ولقد نعلم أنك يضيق صدرك
قال تعالى {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون* فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين* واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 97-99]. آيات كريمات نزلت تسلية للنبي ﷺ مما يجده من أذى وسخرية المشركين وإعراضهم عن الحق، وتطييبا لخاطره ﷺ، وتوفيرا لما يحتاجه من الحماية والرعاية والتأييد والنصر، وذلك ليبلغ النبي رسالات ربه في أمان لا يصيبه خوف من أذى الناس ولا وجل.
تسلية النبي ﷺ من أذى المشركين
جاء في (التفسير المنير): سلى الله نبيه عما يصيبه من أذى المشركين فقال: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} [الحجر: 97]، أي وإنا لنعلم يا محمد أنك تتأذى من سخرية المشركين وشركهم، ويحصل لك ضيق صدر وانقباض، فلا يثنينك ذلك عن إبلاغ رسالة الله، وتوكل عليه، فإنه كافيك وناصرك عليهم، والجأ إليه لإزالة الانقباض والجزع.
ثم أمره سبحانه وتعالى بقوله: {فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين* واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 98-99]، أي فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة، وداوم على ذلك حتى يأتيك اليقين، أي الموت، وسمي الموت باليقين؛ لأنه أمر متيقن، والدليل لهذا التأويل: قوله تعالى حكاية عن أهل النار: {قالوا لم نك من المصلين* ولم نك نطعم المسكين* وكنا نخوض مع الخائضين* وكنا نكذب بيوم الدين* حتى أتانا اليقين} [المدثر: 43-47] أي الموت.
وهذا دليل على أن علاج ضيق الصدر هو التسبيح والتقديس والتحميد والإكثار من الصلاة، وأن العبادة كالصلاة واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا، فيصلي بحسب حاله كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب”.
وذلك أن النبي ﷺ حين جهر بالدعوة امتثالًا لأَمر ربه، اشتد إِيذاء قريش له ولمن آمن به، حتى ضاق صدره وعظم همه، بما كانوا يقولون من كلمات الشرك والسخرية فأَنزل الله عليه: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}.
عناية الله تعالى الخاصة بالنبي ﷺ
الآية الكريمة تعبر عن العناية الخاصة التي نالها النبي ﷺ من الله تعالى حيث طمأنه من كل أذى يرصد له، ويبعث في نفسه الراحة من كل أمر يتحرج منه.
قال ابن عاشور: طمأن الله نبيه ﷺ بأنه مطلع على تحرجه من أذاهم وبهتانهم من أقوال الشرك وأقوال الاستهزاء فأمره بالثبات والتفويض إلى ربه لأن الحكمة في إمهالهم، ولذلك افتتحت الجملة بلام القسم وحرف التحقيق {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون}.
وليس المخاطب ممن يداخله الشك في خبر الله تعالى، ولكن التحقيق كناية عن الاهتمام بالمخبر وأنه بمحل العناية من الله.
التسبيح .. علاج الهموم والأحزان
أمر الله تعالى نبيه ﷺ باللجوء إلى الله تعالى والقرب منه والدعاء مما كربه وضاق به بالتسبيح والتحميد، إذ ضاق صدر النبي ﷺ مما يجد من معاملات ومكايد خبيثة من المشركين ونحوهم المستهزئين. وضيق الصدر كناية عن كدر النفس، وتعرضها للهموم والأحزان.
جاء في التفسير الوسيط للطنطاوي:
إن ضاق صدرك- أيها الرسول الكريم- بسبب أقوال المشركين القبيحة، فافزع إلينا بالتسبيح والتحميد، بأن تكثر من قول سبحان الله، والحمد لله.
قال بعض العلماء: فهذه الجملة الكريمة قد اشتملت على الثناء على الله بكل كمال لأن الكمال يكون بأمرين:
أحدهما: التخلي عن الرذائل، والتنزه عما لا يليق، هذا معنى التسبيح.
والثاني: التحلي بالفضائل، والاتصاف بصفات الكمال، وهذا معنى الحمد.
فتم الثناء بكل كمال. ولأجل هذا المعنى ثبت في الصحيح عنه ﷺ أنه قال:
“كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم … “.
والمراد بالسجود في قوله- تعالى- وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ- الصلاة. وعبر عنها بذلك من باب التعبير بالجزء عن الكل، لأهمّيّة هذا الجزء وفضله، ففي صحيح مسلم عن أبى هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء».
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة، أن ترتيب الأمر بالتسبيح والتحميد والصلاة على ضيق الصدر دليل على أن هذه العبادات، بسببها يزول المكروه بإذنه- تعالى-، وتنقشع الهموم … ولذا كان ﷺ إذا حزبه أمر لجأ إلى الصلاة.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث نعيم بن عمار- رضى الله عنه- أنه سمع النبي ﷺ يقول: قال الله- تعالى-: «يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخره».
فينبغي للمسلم إذا أصابه مكروه أن يفزع إلى الله- تعالى- بأنواع الطاعات من صلاة وتسبيح وتحميد وغير ذلك من ألوان العبادات.