الضروري إلى أن مفهوم “إدارة الصراع” معناه تحديد الخلافات والتعامل معها بطريقة متوازنة وعقلانية فعالة للتوصل إلى حل يرضي كل الأطراف. لكنه وفقًا للمنظور الإسرائيلي، فإنه لا يمكن أن يصب إلا في المصلحة الإسرائيلية ليضمن تلبية مطالبها ويخدم مشاريعها التهويدية.

هذا فضلًا على أن سياسة الحكومة الحالية في التمييز العنصري والاضطهاد الديني والسياسي والاعتداء على الأرض والمقدسات وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الجماعية وحتى الفردية منها، هي استمرار للنهج القائم منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948. وهو النهج الثابت الذي لم يتغير وإن تغيرت تركيبة الحكومات السابقة، بدءًا من حكومة بن غريون الأولى ومرورًا بحكومة بينت- لبيد وانتهاءً بالحكومة الإسرائيلية الحالية التي تسير بسرعة جنونية لحسم الصراع، خاصّة وأن قوة أحزاب الصهيونية الدينية زادت في الحكومة الحالية، وبالتالي فإن هذه الأحزاب تدعم فكرة إقامة “الهيكل المزعوم” مكان المسجد الأقصى، وهي التي تعمل في هذه المرحلة بالذات على استكمال تكثيف ممارسات الطقوس الدينية اليهودية في المسجد الأقصى، والتي بدأتها وبشكل تصعيدي مبرمج حكومة بنيت– لبيد، حتى وصلت هذه الممارسات في ظل الحكومة الحالية إلى تكرار قيام المستوطنين تأدية شعائر توراتية علنية في باحات المسجد وتأدية ما يسمى بـ”السجود الملحمي” خلال اقتحام المسجد الأقصى المبارك وكان آخرها الاقتحام الكبير في 13/8/2024 بمناسبة ما يسمى ذكرى “خراب الهيكل” المزعوم بقيادة وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وبرفقة وزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلوف.

بن غفير الذي يُعتبر واحد من أشقياء هذه الحكومة الإسرائيلية التي تسير بسرعة جنونية في الانتقال من مرحلة إدارة الصراع إلى حسمه وفي المسجد الأقصى تحديدًا، قد حوّل تغيير الوضع القائم أو ما يعرف بمصطلح “ستاتوس كفو” بالمسجد الأقصى إلى هدف رسمي في وزراته. وقد أدرج هذا الهدف في خطة تشمل السيطرة على المسجد والسماح لليهود بالصلاة فيه وصولًا إلى فكرة إقامة “الهيكل المزعوم” مكان المسجد الأقصى المبارك. وهو (بن غفير) نفسه الذي صرَّح خلال اقتحامه وتدنيسه لباحات المسجد الأقصى برفقة مئات المستوطنين أن “هناك تقدم كبير جدًا هنا (يقصد في المسجد الأقصى) في الحكم والسيادة الإسرائيلية وسياستنا هي السماح لليهود بالصلاة”.

إن أكثر ما يُثير السخرية في هذا السياق، هو أنف بينوكيو (نتنياهو) الذي يكبر كلما شرع في الكذب (بينوكيو تلك الدمية الخشبية صاحبة الأنف الطويل التي أصبحت رمزًا عالميًا للكذب). نعم إنه نتنياهو الذي يتبنى مقولة “اكذب.. اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس” لا يرى أو لا يريد أن يرى أنفه كيف يظهر للجميع بصورة ضخمة وبشعة عندما يكذب أو يُكذبه أحد أشقياء حكومته حول كذبة أن “سياسة إسرائيل في المسجد الأقصى لم تتغير”، بحسب بيان مكتب رئيس الوزراء (نتنياهو) الذي صدر بعد ردود الفعل الغاضبة والواسعة على اقتحام الوزير بن غفير للمسجد الأقصى وتأديته شعائر تلمودية علنية ودعمه للمستوطنين لتأدية ما يسمى بـ “السجود الملحمي” في باحات المسجد الأقصى المبارك.

فهذا وزير تطوير النقب والجليل في حكومة نتنياهو الحالية، يتسحاق فاسرلاوف الذي رافق بن غفير في الاقتحام الكبير للمسجد الأقصى المبارك بمناسبة ما يسمى ذكرى “خراب الهيكل” المزعوم، يقول إنه نسق مسبقًا مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأبلغه أنه سيقتحم المسجد الأقصى في ذكرى ما يسمى “خراب الهيكل” المزعوم. ولنزيدكم من البيت شعرًا، فقد صرَّح هذا الوزير بشكل علني أنه قبل أسبوعين من موعد الاقتحام توجه إلى رئيس الحكومة نتنياهو وطلب منه اقتحام الأقصى.

بالمناسبة، ليست المرة الأولى التي يكذب فيها نتنياهو حول زعم الحفاظ على الوضع القائم في الأقصى، ففي مسيرة الأعلام التهويدية في مدينة القدس المحتلة التي نُظمت يوم 5/6/2024 التي دعا فيها الوزير بن غفير إلى الصلاة “علنا” في المسجد الأقصى المبارك حيث قال: “أنا سعيد بوصول اليهود إلى “جبل الهيكل” اليوم وصلاتهم هناك”. ليرد عليه نتنياهو ببيان يزعم فيه أن “الوضع القائم في المسجد الأقصى لم يتغير ولن يتغير”.

لولا أن تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى ضمن خطة حكومية يُشرف عليها نتنياهو بنفسه وضمن سياسة تبادل الأدوار بين نتنياهو ووزرائه لحسم الصراع في المسجد الأقصى لفرض مخططات تهويدية، لما تجرأ الوزيران في حكومة نتنياهو، إيتمار بن غفير ويتسحاق فاسرلوف وغيرهم من الوزراء وأعضاء الكنيست على تكرار اقتحام وتدنيس المسجد الأقصى المبارك وتأديتهم لشعائر تلمودية علنية ودعمهم للمستوطنين لتأدية ما يسمى بـ”السجود الملحمي” في باحات المسجد الأقصى المبارك.

يتركز حقيقة مصطلح “الوضع القائم” ما يعرف بمصطلح “ستاتوس كفو” في المسجد الأقصى، وفق المفهوم الاحتلالي، حول إيجاد وضع جديد بالقوة داخل المسجد يختلف عن ذي قبل، بحيث يبقى مصطلح “الوضع القائم” ملازمًا لكل تغيير يحدثه الاحتلال في المسجد الأقصى لصالح مخططاته ومشاريعه التهويدية. لكن الوضع القائم بالنسبة لنا كمسلمين نملك الحق الخالص الأوحد في المسجد الأقصى المبارك ولا نقبل فيه القسمة ولا الشراكة، فإن الوضع التاريخي القائم هو ما قبل الاحتلال الإسرائيلي لكامل مدينة القدس عام 1967. بل هو كما قال فضيلة الشيخ رائد صلاح أن “الذي حدّد ماهية الوضع القائم في الأقصى أو ما يعرف بمصطلح “ستاتوس كفو” هو الله تعالى، وذلك في قول الله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى…”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى