معركة الوعي (197) نبوءات “الكتاب المقدّس” تجمع بين النّقيضين.. السّر وراء الدّعم الغربيّ للمشروع الصّهيونيّ (1-2)
حامد اغبارية
جملةٌ من الأسئلة الملحّة تعترض المشهد الحاليّ في بلادنا، تتعلّق بالدّوافع الحقيقيّة وراء الدّعم الغربيّ (الغرب المسيحيّ) “الأعمى” للحرب الإسرائيليّة على غزّة، وللمشروع الصهيونيّ بأهدافه الخطيرة؛ العلنيّة منها والخفيّة.
ما السّر وراء هذا الدّعم رغم أن المَشاهد القادمة من غزّة، بالبث الحيّ والمباشر، تؤكد بما لا يدع مجالا للشكّ، أن ما يجري، عمليًّا، يحمل أدلّة كثيرة على أنَّ حرب إبادة وجرائم ضد الإنسانيّة تُرتكب ضد المدنيين في قطاع غزة منذ ما يزيد على ستّة أشهر؟
تزعم دول الغرب الصّليبيّة، على اختلاف كنائسها الّتي تنتمي إليها، وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، أنَّها تضع حياة الإنسان في مقدّمة اهتماماتها، وأنّها لا تفرّق بين البشر على أساس الدّين والّلغة والقوميّة والهويّة والّلون والجنس، وأنّها هي، وفقط هي، الّتي تحمل راية الدّفاع عن حقوق الإنسان، وأنّها هي، وفقط هي، صاحبة السّبق في تأصيل القوانين الدّولية والمواثيق الكونيّة الّتي تدعو دول العالم إلى احترام الحقوق والالتزام بالضّوابط المرعيّة في الحروب، والّتي تتعلّق بالمدنيّين وبكلّ ما يحفظ كرامتهم ويوفّر لهم أسباب الحياة من أمْن فرديّ وجماعيّ ومن غذاء ودواء ومسكن.
غير أن مراجعة خاطفة لتاريخ تعاطي هذه الدول مع القوانين التي وضعتها بنفسها، تكشف حقيقة واحدة: ليس هناك بند في تلك القوانين والمواثيق الدولية (التي أصابها العفن في أدراج الأمم المتحدة) إلا وخالفته تلك الدول منفردة أو مجتمعة. والمدهش، الذي لا يدعو للدهشة أبدا، أن ضحايا هذه المخالفات في غالبيّتهم من المدنيين، سواء كان ذلك قبل وضع هذه القوانين أو بعدها، بدءا من الحروب الصليبيّة في الشرق الإسلامي، فالحرب الأهلية الأمريكية، والحرب الأهلية الإسبانية، والحروب البينيّة الأوروبيّة، والحربين العالميّتين الأولى والثّانية، وحرب فيتنام، والحرب على أفغانستان والعراق وما سجّل التاريخ الحديث من حروب ومواجهات كانت دول الغرب الصليبي طرفا فيها.
أحد الأمثلة البارزة على الإبادة المتعمّدة عددُ المدنيين الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية، سواء جراء الأعمال العسكرية والجرائم ضد الإنسانية أو بسبب الأمراض والمجاعات التي سببتها الحرب. فقد سجلت الوثائق ما بين 36 – 55 مليون ضحية من المدنيين فقط. وارتكبت عصابات الجيش الأمريكي في القارة الأمريكية قبل التأسيس مذابح بحق الهنود الحمر، وهم السكان الأصليون في القارة، راح ضحيتها ما يزيد على 100 مليون شخص. وفي حرب أمريكا ضد فيتنام أكثر من مليون مدنيّ. ولك أن تتخيّل الفظائع التي ارت|ُكبت بحق المدنيين من تعذيب وتمثيل بالجثث ووسائل قتل شيطانيّة وانتهاك للأعراض والحرمات وتجويع وغير ذلك مما لا يغيب عن الأذهان.
النتيجة الأولى: دول الغرب وضعت قوانين أصبحت عالميّة لا لتلتزم بها هي، بل لتُلزم بها غيرها من الدول والشعوب المستضعفة أو الشعوب المتمردة على السيّد الأبيض.
النتيجة الثانية: خلفية عنصرية شديدة الوضوح. عنصرية العرق الأبيض.
فما هي الأسئلة التي تسد سبل الفهم الكامل أمام الذين لم يدركوا بعدُ حقيقة الصراع؟
– هل هو دعم غربيّ أعمى للدولة الإسرائيلية وللمشروع الصهيوني؟
بل هو دعم عن بصيرة وعن تخطيط ووعي كاملين. الأعمى فقط هو الذي يظن أنه دعم أعمى ينقاد إليه الغرب رغم أنفه!
– إذا كانت النصرانيّة تحمّل اليهود المسؤولية عن صلب المسيح- كما يزعمون- فكيف حدث هذا التحالف التاريخي بين النقيضين؟ كيف تحول العداء الممتد منذ قرون إلى وحدة حال ووحدة هدف ووحدة مصير؟
– كيف حدث أن أصحاب التوراة (التي بين أيدينا) والذين لا يرون لغيرهم من أهل الأرض حقا في وحي السماء، قبلوا هذا الدمج بين توراتهم وبين الأناجيل في كتاب واحد أطلقوا عليه اسم “الكتاب المقدس- العهد القديم والعهد الجديد”، مع اعتقاد اليهود أن المسيح لم يُبعث بعد، وأن ذلك الذي بُعث قبل ألفي عام هو مدّع كذاب؟
– والسؤال الذي ما يزال المحللون والمؤرخون وأهل السياسة في حيرة من أمرهم حياله: هل الدولة الإسرائيلية هي التي تسيطر على الغرب، ولذلك تجد نفسها مضطرة إلى تقديم كل أشكال الدعم لحمايتها، أم أن الغرب هو الذي يستخدم تلك الدولة لتحقيق مصالحه؟
والجواب على هذا السؤال يتجاوز اختيار أحد الاحتمالين. فلا المؤسسة الإسرائيلية تسيطر على الغرب وتفرض عليه أجنداتها، ولا الغرب اتّخذ منها وسيلة لتحقيق مصالحه في الشّرق كما يتخيل كثيرون من قصيري النظر، الذي يستخدمون أدوات الغرب العصرية المنبتّة عن السياقات التاريخيّة، في العلوم السياسية، لتحليل الأحداث والوقائع وفهم التاريخ. المسألة تفوق ذلك بكثير. فما يجمع المشروع الصهيوني وأصحابه بالغرب الصليبي هو وحدة مصير مبنيّة على نبوءات توراتية اجتمع الطرفان عليها. (يتبع).