بين يدي كتاب “الإعدامات الميدانية”
ساهر غزاوي
قبل فترة قصيرة أعلنت مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في الناصرة عن إصدارها كتابًا جديدًا بعنوان (“الإعدامات الميدانية”: مواطنون عرب قتلوا على يد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خارج إطار القانون(، والكتاب من تأليف وإعداد كاتب هذه السطور، غير أن تولية الاهتمام اللازم والواجب لتسليط الضوء على جوانب من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من نصف عام، هذه الحرب التي ترفضها كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية والأعراف الإنسانية، جعل من كتابة بعض السطور بين يدي هذا الكتاب موضوعًا يمكن تأجيله.
يؤكد هذا الكتاب على أن التعامل العدائي لأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع العرب الفلسطينيين مواطني الدولة يعبر عن نفسه باستسهال الضغط على الزناد عليهم دون مبرر!! فالأسباب والدوافع التي أدت إلى قتل يعقوب طوخي من مدينة يافا برصاص شرطي بوحدة سرية بالشرطة الإسرائيلية ثالث أيام عيد الفطر، هي نفسها الأسباب والدوافع التي أدت إلى قتل معظم الحالات التي وثقها الكتاب في الفترة الواقعة من عام 2000 إلى عام 2022. وهذا يدلل على أن سياسة الإعدام الميداني التي تنتهجها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المتمثلة بالشرطة والجيش وحراس الأمن، سياسة مدرجة ضمن إطار النهج والممارسات العنصرية ضد العرب الفلسطينيين تحت غطاء سياسي رسمي وقانوني وتظللها ثقافة عدم المعاقبة والمحاسبة السائدة في السياسة الإسرائيلية.
قبل المباشرة في إعداد الكتاب، أجرينا في مؤسسة ميزان مراجعة شاملة للاطلاع على ما كُتب ونُشر في سياق الإعدامات الميدانية في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، فحقيقة قد وجدنا تقاريرًا أعدّتها جهات حقوقية توثق لأسماء القتلى العرب الفلسطينيين على يد الشرطة والجيش الإسرائيلي انطلاقًا من العام 2000- وهو العام الذي اندلعت فيه الانتفاضة الثانية (هبّة القدس والأقصى)-، لكنها تقارير تفتقر إلى المعلومات المفصلة عن كل حالات ضحايا سياسة الإعدام الميداني. وتقتصر فقط على توثيق أسماء الضحايا وأماكن سكناهم وتواريخ قتلهم.
إلى جانب أن هناك عددًا من أسماء ضحايا سياسة الإعدام الميداني من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل غير مدرجة بقوائم تلك التقارير، وأسماء أخرى لفلسطينيين من حدود مكانية أخرى أدرجوا في القوائم كونهم قتلوا داخل الخط الأخضر، إلى جانب أن توثيق أسماء لفلسطينيين قتلوا على يد المستوطنين اليهود في حالات مختلفة، وهذا ما يستثنيه الكتاب لتركيزه على سياسة الإعدام الميداني بحق المواطنين الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية على يد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في أخر عقدين.
من اللافت للانتباه أن هذه التقارير التي أعدّتها جهات حقوقية تنقلت من مكان إلى آخر كما هي ومنسوخة حرفيًا دون زيادة أو نقصان، كانت تضم اسم لشخص يدعى (توفيق اغبارية) وينسب لمدينة أم الفحم وكان قد قتل برصاص الجيش على حاجز عسكري قرب جنين في 6/2/2003، وعند الفحص والتدقيق ومراجعة أرشيف صحيفة الصنارة في تلك الفترة، تبين أنه يحمل اسمًا أخر وهو من سكان إحدى بلدات الضفة الغربية، وكانت الصنارة قد نشرت في عددها الصادر في 14/3/2003 خبرًا نوهت فيه إلى هذا الخطأ، لكن الاسم (توفيق اغبارية) بقي مدرجًا في تلك التقارير.
لذا، رأينا ضرورة، من باب الأمانة العلمية التوثيقية، مراجعة جميع الأسماء وفحصها والوقوف عند أدق تفاصيلها، وقد استغرقت عملية جمع المعلومات والبيانات والمسح الشامل الذي أجرته مؤسسة ميزان مدة تزيد عن سنة كاملة. وحتى أننا اضطررنا للتواصل مباشرة مع قسم من أهالي الضحايا لجمع المعلومات وتوثيق روايتهم المناقضة لرواية الشرطة، وستجدون ذلك عندما تقرأون القسم الثاني من الكتاب الذي يعرض ظروف وتفاصيل كل حالة وحالة من هؤلاء الضحايا، مع التنويه أن القسم الأول من الكتاب يعرض ويحلل معلومات وبيانات واحصائيات لضحايا سياسة “الإعدامات الميدانية” الذي يصل عددهم إلى 79 ضحية في الفترة الواقعة من عام 2000 إلى عام 2022. ومع الإشارة أيضًا أننا وجدنا صعوبة التواصل والتعاون مع قسم أخر من أهالي الضحايا لاعتبارات يمكن أن نتفهمها إلى حد ما.
بناء على ما تقدم، فيمكن القول إن كتاب (“الإعدامات الميدانية”: مواطنون عرب قتلوا على يد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خارج إطار القانون) يعتبر إضافة مهمة وضرورية للإنتاج المعرفي فيما يتعلق بدراسة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، خاصة وأن هذا الكتاب يوثق لمرحلة تاريخية حصلت فيها تطورات وتحولات مهمة في علاقة الفلسطينيين الأصلانيين مع الدولة في أخر عقدين. ومن الممكن أيضًا اعتبار الكتاب وثيقة تاريخية ومرجع مهم وأساسي في مسيرة شعبنا الفلسطيني في الداخل. لا سيّما وأن هذا الإصدار يعتبر الأول من نوعه من حيث المعلومات والتفاصيل التي تسلط الضوء أوضاع الفلسطينيين في الداخل وما يعانوه من تمييز عنصري صارخ بحقهم من قبل المؤسسة الإسرائيلية وأجهزتها المختلفة.
الذي ينتهي من قراءة صفحات هذا الكتاب حتمًا سينتهي من قراءة مرحلة تاريخية مهمة ومفصلية في مسيرة شعبنا الفلسطيني في الداخل، هذه المرحلة التي منحت المؤسسة الإسرائيلية أجهزتها الأمنية كافة الصلاحيات لاستعمال العنف المفرط مع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وأدرجت سياسة “الإعدامات الميدانية” ضمن إطار نهجها وممارستها العنصرية ضدهم.
لكن سياسة الإعدام الميداني لا تزال سارية المفعول ولا تزال الصفحات تكتب وتدون فيها حالات لضحايا جدد، فمنذ بداية العام 2023 وحتى يومنا هذا تم توثيق 18 حالة. وقد جاءت جريمة قتل يعقوب طوخي من مدينة يافا لتقرع أجراس خطر سياسة الإعدام الميداني والقتل بدم بارد آذاننا من جديد، ولتنبهنا أنه في ظل التغيرات الجارية الأخيرة على الخارطة السياسية الإسرائيلية من المتوقع ازدياد عدد ضحايا سياسة الإعدام الميداني والضغط بسهولة على الزناد تجاه المواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر.