أخبار عاجلةمقالاتومضات

مجتمعنا بين تصريح غانتس وسموتريتش

ساهر غزاوي

أطل علينا في الأيام الأخيرة كل من غانتس سموتريتش بتصريحين يحملان في طياتهما التهديد والوعيد لنا كمجتمع فلسطيني داخل الخط الأخضر. فيتوعد الوزير السابق في “كابينيت الحرب” الإسرائيلي، بيني غانتس في تصريح له أمام مؤتمر هرتسيليا العرب بقوله: “في الحكومة التي سأشكلها، سأعمل على خطة الخدمة الوطنية لكل من الحريديم والعرب”. أما وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش فيطلق تهديدًا وتحريضًا دمويًا على ما أسماها “الجبهة الداخلية لعرب إسرائيل” التي لا ينبغي تجاهلها مع باقي التهديدات الأخرى زاعمًا أن إيران ستستخدمهم من أجل تنفيذ “احتلال بري”، ويقول: “من المستحيل عدم الحديث عن التهديد الكبير الذي يشكله “عرب إسرائيل”، حيث هناك أعداد هائلة من العرب داخل دولتنا. وهم يملكون كميات من الأسلحة والذخيرة، ولديهم صواريخ لاو، للتخريب والقنابل اليدوية المسروقة من قواعد الجيش الإسرائيلي وهم يقطنون في تجمعات”.

إنها ليست مجرد أقوال وتصريحات إعلامية عابرة، بل من المهم أن تؤخذ هذه التصريحات على محمل الجد، لا سيّما وأنها صادرة من شخصيات مهيمنة ومؤثرة على المشهد الإسرائيلي، فـ “غانتس” من ذوي النزعة العسكرية الذي يُقدم نفسه على أنه القادر على إعادة الثقة بإسرائيل وقدرتها على الاستقرار والاستمرار، يبدو المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة القادمة في حال إجراء انتخابات جديدة، بحيث أن استطلاعات الرأي الإسرائيلي لا تزال تشير إلى تقدم غانتس على نتنياهو. أما سموتريتش فهو يمثل قوة لا يُستهان بها في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي ولا يستطيع نتنياهو ببساطة الاستغناء عن تيار “الصهيونية الدينية” التي أصبحت عاملًا فاعلًا ومؤثرًا في الحياة السياسية الإسرائيلية، بل إن حكومته نتنياهو أصبحت اليوم رهينة في أيدي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير من أبرز عناوين هذا التيار.

يتضح من هذين التصريحين أننا كمجتمع فلسطيني أصلاني نعيش على أرضنا وفي وطننا، سنجد أنفسنا في مرحلة قريبة جدًا (إن لم نكن صرنا فيها) نكون فيها بين خيارين كلاهما مر وعلقم ولا يوجد بينهما لا أحلى ولا ألطف. ولا شك أن هذين التصريحين يدلان على مخططات وأجندات تهدف إما لصهرنا في بوتقة مشاريع الأسرلة والاندماج من خلال فرض الخدمة المدنية أو العسكرية على فلسطينيي الداخل أسوة باليهود “الحريديم” على اعتبار “المساواة بتقاسم العبء”!! والسؤال: عن أي عبء يتحدثون عنه ويريدون أن نتقاسمه معهم؟؟ مثل توجه غانتس في حديثه عن تجنيد العرب مع الحريديم سواء بسواء على اعتبار أن أزمة “تجنيد الحريديم” وصلت وفي هذه الأيام إلى احتدام الأزمة العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي على الصعيد السياسي والاجتماعي لتبلغ أخطر مراحلها منذ تأسيس الكيان.

هنا يريد غانتس تخفيف حدة هذه الأزمة من خلال تجنيد العرب الفلسطينيين في الجيش الإسرائيلي. والسؤال؛ خطة السيد غانتس في تجنيد العرب على من ستعتمد عندما سيشكل حكومته القادمة؟؟ ومن هي العناوين التي ستحاول صناعة قبول لهذه الخطة في الداخل الفلسطيني؟؟ وهل سيكون قسم من هذه العناوين داعمة لحكومته من الداخل أو من الخارج سواء بسواء؟ مع أهمية الإشارة إلى أن مشاريع الأسرلة والاندماج التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تجنيد العرب الفلسطينيين للانخراط في سلك الشرطة والجيش، بات قسم من أبناء مجتمعنا تسودهم حالة من أسرلة الوعي التي تتميز بنزعة الخلاص الفردي، يتبنى هذه المشاريع ويعمل على صناعة قبولها في مجتمعنا الفلسطيني تحت مسوغات ومبررات واهية وهي في الحقيقة لا تهدف إلا لمسخ الهوية الإسلامية والعربية والفلسطينية لدى الجيل الحاضر وإضاعة البوصلة للأجيال القادمة.

وأما الخيار الآخر فيهدف إلى شيطنة فلسطينيي الداخل وخلق حالة عدائية ضدهم أكثر مما هي عليه الآن، فعندما يطلق سموتريتش تهديدًا وتحريضًا دمويًا على ما أسماها “الجبهة الداخلية لـ “عرب إسرائيل” التي لا ينبغي تجاهلها مع باقي التهديدات” فإنه يؤكد على ما بدأت به جوقات التحريض الإسرائيلية ضد هؤلاء الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر الماضي، وهو يؤكد على ما صرح به نتنياهو بداية الحرب عندما قال إن “إسرائيل تواجه أربع جبهات، في الجنوب وفي الضفة الغربية وفي الشمال وفي الداخل”، في إشارة إلى الداخل الفلسطيني.

عمليا فإن تصريح سموتريتش جاء من رحم أجندات العقلية والأيدلوجية الصهيونية التي تحاول استغلال أية فرصة لإكمال مشروع التطهير العرقي بحق الفلسطينيين الذين بقوا في قراهم ومدنهم العربية الفلسطينية في العام 1948، وهو (سموتريتش) ذاته الذي ينفي وجود الشعب الفلسطيني، ويعتبره مجرد شعب مخترع لم يكن موجودًا قبل نشأة المشروع الصهيوني. وأي ظروف أفضل من هذه الظروف التي تعيشها المنطقة إزاء صدمة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تجعل ممن تعشعش في رؤوسهم أجندات العقلية والأيدلوجية الصهيونية لا يحولون تصريحاتهم المجنونة إلى تطبيق عملي على أرض الواقع.

والذي لا يقل أهمية عما ذكر، أننا كمجتمع فلسطيني داخل الخط الأخضر لسنا خارج المعادلة أو على أطرافها، بل نحن في مركز الحدث والصراع، وحتى لو أن صمتنا الناتج عن الخوف جعلنا نتكيف مع حالة الإبادة التي يتعرض له قطاع غزة منذ تسعة أشهر متواصلة دون انقطاع أو توقف، حتى بات يبدو أنه لا بد من أحد أن يبقى يكرر علينا طرح سؤال بغاية الأهمية صباحًا ومساءً حتى نشعر بالانتماء لأنفسنا وذواتنا قبل أي انتماء أي شيء آخر: هل تعلمون أن هناك إبادة جماعية تحدث في غزة؟؟ إلا أن حالة التكيف مع حرب الإبادة على غزة وفي ظل غياب مشروع سياسي واضح المعالم لدى مجتمعنا، لم ولن يغير من حقيقة أننا مقبلون على مرحلة جديدة تختلف عن ما سبقتها من مراحل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى