“الهدهد” و “يافا”.. مُسيّرتان دخلتا تاريخ إسرائيل
الإعلامي أحمد حازم
في العاشر من شهر يونيو/ حزيران الماضي نشر حزب الله اللبناني مشاهد استطلاع جوية وهي صور لمواقع إسرائيلية أمنية في منطقة الشمال، وأطلق على الشريط المصور “هذا ما رجع به الهدهد”. والهدهد هو اسم مُسيّرة حزب الله التي وصلت إلى شمال البلاد وقامت بمهمتها دون أن يعترضها أحد. لا يهمنا الحديث عمّا رجع به هدهد نصر الله من معلومات تفصيلية لكي لا نلامس الخط الأحمر لقانون الطوارئ، بل يهمنا معرفة عدم تصدي الجيش الإسرائيلي للهدهد. في مثل هكذا تحليلات حساسة فانا أستشهد فقط بمعلومات إسرائيلية.
مصادر عبرية قالت إن إسرائيل كانت على علم بتسلل “الهدهد” والحدث كان تحت السيطرة، لكن لم يتم إسقاط المسيرة. كيف ولماذا؟ حسب موقع “واينت” العبري واستنادا إلى ما أسماه الموقع مصادر أمنية في سلاح الجو الإسرائيلي، فإن الجيش الإسرائيلي رصد هذه المسيرة وكانت تحت السيطرة، ولم تتسلل بعيدا عن أنظار الأجهزة الدفاعية الجوية. اذا كان الامر كذلك (؟!) فمن الناحية المنطقية والعسكرية أن يتم اسقاط المسيرة. اسمعوا تبرير السلطات المختصة “اللي ما بركب عالعقل”: “السبب لذلك وكما ورد في موقع “واي نت”، هو: “أن الحديث يدور عن مسيرة تصوير، وتشغيل الصواريخ الاعتراضية في هذه الحالة كان من الممكن أن يسبب الهلع، وحتى يمكنه أن يسبب أضرارا نتيجة شظايا الصاروخ الاعتراضي”.
لا أدري إذا كنت أنا الوحيد “اللي ما فهم هذا التبرير”، أم أنّ غيري هم مثلي أيضا؟ كيف أن مسيرة التجسس والتصوير يتم تركها تحت هذه المبررات غير المقنعة.
يوجد تضارب في مواقف السلطات المعنية فيما يتعلق بالتبرير. قناة i24NEWS العبرية تحدثت عن وجود إمكانية أن تكون المسيرة قد تسللت إلى إسرائيل قبل أيام وقامت بتصوير الفيديو. ولكن كيف؟ اسمعوا الحكاية حسب رواية القناة العبرية نفسها: “قبل أيام قليلة، دوت صفارات الإنذار في حيفا وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن هذا إنذار كاذب، وكما افيد سابقا، هناك احتمال أن تكون هناك علاقة بين الحالتين. شو يعني؟ هذه طريقة “وفسر الماء بعد الجهد بالماء”.
في التاسع عشر من الشهر الجاري، تلقت إسرائيل صفعتان موجعتان هزتا كل جوانبها من جميع النواحي، الضربة الاولى عندما نجحت مسيرة يمنية اسمها (يافا) من الوصول إلى تل ابيب وأصابت أهدافا هناك. بعد ساعات قليلة على هذه الضربة الموجعة وجّهت محكمة العدل الدولية صفعة ثانية أقسى بإصدارها قرارا تاريخيا يعتبر الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية) يتعارض مع أحكام القانون الدولي.
مسيرة “يافا” أقلقت الأجهزة الأمنية الاسرائيلية. هذه المسيرة ليست فلسطينية رغم اسمها وليست لبنانية، بل هي يمنية المصدر قطعت نحو 2000 كيلومترا “وما حدا شافها ولا حس فيها” وسقطت في تل ابيب. كيف هيك يا أجهزة أمنية؟ اسمعوا ما تقول صحيفة يديعوت أحرونوت بناء على تقديرات إسرائيلية: “المُسيرة التي تم تصميم رأسها الحربي بما يتلاءم مع رحلة طويلة سلكت في بعض الأحيان مسارات جديدة مقارنة بالمرات السابقة، لتضليل أنظمة الكشف والرصد التابعة للجيش الإسرائيلي حيث مرت المُسيرة عبر سيناء، وعبرت البحر الأبيض المتوسط أمام الساحل الجنوبي لإسرائيل ومن ثم حلقت على ارتفاع منخفض، وعند وصولها إلى شواطئ تل أبيب، هبطت إلى ارتفاع عدة عشرات من الأمتار فوق خط المياه، حتى لا يتم اكتشافها”.
مسيرة يافا وصلت الى تل أبيب وانفجرت “وما حدا شافها” تماما كما حصل في السابق مع مسيرة الهدهد. وكل هذا يحصل عند جيش يعتبر نفسه رابع أقوى جيوش العالم. ولكن بعد عجز هذا الجيش عن اكتشاف مسيرة لبنانية ومسيرة يمنية فهل هو يتمتع بهذه القوة فعلًا؟
لنعود الى الصفعة الثانية أي الى قرار محكمة العدل الدولية: القرار نص في بنده الأول على ضرورة أن تُنهي إسرائيل بأقرب وقت احتلالها غير الشرعي للأراضي التي احتلتها في عام 1967، أمّا البند الثاني فقد نصّ على عدم شرعية المستوطنات في الضفة الغربية والتوقف عن بنائها واخراج كل المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة. أمّا القرار الثالث فلقد نص على ان من واجب اسرائيل دفع تعويضات عن كل الخسائر والأضرار المادية والمعنوية التي تعرض لها الأفراد الطبيعيين والمعنويين.
صحيح أن هذه القرارات غير ملزمة واستشارية، لكنها جاءت بناء على طلب من الامم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2022، حول قانونية الاحتلال. وبالتالي فإن المحكمة سترفع هذه القرارات التاريخية إلى المنظمة الدولية التي يقع على عاتقها مسؤولية إيجاد الطريقة التي يتم بموجبها تطبيقها.
لقد صدق من قال إن للحق دولة وللباطل جولة، والحق في قيام دولة فلسطين آت لا محالة.