المجاعة لا تُنهي الحرب في السودان
أعلنت لجنة دولية تفشي المجاعة في أجزاء من ولاية شمال دارفور غربي السودان، لا سيما في مخيم زمزم للنازحين قرب مدينة الفاشر عاصمة الولاية، لتتحقق بذلك مخاوف المنظمات الإنسانية من تفاقم أوضاع المدنيين المحاصرين في المدن والقرى وتفشى الجوع والأمراض نتيجة استمرار الحرب في السودان التي تجاوزت عاماً ونصف عام. ويخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ومليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، صراعاً عسكرياً منذ 15 إبريل/نيسان 2023، تسبب، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في فرار عشرة ملايين شخص من منازلهم. كما تسببت الحرب في السودان في تفاقم الأوضاع الإنسانية وانتشار الأمراض وشح الغذاء وانعدام السلع خصوصاً في المدن والقرى الواقعة تحت حصار “الدعم”.
تفشي المجاعة في مخيم زمزم
وبعد أشهر من تحذيرات متتالية من سوء الأوضاع الإنسانية، أعلنت لجنة مراجعة المجاعة بتصنيف الأمن الغذائي، وهي لجنة من خبراء الأمن الغذائي، في الأول من أغسطس/آب الحالي، عن تفشي المجاعة في مخيم زمزم للنازحين، والتي ستستمر خلال الشهرين المقبلين. وذكر تقرير اللجنة المعني بانعدام الأمن الغذائي العالمي أن الصراع المتصاعد المستمر منذ 15 شهراً “أعاق بشدة وصول المساعدات الإنسانية ودفع بمخيم زمزم للنازحين إلى براثن المجاعة”.
ويقع مخيم زمزم على بعد حوالي 12 كيلومتراً جنوب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي تحاصرها قوات الدعم السريع. ويعد واحداً من أكبر مخيمات النازحين في السودان، حيث يتزايد عدد سكانه بسرعة نتيجة الأوضاع في الفاشر، وأصبح يضم نحو 500 ألف شخص. ووفقاً لتقرير لجنة مراجعة المجاعة، فإن “المحركات الرئيسية للمجاعة في مخيم زمزم هي الصراع وعدم وصول المساعدات الإنسانية، وكلاهما يمكن تصحيحه فوراً بالإرادة السياسية اللازمة”.
وأشار التقرير إلى أن القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية، بما فيها العراقيل المتعمدة التي تفرضها الأطراف الفاعلة في النزاع، أدت إلى تقييد قدرة منظمات الإغاثة بشدة على توسيع نطاق جهودها للاستجابة بشكل فعال. وأوصى التقرير باستكشاف جميع الوسائل الممكنة للحد من الصراع أو حله بين الأطراف المعنية في السودان. وكانت منظمة أطباء بلا حدود أعلنت، في بيان في 4 أغسطس الحالي، أن ثلاثاً من شاحناتها التي تنقل الإمدادات الطبية المنقذة للحياة، بما في ذلك الأغذية العلاجية، إلى زمزم والفاشر، محتجزة في مدينة كبكابية منذ أكثر من شهر من قبل قوات الدعم السريع. وكانت الولايات المتحدة دعت، في 23 يوليو/ تموز الماضي، الجيش وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات بشأن وقف الحرب في السودان تبدأ في 14 أغسطس الحالي في سويسرا، وترعاها أيضاً السعودية، وستضم الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقب.
وعقب صدور تقرير لجنة مراجعة المجاعة، دعت بريطانيا لعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن، متهمة طرفي الحرب في السودان بمنع وصول المساعدات. وقال نائب المندوب البريطاني لدى الأمم المتحدة جيمس كاريوكي، أمام اجتماع المجلس في 6 أغسطس الحالي: “اليوم سيموت 100 مدني سوداني، من الرجال والنساء والأطفال، من الجوع، وغداً سيموت 100. هذه الخسارة المروعة في الأرواح سوف تدوم إلى أن يضع الطرفان المتحاربان مصلحة الشعب السوداني قبل اهتمامها بالسلطة”. وأضاف أن مستوى المعاناة في السودان يفوق الخيال، وهي نتيجة مباشرة للأفعال التي يرتكبها الطرفان المتحاربان.
وتابع: “الجيش يعيق دخول المساعدات إلى دارفور بوسائل منها إغلاق معبر أدري، وهو أقصر طريق مباشر لتقديم المساعدة على نطاق واسع، فيما الاعتداءات المستمرة للدعم السريع على دارفور أجبرت آلاف الأشخاص على الفرار، وتسببت في أوضاع استفحل في ظلها الجوع، وهو ما لا ينبغي أن يحدث، إذ يمكن للطرفين المتحاربين ولذوي النفوذ اتخاذ إجراء فوري لمنع وقوع مزيد من المعاناة”. وشدد على أنه ليس هناك حل عسكري لهذه الأزمة، و”من ثم، فإننا نطلب من الطرفين المتحاربين المشاركة في الحوار في جنيف والتواصل بحسن نية، للاتفاق على خطوات تُفضي إلى وقف إطلاق نار مستدام، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين”.
