القاسم المشترك بين “البلفون/الجوال” وبشار الأسد
الإعلامي أحمد حازم
في تقنيات التلفون النقال الذي نسميه “بلفون” حسب التسمية العبرية ويسمى في العالم العربي “الجوال” والبعض يستعمل اسم “الموبايل” حسب التسمية الغربية، المعروف ان هذه الأجهزة التلفونية لا نسمع صوتها عندما يتم وضعها في حالة صامت. أي في حالة “شكيت” كما يحلو تسميتها لمن يعتبروا أنفسهم “عرب إسرائيل”. ويبدو أن حالة الدكتاتور السوري بشار الأسد هو في وضع “صامت” فيما يتعلق بالحرب على غزة، أو بالأحرى تمّ وضعه في هذه الحالة. يعني “لا حس ولا نس”.
منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي لم تبق دولة في العالم إلا وتحدثت عمّا يجري في غزة إيجابا أو سلبا. والامم المتحدة نفسها أعرب أمينها العام عن موقفه المعارض لما تتعرض له غزة.
لكن “الدكتور” بشار الأسد لم يرف له جفن ولم يحركه “احساسه” القومي والسياسي والإنساني لفعل أي شيء او حتى لقول أي شيء. ولو التزم بمبادئ حزبه المسمى “حزب البعث” لكان له موقف آخر، بدليل انه لم يلتزم لا بمبادئ “بعثه” ولا بمبادئ أمته ولا بمبادئ قوميته حتى ولا بمبادئ “علويته”. هذا إن كان لـ “العلوية” مبادئ.
منذ عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر في العام الماضي، تشن إسرائيل حربًا متواصلة على قطاع غزة أطلقت عليها اسم “السيوف الحديدية”. ومنذ ذلك الوقت أي طيلة فترة الحرب لم نسمع موقفا واضحا من الأسد حول هذه الحرب، حيث التزم الصمت كليا من ناحية سياسية. وقد يقول قائل: كيف يمكن للأسد ان يقول أو يفعل أي شيء لغزة وهو الذي لا يفعل أي شيء لبلده الذي يتعرض باستمرار لهجمات إسرائيلية قوية، لا سيما أنّ الجيش الإسرائيلي نفّذ خلال عام 2023، عددًا من عمليات التوغُّل البري داخل الأراضي السورية دون أي رد سوري ولو من باب “الحفاظ على ماء الوجه”.
وحتى نكون صادقين في التحليل حول موقف النظام السوري فعلينا القول إن هذا النظام تعامل بكل برودة مع الحرب في غزة؛ حيث أصدر بيانا انشائيًا خجولا ربط فيه بين عملية “طوفان الأقصى” وحرب تشرين عام 1973، مكتفيا بإدانة خجولة واستنكار أقل خجلا. وأكثر شيء يفعله، على المستوى الإعلامي، التركيز على بعض ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، شأنه شان دولة ما في افريقيا أو أمريكا اللاتينية، وكأن أهل غزة ليسوا من بني جلدته وكأنه هو ليس بعربي.
تصوروا ان وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) وحسب المعلومات المتوفرة، لم تتطرق الى نشر أي شيء عن حماس خلال السنوات الماضية (رغم الحرب على غزة) إلاّ مرتين: الأولى خلال زيارة وفد لها لدمشق برئاسة عضو المكتب السياسي خليل الحية أواخر عام 2022، والثانية عندما اغتالت إسرائيل صالح العاروري، في بيروت مطلع كانون الثاني/ يناير هذا العام.
النظام السوري نظام حقود. وهذا الحقد الذي يكنه الأسد لحركة حماس يعود لعام 2011 عام الثورة السورية ضد الظلم والقمع، حيث رفضت الحركة الوقوف لجانب النظام ضد التورة وتقديم الدعم له، وقيام بعض قيادات الحركة بتأييد المعارضة ورفع رموزها، الامر الذي اعتبره الاسد غدرًا وطعنة في الظهر.
النظام السوري الذي تقوده عائلة الأسد (العلوية) منذ 54 عاما لم يكتف بالصمت على ما يجري في غزة، بل قام باتخاذ إجراءات ضد المخيمات الفلسطينية في سوريا. فقد عمل النظام منذ بداية الحرب على فرض رقابة أمنية شديدة على المخيمات الفلسطينية لمنع خروج المظاهرات الرافضة للحرب، كما منع قيام مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في المدن السورية، التي اعتاد النظام على تنظيمها في مثل هذه المناسبات.
صحيح أن نظام الأسد أجبن من أن يقوم بأي عمل عسكري تجاه إسرائيل، ولا حتى بالدفاع عن أراضيه ضد الهجمات المتكررة الاسرائيلية، لكن بإمكانه (لو أراد) استخدام اقل الإمكانيات المتسامَح فيها دوليًا، والتي استخدمها كل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، من السماح بالمظاهرات، ورفع سقف التصريحات، إلا انه لم يفعل حتى هذا. ويقول مالك العبدة، محلل شؤون الشرق الأوسط، في تقرير نشره موقع “عرب دايجست”، إن نظام الأسد يعمل أيضا على الاستفادة من حياده غير المعلن في حرب غزة لتخفيف العقوبات عن نفسه ونيل المساعدة الاقتصادية.
السؤال المطروح: من يقف وراء نظام الأسد كمتفرج على الحرب في غزة؟ على هذا السؤال يقول المحلل في معهد واشنطن، أندرو تابلر، إن روسيا والإمارات، التي استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق عام 2018، حثّتا الاسد على البقاء بمنأى عن الحرب على غزة.