معركة الوعي (209) البركان القادم..
حامد اغبارية
المسألة لا تتعلق باغتيال إسماعيل هنية؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران فجر الأربعاء، بل بالسلوك الإسرائيلي المتراكم عبر عقود، والذي بلغ ذروته في الحرب الانتقامية على غزة.
عليك أن تسبر غور العقلية الإسرائيلية حتى تفهم هذا السلوك. هي عقلية مبنية على غريزة الانتقام التي تدعمها وتقويها فتاوى حاخامات تلمودية شديدة الوضوح والصراحة والقسوة، وتقف خلفها إيديولوجية تقف في أقصى درجات التطرف الفكري والسلوكي.
تدرك القيادة الإسرائيلية الحالية، كما أدركت قبلها القيادات التي سبقتها في جميع الحكومات دون استثناء، أن الاغتيالات السياسية لا تحقق ولا يمكن أن تحقق أية نتائج من تلك التي يكثرون الحديث عنها في الإعلام الإسرائيلي وفي مساحات واسعة من الإعلام الغربي المجند لصالح الأجندة الإسرائيلية.
ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها اغتيال قيادات فلسطينية وعربية وإسلامية طوال سنوات الصراع، وربما لن تكون الأخيرة. ومع ذلك لم تغيّر هذه الاغتيالات من مواقف الطرف الفلسطيني الذي اختار طريق المقاومة المسلحة، ولم تضعفه ولم تجعله يتراجع، بل بنظرة أكثر واقعية فإن هذه الاغتيالات زادته إصرارا ودفعته إلى المزيد من تطوير أدوات المواجهة. هذه حقيقة تاريخية لا يختلف عليها اثنان؛ لا من السياسيين ولا من المحللين ولا من الخبراء ولا من المؤرخين.
طالما أن الأمر كذلك، فلماذا تتبنى تل أبيب سياسة الاغتيالات رغم إدراكها لعدم جدواها وتأثيرها على المدى القصير والبعيد؟
يمكن القول -كما يرى خبراء ومحللون- إنها فقط غريزة الانتقام وروح التشفي، ليس أكثر!
بعد أحداث السابع من تشرين الأول كان هناك إجماع أو شبه إجماع إسرائيلي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على أن قطاع غزة بمن فيه هم مجموعة من الحيوانات، وأنه يجب التعامل معهم من هذا المنطلق. وقد شهد العالم وما يزال تطبيق هذه “النظرية” على أرض الواقع. وإلا فليس هناك أي تفسير منطقي لاستهداف كل شيء في قطاع غزة من مدنيين؛ أطفالا ونساء وشيوخا وحجرا وشجرا ونباتا وكل ما له علاقة بمقومات الحياة. ليس هناك أي تفسير منطقي، سوى أنها الرغبة في الانتقام من كل شيء له علاقة بغزة.
وقع اغتيال إسماعيل هنية واغتيال المسؤول العسكري الأول لدى حزب الله (فؤاد شكر) في الوقت الذي تشهد الساحة السياسية مساعي حثيثة لإنجاز صفقة بين المؤسسة الإسرائيلية وبين فصائل المقاومة الفلسطينية، تلك الصفقة التي تراوح مكانها منذ شهور. فماذا يعني ذلك؟
إن هذا يعني أنه ليست لدى حكومة نتنياهو (وليس نتنياهو وحده كما يرى كثيرون) ليست لديها نية حقيقية لإنجاز الصفقة إلا إذا حققت لها ما تريد من شروط تعلم أن الجانب الفلسطيني لن يقبل بها. وبناء على ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية تسعى فقط إلى كسب الوقت اعتقادا منها أن هذا سيمنحها فرصا أخرى لتحقيق أهدافها المعلنة، وربما غير المعلنة، في غزة خاصة وعلى الساحة الفلسطينية كلها عامة.
في الأيام الأخيرة كثر الحديث عن قرب التوصل إلى عقد صفقة، وأن هناك تفاصيل صغيرة يجري العمل عليها، وإذ بنتنياهو يخرج بشروط جديدة، تبين أن الهدف منها هو التعطيل والتسويف، كما يرى خبراء ومحللون إسرائيليون وغربيون. ولما أن قضية التسويف والتعطيل واختلاق العقبات لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وأنه لا بد أن يصل نتنياهو وحكومته إلى نقطة الاصطدام بخط النهاية، فقد كان لا بد من سبب أكبر يعيق تحقيق الصفقة. فجاء الاغتيال، الذي لم تعترف به المؤسسة الإسرائيلية حتى لحظة كتابة هذه السطور، وإن كانت المسألة واضحة وضوح الشمس.
فهل ستمنح حركة حماس الاحتلال هذه الذريعة وتعلن عن وقف مفاوضات الصفقة وتغيير اتجاه التعامل مع الملف بكليّته؟ لا أحد يمكنه تحديد الإجابة الدقيقة. ويجدر الانتظار حتى تنقضي بضعة أيام لتتضح الصورة أكثر… ولكن..
من المعطيات الحالية، وقراءة في السلوك الإسرائيلي، وردود الفعل التي أعقبت عملية الاغتيال من مختلف الجهات ذات العلاقة فإن الوضع لا يبشر بخير.
وأظن أن ما عبّرتُ عنه سابقا في مقالات كثيرة، بات اليوم أقرب إلى الواقع. نحن -كما يبدو لي- مقبلون على مرحلة شديدة الخطورة، تحمل في طياتها بركانا مهولا سيطول مداه. هذا في الوقت الذي كان كثيرون يتوقعون أو يتمنون أن تنتهي هذه الحرب التي طالت واستطالت “أكثر من اللازم”.
ظني أننا نقف اليوم أمام محطة مفصلية في تاريخ المنطقة، بل وفي تاريخ البشرية، ستشهد أحداثا سيبدو ما شهدناه خلال الأشهر العشرة الماضية، رغم هوله، شيئا لا يذكر إزاءها.
أحداثا تتغير فيها جغرافيا وأنظمة ودول وحدود. وهي أحداث لن تتوقف- فيما يبدو لي- حتى تحسم كل الملفات.