الهجوم الإيراني والتصدي الإسرائيلي.. مسرحية متقنة بامتياز
الإعلامي أحمد حازم
كل الأطفال يرغبون في سماع حكايات، تساعدهم في الخلود سريعًا للنوم. وغالبا ما تكون حكايات عن حيوانات مشوقة للأطفال. لكن مساء السبت الماضي وبالتحديد في الثالث عشر من الشهر الحالي، أصبحت الحكاية للكبار وليست للصغار. صحيح أنّ الحكاية كانت مشوقة كونها كانت شبيهة بذَكَري ماعز (تيسان) يتناطحان لإظهار الأقوى منهما أمام الانثى (العنزة)، وبعد انتهاء المناطحة يذهب كل منهما في طريقه بشعور المنتصر، رغم أنّ أحدهما لم يثبت تفوق قدرته على الآخر.
الحكاية لم تكن مجرد “خرّافية” من صميم الخيال، بل حكاية واقعية بين بلدين لإظهار الأقوى: بلد اسمه إيران والآخر إسرائيل. الاثنان يتناطحان منذ سنوات طويلة، ليثبت كل طرف انه الأقوى في الشرق الأوسط. هذا هو المشهد بوصفه الحقيقي، الذي عاشه العالم لساعات.
ما جرى مساء السبت هو هجوم من بلد (إيران) يتحين كل فرصة مناسبة أو سببا لضرب الطرف الآخر (إسرائيل)، والعكس هو الصحيح أيضًا. لكن إسرائيل لها سوابق في ضرب مراكز إيرانية خارج ايران وبالتحديد مراكز في سوريا المتعاونة مع ايران، كان آخرها الضربة التي وجهتها إسرائيل لمبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق مطلع هذا الشهر، والتي أسفرت عن مقتل 16 شخصا بينهم ثمانية إيرانيين وخمسة سوريين ولبناني واحد، بالإضافة إلى مدنيين اثنين.
هذه العملية الإسرائيلية لم تستطع ايران “بلعها” أي السكوت عليها ولو مؤقتا، لسببين: أولهما الحفاظ على ماء الوجه أمام شعبها وحلفائها، خصوصا ان الضربة كانت قوية عسكريًا ومعنويا، وثانيهما، أنَّ بلاد فارس سترد بسرعة البرق على الضربة، الأمر الذي لم يكن بالحسبان أن تقوم ايران بهجوم سريع خصوصا وأن ايران تتلقى ضربات كثيرة ولم ترد عليها إن كانت من إسرائيل أو من الولايات المتحدة، التي قامت باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري في ايران، ولم تفعل ايران أي شيء. لكن هذه المرة رأت إيران نفسها مجبرة على الرد السريع لأن من بين قتلى القنصلية الإيرانية في دمشق جنرال إيراني رفيع المستوى يدعى محمد رضا زاهدي.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تصر إسرائيل على استغباء مواطنيها والعالم بأن ما جرى ليلة الهجوم الإيراني هو “إعلان حرب” كما قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ؟ هناك مثل شعب عربي يقول: “مجنون يحكي وعاقل يسمع”. الحرب تكون عادة بين عدوين يتمنى أحدهما الدمار والهلاك للآخر، وليس إبلاغه بهجوم ضده كما جرى مع إسرائيل.
اسمعوا الحكاية: إيران وحسب المعلومات المتوفرة أطلقت خلال هجومها على إسرائيل الذي استمر 5 ساعات، 185 طائرة بدون طيار “مسيرة” و36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض أرض. الجيش الإسرائيلي، قال إن غالبية الصواريخ التي أطلقت من إيران “تمَّ اعتراضها خارج حدود إسرائيل”. هذه المعلومات من المفترض ان تكون سرية وأن لا يعلم بها “العدو” لكي لا يتهيأ لصدها. ما جرى هو العكس تماما: مصدر دبلوماسي تركي أكد يوم الهجوم في الرابع عشر من الشهر الجاري، أن إيران أبلغت تركيا مسبقا بعمليتها الانتقامية ضد إسرائيل وأنّ الولايات المتحدة أبلغت إيران عبر تركيا أن عمليتها يجب أن تكون ضمن حدود معينة. “ما شاء الله على هيك حرب”.
تعالوا نسأل الرئيس الإسرائيلي وكل الذين قالوا إن ما جرى هو حرب على إسرائيل: هل يجوز إطلاق تسمية حرب على عمليات المسيرات والصواريخ التي جرى اسقاط معظمها قبل وصولها لأهدافها. وكيف لحرب تندلع من دون استخدام الدبابات والمدفعية، وبلا جنود ولا كوماندوس وحتى بدون الآليات المدرّعة الأخرى؟ وكيف يمكن القول إنّ حربًا قد بدأت واشتعلت ثمّ وضعت اوزارها اثناء ساعات النوم؟
وأكثر من ذلك: أن إيران فكرت بعدم الحاق الضرر بإسرائيل لدرجة انها بلغت الأتراك بأنّ الهجمات ستكون محدودة، وتم ابلاغ الأميركيين بالموعد والاهداف، وأنّ الصواريخ لا تحمل رؤوسًا متفجّرة.
لقد أتلفوا اعصابنا في الحديث عن اقتراب حرب ايران على إسرائيل، وكانوا يعلمون أنّ ذلك كلّه غير صحيح، وما حصل هو مشهد لهجوم استغرق عرضه خمس ساعات. وحسب التقييم الإسرائيلي والإيراني لهذا المشهد الهجومي من الصواريخ الباليستية والمسيرات، فإن كلاهما رفعا شارة النصر. وعلى ضوء ما جرى فإن أحدهما كاذب أو الاثنان معًا.
الموضوع الغريب في مسرحية الحرب هذه يكمن في تساؤلاتٍ عدة: إيران أطلقت مسيراتها وصواريخها من أراضيها حيث يستغرق ذلك ساعات كثيرة للوصول للهدف. فلماذا لم تفعل ايران ذلك (لو كانت جادة) عبر ميليشياتها المنتشرة في سوريا، والتي بحوزتها تلك الصواريخ والمسيّرات حيث تصل الى العمق الإسرائيلي خلال دقائق أقلّ من اصابع اليد، بدلًا من الساعات التي استغرقتها، والتي كانت مناسِبةً للمقاتلات الأمريكية والبريطانية والفرنسية لإسقاطها. هنا تتكاثر علامات الاستفهام عما وراء ذلك؟