رحلة من الزينة إلى الطمأنينة.. حكاية “توبة دعاء”
منال حجازي
“لم أشعر ببركة مالي وأولادي، ولم أشعر بالرضى رغم وفرة المال”، هذا ما قالته دعاء حجازي (35 عامًا) من طمرة وهي أم لثلاثة أطفال، تعمل حاليًا كمرافقة لابنتها التي شخصت كمريضة حساسية الحليب، وهذه حكاية “توبة دعاء” يوثقها موقع “موطني 48”
رحلة البحث عن الذات
تقول دعاء: “بعد إنهاء دراستي، واجهتُ وأسرتي ظروفًا مادية صعبة. عملت في مجالات مختلفة، من المصانع إلى الوظائف المكتبية و درستُ مجال “الحسابات والسكرتارية” لمدة عامين وعندما توجهتُ لسوق العمل أخبرني المدير أن العمل سيكون من الثامنة صباحًا حتى الرابعة عصرًا وسأتقاضى مقابله (1000 ش.ج)، لم يكُن هذا كافيًا، وشعرت بأني لا أحتمل أن يتحكم بي أحد أو أن يملي علي التعليمات”.
تكمل دعاء قائلة: “كنت أعشق الرسم، لم أترك حائطًا أو زاوية إلا ووضعت بصمتي عليها. شعرت بعلاقة قوية بين الرسم وفن الماكياج، وأثناء تلك الفترة، بدأتُ بتطبيق الماكياج لقريباتي وصديقاتي في المناسبات، حتى قررت أن آخذ دورة في فن الماكياج للحصول على شهادة تخولني للعمل في هذا المجال، تزوجت وأنجبت أبنائي، وبدأت أعمل في مجال التجميل داخل غرفة في منزلي، ومع ازدياد إقبال الزبائن خاصّة بعد ما بدأت بنشر أعمالي على مواقع التواصل الاجتماعي ومع زيادة العمل في مواسم الأعراس والمناسبات بدأت أشعر أن الغرفة لم تعد تكفيني، إلى الجانب الضيق الذي بدأت تسببه لزوجي وأولادي الذين كانوا يضطرون الجلوس في غرفة داخل المنزل، فقررت فتح صالوني الخاص”.
النجاح المهني وعدم الشعور بالرضى
افتتحت دعاء صالونها الخاص في سن الثامنة والعشرين، وبدأ العمل يزدهر تدريجيًا، تقول حجازي: “رغم نجاحي في عملي وتحقيقي أرباحًا مادية وحصولي على كل ما أريد من ملابس ومقتنيات ورحلات إلا أنني شعرت بفراغ داخلي، ولم أشعر بالرضى ولا ببركة المال والأبناء وكنت أبكي وحدي كل ليلة على أطفالي الذين كانوا يأكلون ويلعبون وينامون وحدهم وأنا منشغلة في عملي، شعرت بالنقص العاطفي عندهم واتسعت الفجوة بيني وبينهم، كنتُ سريعة الغضب وكنت أصبُّ هذا الغضب على أطفالي وعائلتي، تحمّلوا المسؤولية دون ذنب منهم، حتى شعرت بأن حياتي وحياتهم في فوضى.
العلاقة بالله تعالى
وعن علاقتها بالله تعالى تقول دعاء أنها كانت ضعيفة، وتكمل: “كنت أقوم بتأدية الفرائض فقط دون مشاعر، وأحيانًا كنت أؤجل كل الصلوات وأجمعها في نهاية اليوم، ولم أكن أقضِ أيام الصيام المتراكمة علي، وانشغلت بالملابس والموضة، ولم أعرف المعنى الحقيقي للحجاب وكنت ألجأ إلى الله تعالى فقط وقت الحاجة.
تستطرد حجازي قائلة: “كنت أنظر إلى والدتي وإلى الملتزمين من حولي وأتساءل لماذا أختارهم الله ولم يخترني أنا؟ لماذا فضلهم علي؟ كنت أفكر لوحدي بأن هذا العمل لا يناسبني ولا يشبهني ولا أجد نفسي في هذا المكان، وكانت المشاعر الإيمانية تتفاقم في فصل الشتاء -أي في الوقت الذي ينخفض فيه سوق العمل في صالونات التجميل- كنتُ أستمرُ على هذا الحال حتى تأتيني أول زبونة، فينسيني الشيطان حبل الأفكار الإيماني هذا وانشغل بالنجاح المهني والمال”.
