غزة والمواصي والإنسانية تحت قصف الأسلحة الأمريكية
الشيخ رائد صلاح
في الوقت الذي فتحت فيه السياسة الأمريكية بوابة مخزونها العسكري على مصراعيه لمواصلة قصف غزة منذ تسعة أشهر ويزيد، فإنها هي أمريكا التي لا تزال تواصل قصف الإنسانية على صعيدها العالمي، وهذا يعني أن أمريكا لا تزال تواصل قصف الإنسانية في كل قارات الدنيا ودولها وعواصمها وسائر مدنها وأريافها، وهذا يعني أن الأسلحة الأمريكية المُدمرة المجنونة في الوقت الذي تواصل فيه قصف البشر والطير والحيوان والشجر والحجر في غزة، فإنها هي أمريكا التي قصفت أسلحتها المواصي وهي التي لا تزال تقصف الإنسانية المأزومة بواشنطن ونيويورك وشيكاغو وسائر الولايات الأمريكية بعواصمها ومدنها وأريافها، ولو قُدِّر لتمثال الحُرية المسكين الذي ينتصب على شواطئ نيويورك أن يتكلم لقال فورًا: أوقفوا الحرب بغزة!!، وهذا يعني أن كل عمارة سكنية تُدمرها هذه الأسلحة الأمريكية المنفلتة بغزة وبمخيم المواصي فإن هذه الأسلحة في المقابل تُدمر جدارًا من مبنى الإنسانية المأزومة، وكل مسجد أو كنيسة أو مدرسة أو مستشفى تقصفه هذه الأسلحة الأمريكية الإرهابية في غزة فإن هذه الأسلحة في المقابل تقصف أساسًا من مبنى الإنسانية المكلومة، وكل جنين أو رضيع أو خداج أو طفل تقتله هذه الأسلحة الأمريكية الهمجية بغزة وبالمواصي فإن هذه الأسلحة في المقابل تقتل قيمة من قيم هذه الإنسانية المُستضعفة!!، وأظن أن كل صاحب ضمير حي في العالم بات يُدرك ذلك، سواء كان فلسطينيًا أو أمريكيًا أو من أي جنس من أجناس أهل الأرض!!، فهي الأسلحة الأمريكية الكارثية التي باتت تقصف غزة والمواصي والإنسانية سواء بسواء، وهي التي باتت تتحدى غزة المُحاصرة والإنسانية المُستضعفة سواء بسواء، وهي التي باتت توقع آلاف الضحايا في غزة وسائر الأرض سواء بسواء!!، وإذا كانت غزة والمواصي لا تزال تواصل دفن ضحايا هذه الأسلحة الأمريكية المتوحشة، فإن الخطر كل الخطر أن تبدأ البشرية في كل الأرض بدفن عدد لا يُحصى منها ضحايا أمريكا الذين تواصل أمريكا قتل ضمائرهم وتجريدهم من انسانيتهم، والحيلولة دونهم ودون التمسك بإنسانيتهم، وإلا فلائحة العقوبات الأمريكية في انتظارهم!!، وإذا كانت هذه الأسلحة الأمريكية المارقة قد فرضت على غزة والمواصي الحصار، وقد منعت دخول الغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود وحليب الرُضّع إليها، فإنها هي هذه الأسلحة العقيمة التي جعلت من الإنسانية اليوم مأزومة ومكلومة ومُستضعفة ومُطاردة في كل الأرض، حتى في أية بقعة من أمريكا لا تزال تُدافع عن انسانيتها!!
ولذلك فإننا نشهد اليوم حربًا عالمية تقع على غزة والمواصي وعلى كل الإنسانية بعامة، والذي يقود هذه الحرب هي السياسة الأمريكية وأتباعها!!، ومما يزيد من شراسة هذه الحرب، ومما يزيد من فظاعة القصف الذي لا تزال تُعاني منه غزة والمواصي بخاصة وأهل الأرض بعامة، أن سياسة أمريكا ومن يدور في فلكها يتساءلون اليوم علانية وبصوت عال: ما هو مصير غزة بعد هذه الحرب؟!، ومن سيقود غزة فيما بعد؟! وأية سُلطة ستُديرها؟! هل هي سُلطة فلسطينية؟! أم هي سُلطة من دول الجوار؟! أم هي سُلطة إقليمية؟! أم ستخضع غزة لقوة دولية؟! ولكن غفل هؤلاء أن يسألوا أنفسهم: من سيقود أهل الأرض بعد هذه الحرب؟! حيث أن هيئة الأمم المُتحدة وسائر أذرعها قد انتهى دورها، فمن سيقود الأرض ما بعد هيئة الأمم المُتحدة؟! وحيث أن السياسة الأمريكية ومن يدور في فلكها قد انتهى دورها!! فمن سيقود الأرض بعد أمريكا؟! وها هي أمريكا في مرحلة أفولها بعد أن اجتهدت أن تعود بأهل الأرض إلى بدايات التاريخ، وأن تتقمص شخصية مزدوجة تجمع ما بين النفسية الفرعونية والنفسية النمرودية.
فهو الخطاب الأمريكي الذي صرخ في أهل الأرض كما صرخ فرعون في أهل مصر في بدايات التاريخ، وإذا بهذا الخطاب الأمريكي الصلف لا يزال يقول لأهل الأرض قولة فرعون: (أنا ربكم الأعلى)، وكأني به يظن نفسه أنه يملك أقدار البشرية ويملك مصيرها وهو المُعز والمُذل والخافض الرافع لها، ثم إذا بهذا الخطاب الأمريكي لا يزال يتبجح مُعربدًا مُستفزًا لكل العقول السليمة وهو يُردد مقولة فرعون في أهل الأرض كأنهم أطفال في مرحلة الروضة: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، وكأني بهذا الخطاب الأمريكي يظن نفسه أنه هو وحده الذي يصنع القيم كما أنه هو وحده الذي يصنع مشروب الكوكا كولا، وأنه هو وحده الذي يُميز أهل الأرض ما بين معسكر سلام ومعسكر إرهاب، وما بين دول تقدمية ودول رجعية!!، ثم إذا بهذا الخطاب الأمريكي لا يزال يستعلي على أهل الأرض مُرددًا مقولة فرعون: (وهذه الأنهار تجري من تحتي)، وكأني به يظن نفسه أنه هو المُتحكم الوحيد بأرزاق أهل الأرض وخبزهم ومائهم، وكأنه هو الذي يُطعم من يشاء ويُجيع من يشاء، وكأنه هو الذي يُوسِّع على من يشاء ويُحاصر من يشاء.
ثمَّ إذا بهذا الخطاب الأمريكي لا يزال يفتل عضلاته ويلوّح بمسدسه كرجل (الكاوبوي) مُرددًا خطاب النمرود: (أنا أحيي وأميت)، وكأني به بات يشرّع لنفسه الحق بإبادة من يشاء من أهل الأرض، والإبقاء على من يشاء منهم، ووفق هذه الحسابات المُتحدية للإنسانية شرّع لنفسه الحق بإبادة الهنود الحمر، ثم إبادة شعوب أخرى، وصولًا إلى إيقاع الكارثة الإنسانية بغزة وبالمواصي بأحدث أسلحة الدمار الأمريكية!! ولأن هذا الخطاب الأمريكي بهذه الماهية فلا أظن أن هناك خطابًا مُتخلفًا أكثر منه في الأرض إلا من ينافسه في خطابه من أتباعه، ولأن هذه السياسة الأمريكية بهذه الماهية فلا أظن أن هناك سياسة سادية أشد منها في الأرض إلا من يُنافسها من أتباعها!!، وهكذا باتت الإنسانية كما الشعب الفلسطيني يطاردهما الخطاب الأمريكي والسياسة الأمريكية، ولذلك لتعلم كل شعوب الأرض أنها يوم أن تدعو إلى إيقاف الحرب بغزة والمواصي وإيقاف الكارثة الإنسانية فيها فإنما تنتصر لنفسها ولإنسانيتها التي تعيش اليوم تحت قصف الأسلحة الأمريكية، وها هي شعوب الأرض أصبحت مقتنعة اليوم أنها تستطيع أن تعيش بدون مشروب الكوكا كولا الأمريكي، وبدون وجبة الهمبرغر الأمريكية، وبدون مطاعم ماكدونالد الأمريكية، وبدون حلويات الدونات الأمريكية، وبدون أفلام هوليود الأمريكية، وبدون سيارات فورد وبونتياك والشوفرليت الأمريكية، وبدون شركات الطائرات الأمريكية، وبدون الدولار الأمريكي، وبدون البيت الأبيض الأمريكي، ومجلس النواب الأمريكي، والكونغرس الأمريكي، ولكن شعوب الأرض بدون استثناء لا يُمكن أن تعيش بدون إنسانيتها، ولأن الأسلحة الأمريكية التي تواصل تحدي إنسانيتها وقصفها وكأنها تريد لشعوب الأرض أن تتجرد من إنسانيتها وأن تعيش بلا إنسانية، فهذا يعني أن السياسة الأمريكية تريد لشعوب الأرض أن تعود إلى عهد الدينصورات حتى لو هبطت أمريكا على القمر وأرسلت رحلات إلى المريخ وواصلت غزو الفضاء، كما كان يحلم بذلك فرعون، وهو ما نستنتجه من قول الله تعالى على لسان فرعون: {فأوقد لي يا هامانُ على الطين فاجعل لي صرحًا لعلي أطلع إلى إله موسى}، وهذا يعني أن السياسة الأمريكية أصبحت هي الرجعية وهي التخلف وهي الفجور وهي الداعي إلى قيم العصر الحجري في الأرض!!
لذلك كم ستُخرج الأرض كل بركاتها كما كانت على عهد نبي الله آدم بلا أمريكا، وكم ستفرح شعوب الأرض عندما تتحرر الأرض من السياسة الأمريكية، وكم ستعود لها إنسانيتها يوم استقلال الأرض من الاحتلال العالمي الأمريكي، وأنا على يقين أن الأرض كما لفظت الفرعونية والنمرودية فستلفظ السياسة الأمريكية، وسيرث الأرض عباد الله الصالحون الذين سيحيونها وسيحيون شعوبها بالقيم الربانية، وسيملؤون الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن ملئت ظلمًا وجورا.