ماذا بعد (إسراطين) وحل الدولتين؟
الإعلامي أحمد حازم
في الخامس عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1988، أعلن الرئيس الفلسطيني عن قيام دولة فلسطين من طرف منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك خلال الدورة الـ 19 للمجلس الوطني الفلسطيني والتي انعقدت في قاعة قصر الصنوبر في الجزائر العاصمة، وكنتُ واحدا من المدعوين لحضور هذه الدورة. وقد ورد في نص إعلان الدولة الفلسطينية: “استنادًا إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعًا عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقًا من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947، وممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه. فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف”.
نظريا، كان الإعلان عن دولة فلسطين، خطوة سياسية مهمة وضربة معلم من ياسر عرفات للقادة العرب لوضعهم أمام مسؤولياتهم إزاء القضية الفلسطينية. لكن هذه الدولة من ناحية عملية لم تكن سوى دولة في الهواء فقط وان اعترف بها وقتها العديد من الدول.
يقول السياسي اللبناني الدكتور مصطفى علوش في تحليل له: “ان مسألة حلّ الدولتين، على الرغم من كونها الأنشودة البليدة التي تتكرّر على لسان كلّ العاجزين عن الحلّ، أو الجاهلين لطبيعة جغرافيا الأرض والديمغرافيا، أو العارفين باستحالة تطبيقها، لكن ينتظرون الزمن ليأكل القضيّة أو يجد لها حلًّا عجائبيًا، وهناك بالتأكيد من يستثمر باستمرار الصراع ولا يريد بالأصل أن يكون هناك حل”.
الدكتور علوش على حق في قوله. بدليل أنّ الولايات المتحدة اقوى دولة في العالم وهي المسيطرة على الأمم المتحدة وأخواتها تتشدق دائما بحل الدولتين ولا تعمل أبدا على تنفيذه.
الدولة الليبية التي زرتها أكثر من مرة بدعوات رسمية في الثمانينيات والتقيت رئيسها معمر القذافي ضمن وفد صحفي، حكمها القذافي 42 عامًا (2011/ 1969) من خلال انقلاب عسكري على النظام الملكي. وكان القذافي زعيما مثيرا للجدل سياسيا واجتماعيا وعُرف بتصرفاته الغريبة، لكنه كان داعما كبيرا ومهما للقضية الفلسطينية ولحركات التحرر الفلسطينية والعربية وغير العربية.
كان القذافي يتمتع بوصفه بنعوت غريبة وجذابة مثل “ملك ملوك أفريقيا” الذي توّج به بعد مُبايعته ملوك وسلاطين وعُمد أفريقيا ملكًا لهم في أغسطس 2008، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الليبية وقتذاك. حتى الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر منحه لقب “أمين القومية العربية”. لكن أنور السادات كان له موقفا آخر منه اذ قال عنه: “الواد المجنون بتاع ليبيا”، فيما نعته الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان بـ “كلب الشرق الأوسط المسعور”، وفق تقرير سابق لشبكة “سي إن إن” الأمريكية.
لكن هذا “الكلب المسعور والواد المجنون” استطاع البقاء في الحكم 42 عاما فكم كان سيبقى لو كان غير مجنون؟ وهذا المجنون أصدر عام 2000 كتابا اسمه “الكتاب الأبيض” يعرض فيه حلولًا للقضية الفلسطينية التي تمثّل أهم قضايا الصراع العربي الذي يعتبر أكبر قضايا الأمة العربية منذ التحرر من الاستعمار الحديث بغض النظر عن الاختلاف في كيفيات التناول لها.
القذافي يعرض في كتابه الأبيض مقترح دولة “إسراطين” أي دولة واحدة لشعبين والاسم أوجده القذافي من اول أربعة حروف من اسم إسرائيل وآخر ثلاثة حروف من اسم فلسطين. هكذا بكل بساطة أراد القذافي حل القضية الفلسطينية.
عندما وقع هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وبدأت اسرائيل حربها على غزة، تجدد الحديث عن أفق سياسي وتجدد الكلام عن حلول سياسية. عبد الإله بن كيران، أمين عام حزب “العدالة والتنمية” في المغرب، وبعد مرور أسبوع على الهجوم والحرب قال: “لا حل إلا حل الدولة الواحدة التي تضم المسلمين مع اليهود مع المسيحيين على مساحة فلسطين كلها”. هذا الطرح هو نفس ما طرحه القذافي قبل 24 عاما. الفكرة تأتي هذه المرة من سياسي مغربي كان على رأس الحكومة في الرباط لمدة خمس سنوات، وكان حزبه في الحكم عشر سنوات، وهو حزب معروف عنه التعاطف الكبير مع كل ما هو فلسطيني.
حتى الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية جاكي خوجي، تطرق الى مقترح القذافي بإقامة دولة إسراطين وذلك في مقال له في صحيفة “معاريف” العبرية في شهر يونيو/ حزيران عام 2020، بالقول: إن “السلطة الفلسطينية في الوقت الحاضر تمقت الفكرة، وكذلك ترفضها الحكومة الإسرائيلية، ولكن مع ضعف السلطة، ينتقل النقاش من فكرة الدولتين إلى فكرة الدولة الواحدة، أذكر حين ضحكوا جميعا من الزعيم الليبي معمر القذافي في ذلك الوقت، ظنًا أنه مهرج، حين دعا لهذه الصيغة، لكني أتوقع أنه في يوم من الأيام سيقيمون له نصبا تذكاريا وسط رام الله”.