انتفاضة طلاب الجامعات الأمريكية.. التاريخ يعيد نفسه من فيتنام إلى غزة
الإعلامي أحمد حازم
في السادس والعشرين من شهر شباط/ فبراير أقدم الجندي الأميركي آرون بوشنل، على اضرام النار في نفسه تنديدا بالحرب على قطاع غزة. وقبيل إضرامه النار بنفسه، قال بوشنل: “إنَّ احتجاجي ليس كبيرا مقارنة بما يعيشه الفلسطينيون في غزة”. الجندي بوشنل ليس عربيا وليس مسلما ليكون له شعور التضامن مع أبناء جلدته أو أبناء دينه، بل هو أمريكي “قح” لا ينتمي لجماعة حرف “الضاد” ولا هو واحد من الملياري مسلم على وجه الكرة الأرضية الذين يشكلون حوالي 25% من سكان العالم، بل هو مواطن غربي أمريكي الولادة نصراني الدين، يؤمن بحرية الشعوب بعكس قادة بلده. المواطن الأمريكي بوشنل لم يحظ بتغطية إعلامية عالمية لأن هدفه ضد الحرب على غزة والتي تدعمها أمريكا بكل شيء. تصوروا كيف ستكون التغطية الإعلامية الغربية للجندي بوشنل لو حرق نفسه احتجاجا على أحداث السابع من أكتوبر. معذرة كان بودي متابعة ما اريد قوله، لكني مضطر لغاية هنا للتوقف عن الكلام المباح في هذا الأمر، لإبعاد سيف قانون الرقابة عني.
الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، وفي مقال له، في موقع “ميدل إيست آي” يقول بكل صراحة: “إنَّ من نتائج حرب السبعة اشهر الأخيرة والتي يحتج طلبة أمريكا وأوروبا عليها، وقوف إسرائيل في قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدولية، وانها المرة الأولى في تاريخ الصراع الطويل، يجد الفلسطينيون أن لديهم قادة ليسوا على استعداد للتنازل عن مطالبهم الأساسية”.
الحرب على غزة دفعت حتى برموز فكرية يهودية غير إسرائيليين الى انتقاد الصهيونية. اسمعوا ما قالته الصحفية الكندية اليهودية ناعومي كلاين: “لقد جاءت بنا الصهيونية إلى لحظتنا الحاضرة من الطامة، وآن لنا أن نقول بوضوح: لم تزل الصهيونية منذ البداية تقودنا إلى هنا. وجرّت الكثيرين من أبناء شعبنا وأغرقتهم في طريق لاأخلاقي، حتى باتوا يبررون الآن تمزيق الوصايا الجوهرية: تحريم القتل، تحريم النهب، تحريم الغي”.
الجندي الأمريكي الشاب بوشنل ومن خلال حرق نفسه من أجل غزة -أي ضد الحرب-، شجّع طلاب جامعات بلده ليسارعوا في التعبير عن احتجاجهم ضد الحروب وليعيدوا تاريخ الطلبة الأمريكيين ضد الحرب الأمريكية على فيتنام. ما يجري في أمريكا اليوم من انتفاضة طلابية ضد الحرب على غزة ليست بجديدة على المجتمع الأمريكي. فقد سبق وان انتفض طلاب جامعات أمريكية وأوروبية عام 1968ضد حرب أمريكا على فيتنام.
عندما نتحدث عن جامعة ما في العالم بغض النظر عن مكان الجامعة، نستخدم دائما كلمة “حرم” الجامعة لما لهذا الصرح الثقافي من مكانة مرموقة لدى الشعب، ولما لهذه المؤسسة التعليمية من قدسية ثقافية، ولذلك لا يجوز تجاوز هذه المعرفة وهذه الحدود والالتزام باحترام خصوصية الجامعة، ولذلك فإنّ اقتحام الشرطة لأيّة جامعة هو تعد على قيمة أساسية من القيم المتعارف عليها عالميًا.
الفيلسوف الإنساني إيمانويل كنت، وصف الجامعة بأنها: “المكان الذي تقال فيه الحقيقة من خلال البحث والنقاش”. لكن هل الادارة الامريكية تسمح بقول الحقيقة؟ ما تعيشه الجامعات الامريكية هذه الأيام يثبت عكس ذلك، والدليل على ذلك أنَّ الإدارة الأميركية أطلقت رجال شرطتها المدجّجين بالهراوات والسلاح وطائرات الهليكوبتر، ضد الطلاب والأساتذة المعتصمين في باحات جامعات عريقة مثل كاليفورنيا وكولومبيا وييل وهافين، احتجاجًا على حرب غزة. وما الهدف من هذا التصرف؟ واضح انها محاولة لكمّ الأفواه وقتل الحقيقة التي بدأت تتكشّف أمام النخب الأميركية بأنّ القضية الفلسطينية هي قضية حقّ، وأنّ الفلسطينيين هم الضحيّة المفعول بها وفيها.
الإدارة الامريكية، وكما يرى بعض المحللين، لم تتعلم من تجربة فيتنام، التي انتهت بهزيمة مذلَّة في الميدان، أثَّرت على سمعة أميركا الأخلاقية في العالم أجمع، عانى منها الجيل الذي عاصرها، والذي انطلقت احتجاجاته من الجامعات كما يحدُث الآن.
وفي النهاية، لا يسعني القول سوى أنّ فضيلة الشيخ رائد صلاح على حق في اقتراحه -في مقاله الأسبوع الماضي في صحيفة المدينة- للإدارة الامريكية هدم تمثال الحرية في نيويورك. فالدولة التي تريد كم الافواه، والدولة التي تدعي بانها قلعة الفكر والحرية وتدافع عنها، هي نفسها التي تضرب اليوم عرض الحائط بكلّ ما تدّعيه من مبادئ. هذه الدولة لا يجوز ان ترفع تمثالا للحرية، بل تمثالا لكم الافواه.