تهديد لاستقرار كل المنطقة
من جهته، نبه المدير التنفيذي المساعد لبرنامج الأغذية العالمي ستيفن أومولو، في إحاطته أمام المجلس في 6 أغسطس الحالي، إلى أن “هذه الأزمة الإنسانية لم تحظ بالاهتمام السياسي والدبلوماسي الذي تحتاج إليه بشدة، ومع ذلك، فإن لها آثاراً أوسع نطاقاً وتهدد بزعزعة استقرار كامل المنطقة”. وشدد على أن تأكيد وجود المجاعة لا بد أن يكون بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي، ولأعضاء مجلس الأمن، مشيراً إلى أن جميع أطراف الصراع تفشل في الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها بموجب القانون الإنساني الدولي، وأن “الحيز الإنساني يتقلص طوال الوقت”. وقال أومولو إن طرفي الحرب في السودان يعرقلان، بشكل روتيني، طلبات الحصول على موافقات التنقل عبر خطوط النزاع، وهذا يحد بشدة من كمية المساعدات التي تمر و”يمنعنا من العمل على نطاق واسع”. واعتبر أن “وقف المجاعة الجارية الآن يتطلب إرادة سياسية وقيادة. ويدعو برنامج الأغذية العالمي مجلس الأمن إلى توفيرها. إن شعب السودان، الذي أنهكته الحرب وكسره الجوع، لا يستحق أقل من ذلك، ويجب ألا نخذله”.
وكانت وزارة الخارجية السودانية اتهمت، في بيان في الثالث من أغسطس الحالي، “الدعم السريع” بالتسبب في انتشار الجوع في معسكر زمزم حسب ما ذكرت لجنة المجاعة، في إطار ما وصفته الوزارة باستراتيجية التجويع التي تنتهجها “الدعم”، ونفت أن يكون عدم استخدام معبر حدودي بعينه هو سبب عدم وصول الإغاثة للمحتاجين. لكن مفوضية العون الانساني التابعة للحكومة أصدرت بعد يوم بياناً نفت فيه وجود مجاعة في معسكر زمزم، واعتبرت أن ما جاء في تقرير اللجنة المعنية لا يمت للحقيقة بصلة، وأن آخر زيارة مشتركة للجهات الحكومية وبعض المنظمات للمعسكر، في 23 يوليو الماضي، أكدت استقرار الوضع الإنساني.
تطوير آلية مقبولة من طرفي الحرب في السودان
ورأى الصحافي السوداني ياسر جبارة أن كيفية التعاطي مع أزمة بؤر الجوع في السودان تحتاج إلى دراسة سياسية وعسكرية، وتطوير آلية مرنة ومقبولة من قبل الحكومة و”الدعم السريع” لوضع كل طرف أمام مسؤولياته بعد تحديد أبعاد الأزمة وحجمها وفق مناطق السيطرة. وقال جبارة، إن استعجال إعلان مجاعة من دون مشاركة الأطراف المعنية في مراحل التقييم إهدار للجهد، ذلك أنه من الواضح أن البحث عن المكاسب العسكرية يغطي على ما عداها من احتياجات إنسانية. وأضاف أن “استخدام الجوع سلاحاً أمر يجب التحقق منه، واتخاذ قرار بشأنه، سواء وقع ذلك من قبل الجيش أو المليشيا التي تقع أغلب بؤر الجوع، في كل الولايات بما فيها الخرطوم ودارفور، في مناطق انتشارها، فضلاً عن مناطق أخرى تحت سيطرة الجيش مثل جنوب كردفان، ومناطق تسجل درجات أقل في انعدام الأمن الغذائي، وغالبيتها بسبب الحصار المفروض عليها”.
وأشار جبارة إلى أن “العمل على تلافي وقوع مجاعة وشيكة في معسكر زمزم، أو كونها تحققت بالفعل بحسب تقديرات الأمم المتحدة التي ترفضها الحكومة يتطلب أن تكون الأولوية للتحركات العملية المنسقة بين الأطراف، إذ إن إعلان المجاعة ببعض المناطق، من قبل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، من دون موافقة الحكومة، من شأنه أن يزيد من معاناة المواطنين، ولن تحقق الخطوات التي تتخذ بهذا الشأن الهدف وهو إنقاذ حياة المدنيين المتضررين”.
من جانبه، قال الباحث والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، إن “القتال أصبح بلا أي معنى أخلاقي”، معتبراً أنه أصبح لزاماً على طرفي الحرب في السودان العمل بشكل جاد لتسوية النزاعات وإنهائها، والمضي نحو مرحلة دستورية متطورة أو جديدة. وأشار إلى أن “المقاتلين على الأرض أُرهقوا، وما تبقى من الممتلكات لم يعد مغرياً للنهب، فيما القادة أضحوا تحت وطأة الضغط الإقليمي والدولي الذي يحث على وقف الحرب في السودان”. واعتبر أن تقارير المنظمات الدولية حول المجاعة مع استمرار الحرب في السودان “تمثل خطوة جادة وإضافية للضغط على أطراف الحرب في السودان لكي يضعوا السلاح جانباً ويوافقوا على الاستجابة لأصوات المواطنين والعالم”.
المصدر: العربي الجديد