محاولات إسرائيلية لإنهاء حرب غزة… إعلان انتصار أم هزيمة؟
تتسارع وتيرة التسريبات الإسرائيلية الصادرة عن المؤسَّستين، الأمنية والعسكرية، في تل أبيب عن قرب إعلان هزيمة حركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة خلال الفترة المقبلة، ما يعكس وجود محاولات إسرائيلية لإنهاء حرب غزة. ورغم المعارك الضارية التي تشهدها مناطق القطاع المختلفة، ولا سيما في مدينة رفح جنوباً، التي تُعتبر ضمن نطاق المرحلة الثانية للعمليات التي حددها الاحتلال، أي الاجتياح البري بعد مرحلة القصف والتدمير، إلا أن الحديث في وسائل إعلام إسرائيلية يدور عن إمكانية إعلان الجيش الإسرائيلي هزيمة المقاومة والانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب.
ويقترن هذا الإعلان بتصاعد وتيرة التصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني، ولا سيما في ظل تعثر جولة المفاوضات الأخيرة وتمسك الحزب بموقفه المعلن المتمثل بربط وقف التصعيد بوقف الحرب في قطاع غزة.
ورغم ضراوة المعارك مع “كتائب القسام”، الذراع المسلحة لحركة حماس، حتى في المناطق التي سبق أن دخلها الاحتلال براً عدة مرات، إلا أن المنظومة العسكرية الإسرائيلية تريد الدخول في المرحلة الثالثة من الحرب. وتقوم المرحلة الثالثة من الحرب على تنفيذ عمليات مكثفة من الجو مع بعض العمليات البرية المشابهة لتلك التي جرت في مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط القطاع في الثامن من يونيو/ حزيران الحالي، من أجل فكّ قيد أربعة أسرى إسرائيليين.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تكرّر حكومة بنيامين نتنياهو أهدافاً عدة للحرب، أبرزها القضاء على “كتائب القسام” وإسقاط حكم حركة حماس واستعادة الأسرى الإسرائيليين. ووفق المعطيات الميدانية وسير الحرب الإسرائيلية المتواصلة للشهر التاسع توالياً، فإن هذه الأهداف لم تتحقق بشكل كامل، في ظل إشارات أميركية متكررة إلى استحالة تحقيق هذه الأهداف رغم طول أمد المعركة.
وفي ظل محاولات إسرائيلية لإنهاء حرب غزة أخيراً، شكّلت تصريحات المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري قبل أيام حالة من الصدمة لدى الجمهور الإسرائيلي، إذ أشار فيها بوضوح إلى استحالة القضاء على حركة حماس، لكونها فكرة وحركة قائمة. ودفعت هذه التصريحات نتنياهو إلى مهاجمة الجيش والتشديد على الأهداف التي حددتها الحكومة في بداية الحرب المتمثلة بالقضاء على “حماس” واستعادة الأسرى الإسرائيليين وإيجاد جسم بديل لحكم غزة.
ويقول عضو المكتب السياسي لحركة حماس، سهيل الهندي، إن الاحتلال يبحث عن صورة نصر حتى لو كانت وهمية “وهذا الكلام (إعلان هزيمة المقاومة) ليس عليه حساب، والصور والفيديوهات والبطولة التي تظهر على الأرض تُظهر قوة المقاومة واستمرارها رغم مرور تسعة أشهر على الحرب”. ويضيف أنه رغم الآلام الكثيرة والدماء والدمار، إلا أن الشعب الفلسطيني “قوي ولا يركع، وهو ماضٍ في طريقه ما دام هناك احتلال”، لافتاً إلى أنه “لا بد أن نقاوم بكل ما أوتينا من قوة، وهذا ما تفعله المقاومة في قطاع غزة اليوم”.
ويشير الهندي إلى أن “المقاومة وكتائب القسام من خلال عملياتها تقول للعدو إن خططه لن تنجح في تقسيم قطاع غزة، وليقل العدو ما يريد قوله، وليُرضِ جمهوره، فنحن نعمل على إنهاء هذه الحرب ولا نتمنى استمرارها حتى ننهي هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها شعبنا، لكننا لن نرفع الراية البيضاء، والعدو يعلم ذلك”. ويشدّد على أن المقاومة لديها رجال يقاتلون من أجل هدف وعقيدة ووطن ومقدسات، “فنحن ندافع عنها بكل ما أوتينا من قوة، والإسرائيليون الصهاينة يقاتلون بلا قيمة ولا هدف”. ويضيف أن “قطاع غزة سيكون محرَّماً على الصهاينة البقاء فيه، واليوم حرب الشوارع التي تقودها المقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام، تعطي رسائل واضحة بأننا سنبذل الغالي والنفيس من أجل إخراج العدو من القطاع”.
محاولات إسرائيلية لإنهاء حرب غزة
ووسط محاولات إسرائيلية لإنهاء حرب غزة يربط الهندي بين الخلافات الداخلية في إسرائيل والخلاف بين المستوى السياسي والجيش، قائلاً إن “نتنياهو في اليوم الذي تضع فيه الحرب أوزارها سيُقدَّم للمحاكمة وسيدخل السجن، وهو يصارع من أجل استمرار الحرب للحفاظ على كرسيه، وللإثبات للعالم أنه الشخصية الأقوى، وللحفاظ على امتيازاته”. أما جيش الاحتلال، وفق الهندي، “فيعلم جيداً ما يجري في قطاع غزة ضده من أعمال مقاومة وتربص، ويريد وقف العمليات لأن استمرارها استنزاف وفشل ذريع”. ويقول: “واضح أن هناك تناقضاً بين الحكومة والجيش، وهناك أحاديث عن ضغوط على نتنياهو من أجل وقف هذه الحرب والذهاب إلى صفقة”.
ويشدّد الهندي على أن الأهم بالنسبة إلى “حماس” والمقاومة والفلسطينيين أن “يخرج هذا العدو مهزوماً”، لذلك فإن “المقاومة لن ترفع الراية البيضاء، وستقاتل العدو حتى آخر نفس”، موضحاً أنه “من دون وقف إطلاق النار وانسحاب الاحتلال لن يكون هناك تفاهمات أو حوارات مع العدو”. ويضيف أنه لا بد من وقف الحرب وإعمار قطاع غزة للوصول إلى صفقة حقيقية يرضى عنها الجميع.
رسائل داخلية
يقول الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة، إن اتجاه الاحتلال لإعلان هزيمة المقاومة في إطار محاولات إسرائيلية لإنهاء حرب غزة ووقفها، يأتي في سياق توجيه رسائل للمجتمع الإسرائيلي بأنه تم تحقيق أهداف الحرب، وبالتالي محاولة طمأنة المجتمع بأن المواجهة التي قد تُفتح على الجبهة الشمالية تأتي بعد استكمال العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية. ويضيف أن “الاحتلال يريد أن يصل إلى واقع في قطاع غزة شبيه بالضفة الغربية، والمتمثل بعدم وجود فعلي للجيش وعدم احتلال كامل القطاع سواء الشوارع والأحياء، وتنفيذ عمليات انقضاضية”. ويوضح أن هذه العمليات “تأخذ عدة أشكال، منها القصف الجوي أو المدفعي والاغتيال العملياتي عبر اقتحامات مركّزة لبعض المناطق متى اقتضت الضرورة لتنفيذها”.
ويشير هلسة إلى أن هذا “الخيار تتمسك به المؤسسة العسكرية لكونه لا ينضوي عليه أي التزامات سياسية أو مدنية تجاه القطاع في ظل الحرب المتواصلة للشهر التاسع على التوالي، التي تعتبر الأطول من الناحية الزمنية”. ويلفت إلى أن “حالة المراوحة القائمة في المؤسسة العسكرية لجيش الاحتلال تشعره بأنه يدفع فيها ثمناً كبيراً، وأنه يضحي فيها من أجل مصالح سياسية، وبالتالي فهو يريد أن ينهي المرحلة الثانية من الحرب ويبدأ بالمرحلة الثالثة بعيداً عن الوجود في المناطق السكنية” في القطاع.
يقول أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني ناجي شراب، إنه “لا يمكن القضاء على حماس، فهي حركة لها امتداد شعبي في الداخل والخارج، إضافة إلى أن الحرب التي استخدمت فيها كل الأسلحة لها انعكاسات على القدرات الدفاعية للمقاومة”. ويضيف أنه “لا يمكن تجاوز وتجاهل حجم الاستنزاف في قدرات المقاومة بفعل الحرب الواسعة والشاملة وطول الفترة الزمنية لها للشهر التاسع توالياً من دون فترات توقف”.
وبحسب شراب، فإن انعكاس الإعلان الإسرائيلي لهزيمة المقاومة في ظل محاولات إسرائيلية لإنهاء حرب غزة “قد يكون بمثابة بداية لإنهاء الحرب بصورة جديدة، إذ سيذهب بها إلى صورة أخرى، في ظل عدم وجود اتفاق سياسي بين حماس والاحتلال”. ويوضح أن “السيناريو الذي قد تذهب إليه الحرب يتمثل بغارات جوية ومدفعية وبعض العمل البري، إذ إن الاحتلال فرض أمراً واقعاً من خلال الوجود في محور فيلادلفيا (على طول الحدود بين القطاع ومصر) ومحور نتساريم وسط القطاع”. ويشدّد على أن “الاحتلال من خلال هذا الوجود لن ينهي الوضع القائم إلا باتفاق سياسي شامل، وهو أمر تسعى له إسرائيل بقوة، ما يطرح التساؤل عن مدى إمكانية تقديم حماس تنازلات سياسية”.
أما عن ربط المشهد بين قطاع غزة ولبنان، فيرى شراب أن “الحسابات مختلفة تماماً نظراً لكون لبنان دولة، إلى جانب العمق الخاص بحزب الله وقدراته العسكرية المتطورة نسبة إلى قدرات حركات المقاومة الفلسطينية في القطاع”. ويشير إلى أن “فرضية الحرب الشاملة في الجبهة الشمالية تبدو غير قائمة، مع الأخذ بالاعتبار رغبة نتنياهو في تمديد الحرب والتصعيد في الشمال، انتظاراً لإمكانية وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة”.
المصدر: العربي الجديد