“حدّاد” كحالة في سياق منظومة “الهاسباراه”
ساهر غزاوي
“الهدف إيجاد مجتمع من المحاربين مهمتهم هي إغراق الإنترنت بالدعاية الإسرائيلية”، هذا ما كُتب في إحدى المجلات اليهودية الأسبوعية التي تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعبارة أخرى، إيجاد محاربين “عرب” متصهيني الفكر والنهج والسلوك. وعلى هؤلاء لا تنطبق فقط مقولة ابن خلدون “المغلوب مُولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”، لأنهم ليسوا مولعون بالاقتداء بالغالب وحسب، إنما يذهب بهم نهجهم وسلوكهم إلى حد أن ينطبق عليهم مقولة “كاثوليكي أكثر من البابا” وحتى “صهيوني أكثر من الصهاينة”.
مثل هؤلاء نراهم يبررون للاستبداد واستمرارية حكم المستبد، بينما لا يقلقهم ولا يؤلمهم مآسي وجراح الفلسطينيين والعرب. ونرى منهم من يستميت في الدفاع عمّن ظلم أهله وأبناء شعبه وأذاقهم ويلات القتل والتهجير الذي ما يزال إلى اليوم يمارس بحقهم التمييز العنصري والاضطهاد الديني والسياسي ويعتدي على أرضهم ومقدساتهم ويحرمهم من حقوقهم الجماعية وحتى الفردية منها، وعلى مثل هؤلاء ينطبق أيضًا مصطلح “متلازمة ستوكهولم” (هي حالة نفسية تصيب الإنسان عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال)، هذه المتلازمة التي أدّت إلى سقوط قسمًا من أبناء شعبنا الفلسطيني في مستنقع تهويد الوعي ومشاريع التدجين والأسرلة المُغلفة بشعارات شتى.
هي عناوين كثيرة تحمل أسماء عربية وفلسطينية رهنت نفسها لتزييف الحقائق والوقائع التاريخية وتطويعها لخدمة الرواية والدعاية الإسرائيلية، وفي المقابل فإن هذه العناوين لا تألو جهدًا في محاولة تفكيك الرواية الفلسطينية واجتثاثها وطمس معالمها ومحو آثارها، وذلك كله مقابل أمجاد شخصية زائفة وزائلة.. لكن وأنّى لهم ذلك مهما حاولوا، بل وعبثًا يحاولون ما زال السواد الأعظم من أبناء شعبنا متمسكًا بالثوابت القيّمية والوطنية بأبعادها الإسلامية والعربية والفلسطينية.
لقد تصدر اسم يوسف حداد قائمة “الترند” في مواقع التواصل في الأيام الأخيرة لتعرضه للضرب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين جرت خارج جامعة كولومبيا في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة. ويعتبر “حداد” من الوجوه الدعائية الإعلامية الإسرائيلية على شبكات التواصل الاجتماعي ومن الوجوه الناشطة في مجال تحسين صورة إسرائيل في العالم، وهو من سكان مدينة الناصرة، خدم في الجيش الإسرائيلي وقاتل في “لواء غولاني”، وهو أحد العناوين التي لا تزال تحتفي بها صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية” على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحتفي بعبارته “كلنا إخوة اسرائيليون.. ما تسمعونه في الإعلام عن دولة إسرائيل بعيد عن الحقيقة”.
وللتذكير، فإنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها يوسف حداد للضرب والإهانة بسبب ما يحمله من فكر ونهج وسلوك وبسبب استفزازاته المتكررة لكل ما هو عربي وفلسطيني، فقد تعرض سابقًا إلى الاعتداء اللفظي والجسدي من قبل مسافرين عرب أثناء صعوده إلى الطائرة مع أفراد عائلته قبل عودته إلى تل أبيب قادمًا من دبي. ويصف “حداد” حادثة الاعتداء هذه بالقول: “لم أصدق أن شخصًا ما سيهاجم شخصًا آخر على متن الطائرة، وفي قلب دبي، وقد وصفني الرجل الذي اعتدى عليّ بأنني الخائن رقم 1”. فهل هذه المرة الوحيدة التي يوصف فيها “حداد” بالخائن؟ طبعًا لا، فقد أصبح هذا الوصف يلازمه أينما حلَّ وارتحل. بل إن هذا الوصف المهين قد نزل على “حداد” مثل الصاعقة من حيث لا يحتسب وعلى الهواء مباشرة أثناء مشاركته في برنامج حواري في استديو “القناة 13” الإسرائيلية عندما دخل الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في مشادة كلامية معه وقال له: “نحن لا نحترم العملاء فالزم الصمت”.
بنظر “حداد”، الذي يمثل حالة لها عدة عناوين وأسماء (وهنا لا بدّ من التأكيد أن المقالة تركز على الحالة وليس على الشخص بحد ذاته)، لا يوجد تمييز عنصري واضطهاد ديني وسياسي، ولا يوجد اعتداء على الإنسان والأرض والمقدسات، بل ينكرها بتاتًا وينكر جريمة الفصل العنصري. ولو أن أصحاب متلازمة هذه الحالة يساوون بين الضحية والجلاد لكانت مصيبة، لكن المصيبة الأعظم أن مثل هؤلاء ينكرون من الأصل مظلومية الضحية وينكرون الحق في الدفاع عن هذه المظلومية. والأدهى والأمر أن يصطف مثل هؤلاء جنبًا إلى جنب مع المستوطنين المتطرفين في اعتداءاتهم على الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية لمنعهم من إقامة نشاطات تسعى لتثبيت هويتهم الفلسطينية، بل إن هؤلاء يكونون أكثر حدّة وجرأة من غيرهم في الاعتداء على الطلاب العرب ومضايقتهم، كما حصل في جامعة تل أبيب عندما طالب “حداد” بطرد الطلاب العرب من الجامعة.. “روحوا على جنين”.
إنَّ حالة “حداد” وجدت لتقوم بمهمة اختراق الوعي العربي والفلسطيني وبمهمة تحسين وتلطيف صورة إسرائيل في الداخل والخارج بهدف التأثير على عقليات الأفراد ونفسياتهم، ليصيبهم الوهن والإحباط والتفكك والاضطراب ليسهل عليهم ترسيخ آراء ومفاهيم مختلفة ومشوشة في نفوس الجمهور العربي الفلسطيني. وقد نجد هذه الحالة في الحقول الإعلامية والسياسية والأكاديمية والمنتديات الثقافية والمؤسسات الحكومية بمختلف مهامها ومسمياتها، لذا يعتقد هؤلاء أن أفضل طريقة لأداء هذه المهمة أن يكونوا “كاثوليكيين أكثر من البابا” وحتى “صهيونيين أكثر من الصهاينة”.
تمَّ تجنيد هؤلاء في أجهزة “الهاسباراه” المسؤولة بشكل رئيسي عن تحسين صورة إسرائيل في العالم. مع الإشارة إلى أنَّ “الهاسباراه” هو مصطلح خاص بإسرائيل ونابع من خصوصية وضعها، وهو يصف الآلية التي تتم بها عملية نقل الرسائل من إسرائيل إلى العالم وإقناعه بالرواية الإسرائيلية وتحديدًا في القضايا السياسية. هذا المصطلح لا ينحصر في أروقة أجهزة الأمن والمنظومة الأمنية، بل تنصب مهمة نقله على كاهل وسائل الإعلام، والتي ترمي إلى تبرير السياسة الإسرائيلية، وصد الهجمات السياسية والإعلامية ومحاولات المس بصورة إسرائيل أمام الرأي العام الدولي لتخفيف حدة النقد الموجه ضد الممارسات الإسرائيلية وعدوانيتها ضد الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص.