مقالات

اعتصام مسجد رابعة و اعتصام المسجد الأقصى واعتصام المسجد الحرام

الشيخ كمال خطيب
قبل أسبوعين وتحديدًا يوم الخميس 27/7/2017 ، انتهى اعتصام المرابطين والمرابطات عند بوابات المسجد الأقصى المبارك والذي تواصل اثني عشر يومًا بدء من 16/7 وحتى 27/7. هذا الاعتصام والرباط كان دفاعًا ومطالبة لاسترداد حق شرعي ووطني وأخلاقي اغتصبه الاحتلال الإسرائيلي عبر احتلاله للمسجد الأقصى ثم إغلاقه ومنع المسلمين من الصلاة فيه.
وبعد أيام وتحديدًا يوم الاثنين 14/8 سنكون مع الذكرى الرابعة لفضّ وارتكاب مجزرة بحق المرابطين والمعتصمين في ساحات مسجد رابعة في القاهرة. هذا الاعتصام الذي تواصل منذ يوم 3/7/2013 يوم الانقلاب المشؤوم، واستمر حتى يوم 14/8/2013 والذي كان دفاعًا ومطالبة لاسترداد حق شرعي ووطني وأخلاقي، اغتصبه الانقلابي عبد الفتاح السيسي بعد عزل الرئيس الشرعي محمد مرسي وسجنه، وهو الذي اختاره الشعب في انتخابات عامةً شارك بها المصريون. فما هي أوجه الشبه يا ترى بين اعتصام مسجد رابعة وبين اعتصام المسجد الأقصى؟ وهل نحن بين يدي اعتصام في مسجد أكثر أهمية من مسجدي رابعة والأقصى؟!!

# اعتصام مسجد رابعة

كان من نتائج ثورة 25 يناير في مصر التي جاءت ضمن ثورات الربيع العربي مطلع العام2011 سقوط وخلع محمد حسني مبارك وتولي العسكر حكم البلاد حتى اضطروا للإعلان عن انتخابات منتصف العام 2012، وفيها فاز الرئيس محمد مرسي ممثلًا عن جماعة الإخوان المسلمين. لم يمض سوى عام إلا ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي يقوم بانقلاب يدعمه الجيش والمخابرات والأزهر وبابا الأقباط، والأحزاب العلمانية والأحزاب السلفية وطبعًا فلول الحزب الحاكم، وفوق كل هؤلاء الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات، الذين أغدقوا على السيسي دفعات الواحدة منها كانت 12 مليار دولار في الحد الأدنى.
كان بيان الإنقلاب قد صدر يوم 3/7/2013 وعلى إثره بدأ اعتصام سلمي في ساحة وميدان رابعة العدوية في العاصمة القاهرة. هذا الاعتصام الذي راح يتوسع وتزداد أعداده، خاصة وأنّه تزامن مع ليالي شهر رمضان المبارك، فكانت تصل الأعداد فيه إلى مئات الآلاف كل ليلة. أدرك الانقلابيون أنّ الشارع المصري بدأ يستوعب حجم جريمة الانقلاب فكان قرار فضّ الاعتصام بالقوة فجر يوم 14/8 بعد أربعة أيام من عيد الفطر، وشاهد العالم بالبث المباشر كيف تم قتل الآلاف خلال ساعات، وكيف حصدت الأرواح وكيف جرفت الجرافات الجثث، وكيف من دخلوا إلى المسجد من الجرحى والأحياء ظانين أنه آمنٌ لأنّه بيت الله، فقد لحق بهم الانقلابيون إلى داخله وقتلوا الأحياء وأجهزوا على الجرحى ثم أشعلوا النار في المسجد بمن فيه من الجثث والجرحى.
لقد كانت مطالب المعتصمين في ميدان رابعة إعادة الحق للشعب، وإعادة من انتخبوه بإرادتهم وهو الرئيس محمد مرسي. إنهم رفضوا اغتصاب كرسي الرئاسة من قبل العسكر. لقد كان الاعتصام سلميًا، وظهرت فيه مظاهر التكافل الاجتماعي خاصة في ليالي رمضان، واقتربت المسافات بين شرائح اجتماعية وسياسية وجدت نفسها كلها مستهدفة وكلها مطعونة بسبب سرقة إنجازات ثورة 25 يناير. ولقد رأينا روحانية الاعتصام وصلاة التراويح والدعاء والدموع واللجوء إلى الله سبحانه، لكشف هذه الغُمّة.
لكن السيسي الانقلابي ومن ساندوه لم يراعوا حرمة لرمضان ولا للعيد ولا لوجود الأطفال والنساء والعلماء وحفظة القرآن الكريم. لم يراعوا حرمة دخول الناس إلى المسجد بيت الله الذي لجأ اليه الأحياء والجرحى فقتلوهم واستباحوا كل شيئ، يدعمهم ويمولوهم حكام السعودية والإمارات كُرهًا وحقدًا وانتقامًا من جماعة الإخوان المسلمين التي هي من لب الشعب المصري والتي قدمت لأجل مصر الكثير منذ نشأتها في العام 1928 على يد الإمام الشهيد حسن البنا، وقد عرف الشعب المصري كيف يكافئها ويختار أفرادها ليمثلوه في البرلمان والرئاسة عندما أتيحت لهم أول فرصة لاستحقاق انتخابي.

# اعتصام المسجد الأقصى

إنّه المسجد الأقصى المبارك الذي وقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ 5/حزيران/1967 وقد تعرض للحريق يوم 21/8/1969 وارتكبت بحقه انتهاكات واعتداءات كثيرة ومستمرة مذابح، حفريات، تدنيس، اقتحامات، منع المسلمين من الصلاة فيه وغير ذلك. حتى كان يوم الجمعة 14/7/2017 والذي فيه استغل نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل ما حصل عند بوابات الأقصى وفي ساحاته من قتل شرطيين واستشهاد ثلاثة شبان من مدينة أم الفحم. وقبل أن تتبين تفاصيل الحدث وملابساته، سارع نتنياهو لإصدار أوامره بإغلاق المسجد الأقصى ومنع إقامة صلاة الجمعة، واستباحة المسجد، وعدم دخول أي مسلم إليه حتى موظفي الأوقاف وحراس المسجد. وظهر يوم الأحد 16/7 فتح المسجد، ولكن بعد أن تم نصب بوابات إلكترونية عند مداخله حيث لا يسمح لأحد بالدخول إلى المسجد الأقصى إلّا من خلالها.
فكان قرار الرفض لهذه البوابات وكانت بداية اعتصامات عند البوابات، وتوسعت وزادت الأعداد عند كل صلاة حتى بلغت المئات وعند المساء بلغت الآلاف وأكثر. ورغم سلمية الاعتصامات عند باب الأسباط( باب الأسود ) وغيره من الأبواب، إلّا أنّ صلف الاحتلال بل ودمويته كان يستهدفهم حتى وهم في صلاتهم بين يدي رب العالمين، فكان يفض الصلاة ويلقي عليهم قنابل الغاز وقنابل الصوت والدخان، ويستخدم الرصاص المطاطي والهراوات. هكذا كان فعله في كل ليلة دون أن يحول كل هذا الظلم والقهر من عودة أهلنا من القدس ومن الداخل الفلسطيني للاعتصام قبيل كل صلاة.
كم كان مؤلمًا وصادمًا أن يتحدث وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أنّ القرار بنصب البوابات الإلكترونية من خلالها يدخل المسلمون إلى مسجدهم كان بعد استشارة وموافقة كل من السعودية والأردن، وكم كان صادمًا أكثر حالة الصمت المريب لهؤلاء وغيرهم عن الاعتداءات والدماء تسيل، والإهانات للشيوخ والأطفال والنساء والعلماء على بوابات المسجد الأقصى خلال اعتصامهم دون أن يهز هذا شعرة في أصحاب الجلالة والفخامة. ورغم ذلك فكم كانت بجاحتهم ووقاحتهم يوم اضطر الاحتلال الإسرائيلي للتراجع عن كل مشاريعه وخططه تحت إصرار وصلابة موقف المرابطين، وإذا بأولئك المنخرسين والجبناء يرفعون أصواتهم يدّعون البطولة وينسبون لأنفسهم هذا الإنجاز.
إنه الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يحتمل مشهد الجموع البشرية كأنها الموج تدخل من بوابات المسجد الأقصى يوم الخميس 27/7/2017 فقام بالإعتداء عليهم بهمجية. لقد ظنّ هؤلاء أنّ في الاحتلال بقايا إنسانية، وإذا بهم يكتشفون أنّهم أمام احتلال دموي نزع كل معاني الإنسانية، وقد راح يلقي عليهم داخل ساحات الأقصى زخّات من القنابل بكافة أنواعها وجرح أكثر من 120 شخص واعتقل مثلهم. إنه لم يراعي حرمة المسجد ومكانته، فبالبث المباشر راحت الدنيا تنظر إلى فضّ صلاة ورباط الفلسطينيين في المسجد الأقصى تمامًا كما فعل السيسي بفضّ رباط واعتصام المصريين في مسجد رابعة.

# اعتصام المسجد الحرام

إذا كانت العائلة السعودية المالكة قد موّلت ماليًا ودعمت إعلاميا جريمة فضّ اعتصامات مسجد رابعة وقتل آلاف المصريين، وهي التي تآمرت ووافقت على نصب بوابات إلكترونية وكاميرات ذكية عند بوابات ومداخل المسجد الأقصى ثم صمتت وانخرست على جريمة الاعتداء على المصلّين الذين دخلوا المسجد الأقصى، لا بل زعمت أنّ الفضل يعود للملك سلمان في هذا الإنجاز.
إنّ من تواطأوا على فضّ اعتصام رابعة ومن تواطأوا على فض اعتصام المسجد الأقصى، فلن يترددوا أبدًا في فضّ اعتصام المسجد الحرام في مكة المكرمة. إنني لا أتحدث عن سيناريو افتراضي ولا عن أحلام رأيتها في منامي، وإنّما أتحدث عن مشهد وعن حدث تحدث عنه الذي لا ينطق عن الهوى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
إنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا عن ذاك الرجل من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي سيصلحه الله في ليلةٍ، والذي سيُبايع بين الركن والمقام في المسجد الحرام عند الكعبة المشرفة. هو الرجل الذي سيكون منقذًا ومخلّصًا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في زمان يقع فيه الظلم على المسلمين حتى تضيق عليهم الأرض بما رحبت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلمًا وجورًا وعدوانًا، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا”. وقال صلى الله عليه وسلم : “أبشركم بالمهدي يُبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض…….. “.
ولأنّ هذه الشخصية تظهر في زمان ظلم وفتن تجتاح الأمة، وهو يسعى للإصلاح والتغيير على طريقة ومنهج النبوة، فإنّه يقاتل هو ومن يبايعونه ويتبعونه، فيحتمي ويلوذ بالمسجد الحرام ظانًا أنّ للمسجد حرمة وقدسية عند الظلمة والفاسدين ليتبين له أنّ الأمر غير ذلك، فيستحلّون الحرم لقتاله، لا بل إنها جيوش تسيّر من ظَلَمةٍ آخرين لمساندة ظَلَمةِ حكام تلك البلاد يومها. نعم إنهم يستبيحون المسجد الحرام كما استباح جنود السيسي مسجد رابعة، وكما استباح الجيش الإسرائيلي المسجد الأقصى المبارك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله”.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :” يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعثٌ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خُسفَ بهم، فقلت يا رسول الله :فكيف بمن كان كارهًا؟ قال:يخسف به معهم لكنه يُبعثُ يوم القيامة على نيته”.
وقال صلى الله عليه وسلم :” سيعوذ بهذا البيت يعني الكعبة قومٌ ليست لهم منعةُ ولا عدوّ ولا عُدّة، يُبعث إليهم جيشٌ إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم “.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :” عَبِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله، فقال: العجب أنّ ناسًا من أمتي يؤمون البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خُسفَ بهم، فقلنا يا رسول الله إنّ الطريق قد يجمع الناس. قال: نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكًا واحدًا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نيّاتهم”.
إنه لن يشفع للإمام المهدي أنه سيحتمي ويلوذ ويلجأ ويعتصم بالمسجد الحرام ظانًا بأنّ للظلمة والطواغيت رادع من تقوى، من دين يجعلهم لا يقدمون على استباحة المسجد الحرام، ولكنّه في ذلك يكون مخطئا لأنّ هؤلاء يستخدمون الإسلام وخدمة المسجد الحرام وعمارته لتحسين صورتهم ولإضفاء الهالة الدينية على حكمهم مع أنهم أشدّ الناس عداوة لأمة لا إله إلا الله ولكل من يسير السيّر الصادق على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعم إنهم سيستبيحون المسجد الحرام من غير مراعاة حرمته بأنه حرم الله وأنه بيت الله الحرام، لأنّ الحفاظ على عرشهم يتقدم الحفاظ على بيت الله جلّ جلاله. إنهم الذين قبل ذلك ستشهد المناطق والمشاعر المقدسة القريبة من المسجد الحرام سفك دماء وسيل دماء الحجاج على أرض مِنَى من شرطتهم ورجالاتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” في ذي القعدة تجاذب القبائل وتغادر، فينتهب الحاجّ فتكون ملحمة بمنى يكثر فيها القتلى ويسيل فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة وحتى يهرب صاحبهم( المهدي قبل أن يبايع) فيأتي بين الركن والمقام فيُبايع وهو كاره، يقال له أن أبَيتَ ضربنا عنقك، يبايعه مثل عُدة أهل بدر يرضى عنهم ساكن الأرض وساكن السماء”.
وليس أنهم سيفعلون ذلك ويطاردون الإمام المهدي، ويلاحقونه حتى في المسجد الحرام حيث يعتصم فيه، وإنما سيستعينون بظَلمَةٍ أمثالهم بزعم أنه إرهابي متطرف فيأتيه جيشٌ من خارج الحجاز ليقاتله ولكنّ هذا الجيش تُخسف به الأرض لتكون هذه أعظم دلالة على أنّ المعتصم بالمسجد الحرام هو الإمام المهدي حيث تدخلت قدرة الله للدفاع عنه.
هذه ستكون بداية رحلة الخير والفرج والخلافة الراشدة بإذن الله تعالى حيث ستدين له الجزيرة العربية كلها وباقي بلاد المسلمين ثم تكون حروبه ومعاركه مع الروم المحتشدين في بلاد الشام في أرض يقال لها دابق، وهي التي تسمى الملحمة الكبرى لتكون في أعقابها بداية فتوحات إسلامية عظيمة، و خلالها يظهر الدجال ثم نزول المسيح عليه السلام.
لن أتردد بالقول أننا بين يدي أحداث جسام فيها سينكشف زيْف كثيرين، ولكنّها العقوبة التي ستنزل عليهم وخاتمة السوء التي تنتظرهم، سواء كان هؤلاء الذين استباحوا اعتصام مسجد رابعة أو الذين استباحوا اعتصام المسجد الأقصى أو الذين استباحوا اعتصام المسجد الحرام.
إنه الله جلّ جلاله الذي يمهل ولا يهمل، وهو سبحانه الذي لا يغفل عن الظلمة والطواغيت، ولكن لحكمة هو يريدها سبحانه فإنه يؤخرهم إلى أجل مسمى( ولا تحسبن الله غافلًا عمّا يعمل الظالمون).
لن يتخلى الله عن أوليائه، ولن يظل ليل الظالمين إلى الأبد، بل إنه الصبح الذي سيمزق ستر ليلهم. إنه فجر الإسلام القريب ووعد الله الذي لا يُخلَف يراه اليائسون بعيدًا ونراه قريبًا وقريبًا جدًا بإذن الله تعالى.

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى