معركة الوعي (203) مناقشة افتراءات إفرايم هرارا الواردة في تقريره: “الأسس الوحشية للإسلام” (5)
حامد اغبارية
يحاول إفرايم هرارا – عبثا- أن يُقنع قُرَّاءه بأنّه ذو اطلاع ومعرفة بالإسلام، ولذلك يأتي بما لم يأت به الأوّلون.
يقول إن الكرة الأرضية مقسّمة في الإسلام إلى قسمين رئيسيين: دار الإسلام؛ وهي التي تضم كلّ بلد احتلها المسلمون ذات يوم؛ ودار الحرب، وهي كل أرض أو بلد لم يحتلها المسلمون بعدُ!! وهذا كلام فيه خلط يدلّ على جهل صاحبه، ويقصد منه الإزاغة والإشارة إلى أن المسلمين يعادون كل أرض تقع ضمن “دار الحرب” ويسعون إلى “احتلالها”!!
أما المسلمون فهم فاتحون وليسوا محتلين. يفتحون البلاد لينشروا فيها العدل والقسط، ويرفعوا الظلم عن المسحوقين ويضربوا على يد الظالم. ولم يفتح المسلمون البلاد سعيا إلى الدنيا ومادياتها، بل سعيا إلى إعلاء كلمة الله ونشر الحق والعدل. بل لو أنَّ المسلمين الأوائل سعوْا إلى فتح البلاد من أجل مال أو سلطة أو جاه أو ثروات أو مقدرات أو موارد من ذهب وفضة وبترول وغير ذلك لما عاشت لهم دولة ولا استقر لهم أمر، ولما علا شأنهم، بل كانوا سيصبحون كغيرهم من ملوك الأرض الذين ملأوها ظلما وفسادا وإفسادا ونهبًا للخيرات وظلمًا للعباد. ولك أن تقارن هذه المفاهيم بالاستعمار القديم والحديث وما تركه من آثار مدمرة ما تزال البشرية تئن تحت وطأتها.
-أما تقسيم الأرض إلى قسمين، فهو ليس خيارا ولا رفاهيّة بل هو تقسيم ربانيّ. فالله تعالى جعل البشر بين مؤمن وكافر. والفرق هو كيف يتعامل البشر مع هذه الحقيقة القرآنية. وهذا ما لا يفهمه هرارا وأمثاله، ويحيدون عن حقيقته.
– لكنّ المشكلة الحقيقية تكمن في الذين يعتبرون أنفسهم خلاصة الخلق، ويتعاملون على أنهم عرقٌ خاصّ خُلقوا من طينة خاصّة بهم فقط، ويتعاملون مع الآخَر بفوقية عرقية عنصريّة حتى لو ظلموا وأفسدوا وعاثوا في الأرض خرابا، وحتى لو سرقوا وقتلوا وزنوْا وخانوا وغدروا، مخالفين بذلك تعاليم كتابهم المقدس، وحتى لو نهبوا وسلبوا وهجّروا الناس من أرضهم وصادروها وأقاموا فيها بيوتا لهم، وزوّرا التاريخ والجغرافيا والرواية، فكلّ هذا عندهم مباحٌ، حلالٌ “كاشير”!! لأنهم “خاصة الله من خلقه” بزعمهم!! هؤلاء يعتبرون كلَّ مَن سِواهم “غوييم” (أغيارًا)، خلقهم ربُّ الجنود ليستأنسوا بهم فلا يشعرون بالوحدة والملل والضجر، ولِيقوموا على خدمتهم!! وشتّان بين الصورتين. شتّان شتّان!
– في الفقه الإسلامي هناك “دار إسلام”، وهذا صحيح ومنطقي، وهو حق وليس عيبا ولا جريمة. ودار الإسلام هي كل بلاد تحكم فيها شريعة الإسلام، وتقام فيها شعائره. أو بكلمات أخرى “دار الإسلام” وصفٌ ثابت – لا يتغيّر- لكل البلاد والدول التي يمثل دين الإسلام هويتها عقيدةً وشعائرَ عامة.
– أما دار الحرب فهي ليست النصف الثاني من الكرة الأرضية كما يحاول هرارا تصوير الأمر. فليست كل أرض غير إسلامية أو لا تقع ضمن “دار الإسلام” هي دار حرب، بل إن دار الحرب تشكل- من حيث الواقع التاريخي والمعاصر- الجزء الأصغر من “دار الكفر”. فدار الكفر هي كل بلاد لا تحكم فيها شريعة الإسلام، لكن هذا لا يعني أن دار الكفر كلها دار حرب. يقول ابن القيّم في “أحكام أهل الذمة”: “والكفار إمّا أهل حرب وإما أهل عهد”. ويقول سيد قطب في “معالم في الطريق” إن ما سوى دار الإسلام هي دار كفر، وعلاقة المسلم بها إما بالقتال كونها دار حرب، وإما المهادنة على عهد أمان وهذه هي دار العهد. وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه”. فهذا الحديث نصٌّ صريح في تقسيم دار الكفر إلى دار حرب لا يوجد بينها وبين المسلمين علاقةُ سِلم ومهادنة، بل العلاقة بينهما القتال والمحاربة، ودار عهد لا تجوز محاربتها للعهد والمهادنة التي توجد بينها وبين المسلمين، فالعلاقة بينهما علاقة سِلم وهدنة ومصالحة.