“المال الذي تجنيه حرام”
توجهت دعاء لرجال الدين وأصحاب العلم وبدأت بالسؤال عن طبيعة عملها، وكان الجواب واضحا وصريحا “عملك حرام، المال الذي تجنيه حرام”، تقول حجازي: “رغم علمي بالجواب إلا أنني كابرت وأكملت عملي بالصالون، وهنا بدأت رحلة الصراع مع الذات التي استمرت لمدة عامين، تلقيتُ خلالها العديد من الإشارات الإلهية وتعرضت للابتلاءات والاختبارات، وفي هذا الوقت كنت استمع باستمرار لهذه الآيات (یَوۡمَ یَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِیهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِیهِ ٣٥ وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَبَنِیهِ ٣٦ لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ شَأۡنࣱ یُغۡنِیهِ ٣٧) من سورة عبس، وبدأت أحاسب نفسي بجدية، أضفتُ صلاة قيام الليل إلى جدولي اليومي، وكنت أدعو الله في كل ليلة وأقول” اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق”.
اللحظة الحاسمة
تقول دعاء: “مع انتشار الموضة الحديثة للألبسة الشرعية الفضفاضة بين الفتيات، صرت أتابع الصفحات ومقاطع الفيديو الخاصة بهذا اللباس، أعجبني وشعرت بأنه اللباس الذي يشبهني والمناسب لي، لكنني في الوقت ذاته كنت متيقنة أن اختياري لهذا اللباس سيجبرني على التخلي والتنازل عن العديد من الأمور الدنيوية بداية من عملي في الصالون”.
وتكمل “طلبت هذا اللباس من متجر إلكتروني بهدف التجربة ليس أكثر، وعندما وصل في يوم كنتُ فيه مريضة وطريحة الفراش، استحممت ولبست الزي الشرعي الفضفاض للمرة الأولى، لم أنظر لنفسي في المرآة، خرجت فورًا من المنزل، وكانت هذه الخطوة التي لا عودة منها، أغلقت صالون التجميل، رميت المنتجات التجميلية التي كلفتني آلاف الشواقل في حاوية القمامة ولم أسمح لنفسي باستقبال أي زبونة منذ تلك اللحظة، وأعلنت توبتي عبر حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي وذرفت الكثير من الدموع في هذا اليوم”.
تصف دعاء التغييرات التي طرأت على حياتها قائلة “عزمت على ترك ِالمعاصي كلها وقررت أن لا أتبع الهوى وأن أتنازل عن جميع المحرمات دون استثناء، فلباسي الشرعي سيكون واجهةً للبنات المسلمات، التزمت باللباس الشرعي، زاد دعائي وأضفت سنة الوضوء وصلاة الضحى على جدولي، بدأت أتعلق بالدين أكثر فأكثر، شعرت بعظمة الاصطفاء التي كنت أتمناها، كنت سببًا بتوبة والتزام العديد من الفتيات المسلمات من بعدي.
״كنت كالعطشى״… هكذا وصفت دعاء نفسها، “صرت أبحث عن كل المجالس والأمسيات واللقاءات الدينية التربوية، تعلمتُ أحكام التجويد وانضممت لأطر دينية عديدة، وتعرفت على ثلة من الصحبة الصالحة التي أعانتني على المسير، صرت أشتاق للصلاة والعبادات وأقوم لآداءها حبًا وشوقًا وليس مجرد وظيفة علي إتمامها، بدأتُ بقضاء الأيام التي أفطرتها سابقًا في رمضان، وزدت من صيام النوافل.
علاقة الأم بالأبناء
وعن علاقتها بأبنائها تقول دعاء: “تحسنّت علاقتي مع أولادي وبدأت الفجوات بيننا تتقلص، صرنا نصلي جماعة، وأيقنت أن حضن الأم واحتواءها لأبنائها هو العلاج الأمثل.”
وتستطرد قائلة: أصبحت أشعر بالرضى في كل ما قسمه الله لي، رضيت بالخير والشر بعد ما كنت أشعر بالسخط الدائم والنقص رغم وجود كل شيء مادي، صرت أستشعر بنعمِ الله علي، تغيرت نظرتي للأمور الدنيوية، ولم يعد أكبر همومي لباسي وطعامي ورحلاتي.”
وتختتم دعاء قصتها مع “موطني 48” برسالة قالت فيها: “الجنة عروس ومهرها غالٍ… آن الأوان للعودة إلى الله وكفانا سعيًا وراء دنيا فانية زائلة، ولنتذكر أن يوم الحساب قادم لا محال ولنسأل أنفسنا سؤالًا واحدًا: هل نحن مستعدون للقاء الله عز وجل؟”