تعرّفوا على : (جي بي يو 39)
الشيخ رائد صلاح
(جي بي يو 39) هو إسم القنبلة الأمريكية التي ألقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت الموافق 2024/8/10 على “مدرسة التابعين”، وعلى المصلين في هذه المدرسة بغزة، وهي قنبلة أمريكية صغيرة الحجم، ولعلها تساوي بحجمها البوظة الأمريكية التي خرج بها الرئيس المراهق “بايدن” على أهل الأرض وهو يأكلها بدلال أطفال الرياض، ورغم حجم هذه القنبلة الصغير إلا أنها ذات قدرة تدميرية للحجر والشجر والبشر فوق الخيال، وها هي آثارها الكارثية قد أودت بحياة أكثر من مائة خلال ثوان معدودات من أهلنا بغزة، من رجال ونساء وأطفال لاجئين مشردين قد آوتهم تلك المدرسة، وكانوا ما بين نيام قد افترشوا الأرض والتحفوا السماء ومصلين قاموا صفوفًا في مصلى تلك المدرسة لأداء صلاة الفجر، فسقطت عليهم تلك القنبلة الأمريكية (جي بي يو 39)، وهم على ذاك الحال ما بين نيام ومصلين، وكأن النوم والصلاة باتا ضربًا من الإرهاب في حسابات “العم سام بايدن” وزبانيته، وكأنهما باتا جريمة لا تغتفر ويجب على الفور تنفيذ حكم الإعدام الميداني على مرتكبيها، وهذا ما كان، ففي لحظة عين وانتباهتها تحولت المدرسة ومُصلاها إلى ركام، وتحول أولئك العزّل من الرجال والنساء والأطفال إلى أشلاء ممزقة اختلطت فيها الأيدي المبتورة والرؤوس المقطوعة والأرجل المهشمة، وبات من العسير تحديد هوية كل يد مبتورة وكل رجل مهشمة وكل أحشاء وأمعاء متناثرة!!
من الذي أوقع هذه المجزرة الدموية؟!، هي هذه القنبلة الأمريكية التي تُصنّف على اعتبار أنها من القنابل الذكية، وكأني بها مخلوق حي متوحش يتمتع بالذكاء ويُدرك سلفًا ماذا سيفعل، وكيف سيفتك، وكيف سيقتل، وكيف سُيدمر، وكيف سيوقع المصائب على الأبرياء المظلومين بغزة أو بغيرها من الكرة الأرضية!!، ويا لهذه القنبلة الأمريكية من صناعة شيطانية أمريكية باتت محل فخر الصناعات الأمريكية في الحسابات الأمريكية، ويا لها من عنصر مفاجأة سَفّاح باتت أمريكا تفاجئ به البشرية، وتكشف لهذه البشرية المصعوقة قدرة أمريكا فوق الخيالية على استنزاف هذه البشرية وهدر كرامتها وتفريغها من إنسانيتها وتحقير منزلتها كأنها باتت دون شتى الحيوانات المُهددة بالانقراض التي باتت أمريكا تتفاخر أنها تبذل الجهود الجبارة والأموال الطائلة للحفاظ عليها.
وأمام هذا المشهد الدموي الذي وقع على “مدرسة التابعين”، والذي تفوح منه رائحة مجازر أمريكا في “فيتنام واليابان والعراق وأفغانستان”، أتساءل بصوت حر وصارخ:
1. أما آن الأوان أن نتوقف عن ترداد الأسطوانة المشروخة التي تقول إن “العم سام بايدن” يُريد إبرام صفقة ويُريد إيقاف الحرب وإجراء صفقة تبادل، ولكنه لا يستطيع إلزام “نتنياهو” بذلك!!، نعم يا لها من أسطوانة مشروخة وتافهة ومضللة، لأن كل القرائن تؤكد منذ عشرة أشهر أن “العم سام بايدن” يملك كل الوسائل لإبرام الصفقة لو أراد ذلك، ويملك الأدوات الضاغطة التي تمكنه من إجراء صفقة التبادل لو أراد ذلك!!، ولكنه باختصار لا يُريد إبرام الصفقة ولا إيقاف الحرب ولا إبرام صفقة التبادل!!، وإلا ما معنى أن يواصل تزويد المؤسسة الإسرائيلية بهذه الترسانة من الأسلحة الأمريكية على مدار العشرة أشهر الماضية، حتى بات واضحًا لكل مشاهد من أهل الأرض للكارثة الإنسانية المتواصلة بغزة أن الطائرات الأمريكية هي التي تقصف غزة، وأن الدبابات الأمريكية هي التي تُدمر غزة، وأن القنابل الأمريكية الغبية والذكية هي التي تفتك بأهل غزة، وأن الصواريخ الأمريكية هي التي لا تزال تواصل هدم البيوت والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات والمستشفيات بغزة، إلى جانب الأسلحة الأوروبية التبع للأسلحة الأمريكية، ولا يزال هذا المشهد ماثلًا أمام كل أهل الأرض منذ عشرة أشهر، ثم بعد ذلك أيُطلب منا أن نحنط عقولنا وأن نواصل ترداد تلك الأسطوانة المشروخة الشوهاء والتي تستفز كل حر فينا، والتي تقول إن “العم سام بايدن” لا يملك الأدوات من أجل الضغط على “نتنياهو” لإبرام صفقة وإيقاف الحرب وإجراء صفقة تبادل!!، يا لها من أسطوانة مُقززة معتوهة تتعامل معنا وكأننا لا زلنا دون مرحلة الفطام، ولذلك باتت خواطري تقول لي: إن الذي لا يزال يواصل ترداد هذه الأسطوانة المشروخة العفنة بادّعاء أنه محلل سياسي أو خبير بالشؤون الإسرائيلية أو خبير بالشؤون الأمريكية هو متآمر على غزة ومُساهم بالكارثة الإنسانية التي لا تزال تستفحل بغزة، ولذلك كم يصيبني حال من القرف السياسي عندما أسمع على لسان “العم سام بايدن” أو “أوستن” أو “كيربي” أو “بلينكين”، أو سائر هذه الجوقة من هؤلاء الزبانية أن أمريكا أبدت قلقها على ما وقع على “مدرسة التابعين”!!، يا لهذه الدعارة السياسية ويا لهذه الخلاعة السياسية ويا لهذا المجون السياسي، فكيف تُبدي أمريكا قلقها على ما وقع “بمدرسة التابعين” علمًا أن ما وقع “بمدرسة التابعين” كان آخر صرخة من ماركات الأسلحة الأمريكية المُدمرة.
2. أما آن الأوان لكل محلل سياسي يطل علينا من على شاشة قناة الجزيرة أو أية قناة إعلامية أخرى أن يخجل على نفسه وألا يواصل ترداد مقولة إن أمريكا مُنحازة إلى الطرف الإسرائيلي!!، أو إن أمريكا تُكيل بمكيالين، أو إن أمريكا شريك في الحرب على غزة!!، لأن أمريكا ليست كذلك، فهي ليست مُنحازة ولا تكيل بمكيالين وليست شريكًا، بل هي التي تقود هذه الحرب المجنونة على غزة، وهي التي تمدها بالسلاح والمال والدعم السياسي والإعلامي، وهنا يستوقفني فلتة لسان قالها أحد الإعلاميين الإسرائيليين خلال حوار إعلامي في إحدى الإذاعات الإسرائيلية كما حدثني بذلك الإعلامي “عبد الإله المعلواني”، حيث قال ذاك الإعلامي الإسرائيلي متفاخرًا: لا أريد أن أكشف عن إسم الفندق الإسرائيلي الذي يتواجد فيه الخبراء الأمريكيون على مدار العشرة أشهر الماضية!!، وهذا يعني أن هناك مجلس حرب أمريكي يُدير هذه الحرب على غزة إلى جانب مجلس الحرب الإسرائيلي!!، فهي أمريكا التي تُدير هذه الحرب، وهي أمريكا التي تريد تدمير كل مقومات الحياة بغزة بنسبة 100% حتى تستحيل الحياة بغزة ما بعد هذه الحرب!!، بمعنى أن أمريكا تريد أن تمحو غزة عن الوجود حتى لا يبقى شيء اسمه غزة بعد هذه الحرب، وكأني بأمريكا قد أوكلت الاحتلال الإسرائيلي بمهمة نسف غزة بالمطلق حتى لا يبقى فيها بشر ولا شجر ولا حجر على حجر، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تريد أمريكا ذلك؟!، وماذا تُخطط أمريكا لإقامته على أطلال غزة؟!، والذي تتوهم أمريكا أنها ستقيمه وسيخضع مباشرة لقرار مباشر من البيت الأبيض الذي بات مجللًا بسواد العار الذي وقع على أمريكا بسبب هذه الكارثة الإنسانية التي لا تزال أمريكا توقعها على غزة.
3. لذلك كم سنكون سفهاء عندما نظن أن أمريكا لا تريد التصعيد بعد اغتيال رئيس حركة حماس “إسماعيل هنية” بطهران، وبعد اغتيال “فؤاد شكر” ببيروت!!، ولو كانت لا تريد التصعيد كما يحاول دهاقنة أمريكا تمرير ذلك علينا لما واصلت أمريكا تزويد المؤسسة الإسرائيلية بالأسلحة ما بعد هذين الاغتيالين، ولما واصلت أمريكا إعطاء المعلومات التجسسية لكل تحرك بغزة (حتى تحرك النمل)، للمؤسسة الإسرائيلية، ولما واصلت أمريكا إعطاء الضوء الأخضر لمواصلة شن الحرب على غزة، ولمواصلة إيقاع الكارثة الإنسانية عليها، ولمواصلة تدمير كل بناء فيها، ولمواصلة فرض خطر الإبادة الجماعية عليها، ولمواصلة ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية فيها!!، ولكن هي أمريكا التي تطالب مرشحة الرئاسة فيها “هاريس” بإيقاف الحرب في غزة كضريبة انتخابية كي تحظى بأصوات الجاليات المسلمة والعربية والفلسطينية القاطنة بأمريكا، وهي أمريكا التي يطالب مرشح الرئاسة فيها “ترامب” على المكشوف لمواصلة الحرب على غزة، وهي أمريكا التي باتت تودع الرئيس المراهق “العم سام بايدن”، والتي باتت تستعد لاستقبال رئيس أمريكي جديد، أو رئيسة أمريكية جديدة، كغطاء للدولة العميقة الأمريكية التي لا تزال تعمل على تفكيك القضية الفلسطينية، وعلى تفتيت الشعب الفلسطيني، وعلى السعي لشطب غزة عن الوجود، لماذا كل ذلك؟!، لأن كل ذلك يُعجّل وفق حسابات أمريكا البروتستانتية-الصهيونية الكارثية بوقوع (كارثة هار مجدون)، التي لن تكون وفق هذه الحسابات الأمريكية إلا بعد حسم ملف شطب غزة عن الوجود، وملف تهويد الضفة الغربية، وملف تهويد القدس، وملف بناء هيكل مزعوم على حساب المسجد الأقصى!!، فهي الحسابات البروتستانتية- الصهيونية الكارثية التي لا تزال تعشعش في أذهان القيادة المعاصرة الأمريكية كما عشعشت ذات يوم في ذهن “ريجن وبوش الأب وبوش الأبن والقس سويجرت والقس فولويل والقس بات روبرسون” وغيرهم من أتباع البروتستانتية الصهيونية التي باتت ترتهن أمريكا والشعب الأمريكي.
4. ولكن هذه الحسابات الأمريكية الكارثية ليست يقينية، بل هي مجرد أوهام وأحلام وكوابيس، ولا يطول الزمان حتى يتخلص الشعب الأمريكي من كل هذه الأوهام، وسنفرح لذلك يوم أن يتحقق ذلك، لأن الشعب الفلسطيني ما كان في يوم من الأيام عدوًا للشعب الأمريكي لأنه الشعب الأمريكي، وما كان في يوم من الأيام عدوًا لأي شعب في الأرض لأنه الشعب (س) أو (ص)، بل على العكس تمامًا إن الشعب الفلسطيني يحمل حب الخير والازدهار والحرية والاستقلال لكل شعوب الأرض بما في ذلك الشعب الأمريكي، وسيبقى الشعب الفلسطيني مُتمسكًا بحقه بتقرير مصيره وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس المباركة، ومتمسكًا بحق العودة.