– لا يختلف اثنان على كوكب الأرض (اللهم إلا من الذين يتوهمون أنهم صفوة الله من خلقه!!) أن أي بلد وأي شعب يتعرض للاحتلال فإن من حقه أن يواجه هذا الاحتلال ويسعى بكل وسيلة إلى إخراج المحتل. هذا مضبوطٌ أيضا في سجلات القانون الدولي. وإنَّ كون دولة أو شعب يضربون عرض الحائط بشرائع السماء وبالقانون الدولي لا يلغي وجود هذا القانون وهذا الحق الطبيعي المجبول أصلا في فطرة الإنسان. لكنّ الذين يعتقدون أن البشرية من الأغيار ليسوا سوى خدم لهم فإنه ليس من حقهم حتى مجرد التفكير بالتحرر والانعتاق. فإنهم إن فعلوا ذلك تجاوزوا الحد واعتُبروا من ممارسي الإرهاب!
– لذلك فإن هرارا يستكثر على المسلمين أن يؤمنوا بأن أيّ أرض من بلاد المسلمين وقعت تحت الاحتلال فإن من واجبهم الدفاع عنها والعمل على إخراج المحتل منها.
– ثمَّ يخلط هرارا الأمور ولا يفرق بين المصطلحات حين يقول إن اليهود كأهل كتاب يمكنهم– من وجهة نظر المسلمين- العيش بينهم بشرط “أن يلتزموا بشروط أهل الذمة المذلّة، وها هم اليهود في إسرائيل قد تمردوا على شروط الذمة ولا يخضعون لحكم الإسلام، ولذلك يجب قتالهم”. وهذا لا علاقة له بالواقع. فكون اليهود الذين يعيشون في البلاد لا يخضعون لحكم إسلامي ليس سببا لمحاربتهم. فهم لم يكونوا تحت الذمة ثم تمردوا، بل جاءوا من أصقاع الأرض وأنشأوا لهم وطنا بدعم استعماري. وفي التالي فإن موقف المسلمين منهم ومواجهتهم لهم ليس لأنهم تمردوا على الذمة وإنما لأنهم _أي المسلمين- يؤمنون في عقيدتهم أن هؤلاء قد احتلوا أرضهم وشردوا منها أهلها وهدموا بيوتهم وأقاموا لهم دولة على أنقاضها.
– ولنبحث قليلا عن “شروط الذمة المذلة” التي يهرف بها هرارا. يصور الاستشراق مصطلح “أهل الذمة” بصورة سلبية، ويعتبره إنقاصا لمكانة غير المسلمين وحطًّا من قدرهم، وأنه نظام تمييزي، معتبرين دفع الجزية -على سبيل المثال- عقوبة يفرضها المسلمون لأن هؤلاء لم يدخلوا الإسلام، بينما الجزية في حقيقتها بمثابة ضريبة ضئيلة مقابل التمتع بالحقوق الكاملة التي يكفلها المجتمع لهم. وقد جاءت أيضا مقابل عدم مشاركتهم في حروب المسلمين ضد أعدائهم. وكانت الجزية لا تؤخذ من النساء والأطفال والعاجزين ورجال الدين. وكون أهل الكتاب وغيرهم يعيشون تحت ذمة المسلمين فهذا يعني أنهم تحت حمايتهم وفي أمانهم. ولذلك فإن على المسلمين أن يحموا أعراضهم وأموالهم ومعابدهم، وأن يقاتلوا من قاتلهم. يقول الدكتور علي القره داغي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: (لأن جميع من يعيش في دار الإسلام من المسلمين والذميين هم مواطنون لهم حقوق المواطنة على الدولة، وعليهم التزامات ومسؤوليات، فقد صرح الفقهاء بعدم التفرقة بين المسلمين وأهل الذمة في وجوب الحماية والدفاع عنهم داخل ديار الاسلام أو في حالة الأسر. حيث نصَّ الفقهاء على أن من واجبات الدولة المسلمة أن تسعى لإطلاق الأسرى من المسلمين والذميين على حد سواء ، حتى حكى ابن حزم الاجماعَ على : أن من كان في الذمة وقصده العدو في بلادنا وجب الخروج لقتالهم حتى نموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن تسليمه إهمال لعقد تلك الذمة). (يتبع).