في يوم الأسير الفلسطيني.. أوضاع الأسرى من سيء إلى أسوأ
المحامي عمر خمايسي
دونما شك أن عبارة “ما بعد 7 أكتوبر ليس كما قبله” يمكن إسقاطها أيضًا على ظروف وسياسة التعامل الإسرائيلي مع الأسرى الفلسطينيين في سجونها، فمنذ إعلان الحرب ولغاية الآن، قامت إسرائيل بسن وتعديل العديد من القوانين والقرارات التي اتخذت ضد المعتقلين والأسرى الفلسطينيين التي لا تتماشى مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية التي وقعت إسرائيل عليها وتلك المُلزمة لها، حيث تنتهك حقوقًا أساسية للأسرى مما يضعهم في خطر تعرضهم للتعذيب، الاختفاء القسري أو الموت. ونتيجة للتعذيب الممنهج أو الإهمال الطبي، فقدَ 13 أسيرًا حياته حتى الآن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، آخرهم الأسير جمعة أبو غنيمة من النقب بسبب تدهور وضعي الصحي.
لقد تغيّر التعامل مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من سيء إلى أسوأ، بحيث تفاقمت معاناتهم وأصبحت ظروف حياتهم خلف قضبان السجون وفي الزنازين تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة البشرية. ويأتي يوم الأسير الفلسطيني هذا العام، الذي تحل ذكراه في 17 نيسان/أبريل، في ظل تزايد الاعتقالات وارتفاع أرقامها واتساع رقعتها، وتصاعد الانتهاكات والجرائم بحق الأسرى، بشكل خطير وغير مسبوق. وحتى منتصف آذار/ مارس 2024، بلغ مجمل أعداد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية 9100، الأسيرات 51 (منهن 17 معتقلة إداريًا)، الأطفال الأسرى 200، المعتقلين الإداريين 3558.
ما قبل بعد 7 أكتوبر، وضع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لنفسه عدة أهداف فيما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين ومنها “تحسين مستوى العقوبة، السجن والتأهيل لمنع الحوادث”، ولتحقيق هذه الأهداف وضع عدة وسائل، أبرزها: تعزيز سلطة الحكم في السجون إزاء الأسرى الفلسطينيين من أجل منع “الإرهاب”، من خلال تقليل الامتيازات الممنوحة للأسرى. لكن، خشية انفجار الأوضاع الأمنية، تأجل تنفيذ قرارات بن غفير. وجاءت أحداث 7 أكتوبر لتزيل أي عائق يحول دون التضييق على الأسرى والتنكيل بهم. فقامت السلطات الإسرائيلية بفرض جملة من الإجراءات التنكيلية ضمن سياسة العقاب الجماعي القاسية اللاإنسانية التي تصل حد التعذيب التي يمر بها الأسرى الفلسطينيون، مع فقدانهم كل إمكانية للدفاع عن أنفسهم والحصول على إجراءات عادلة.
وفي إشارة إلى التضييق على الأسرى الفلسطينيين، فقد تم اتباع سياسة “الحد الأدنى”، إذ أعلنت “مصلحة السجون الإسرائيلية”، في تاريخ 17/10/2023، حالة طوارئ في السجون، وأكدت المفوضة العامة للسجون تقليص شروط المعيشة للمصنفين أمنيًا، وأن “ما كان سابقًا في سجون الأمنيين لن يكون بعد اليوم”. في حين يُعرّف معتقلو غزة (بعد 7 أكتوبر) كـ “مقاتلين غير شرعيين”، يخضعون مباشرة للجيش وليس لمصلحة السجون، إذ تمنع إسرائيل أي تواصل معهم عن طريق الصليب الأحمر أو المحامين، ولا تُصرّح بأسمائهم أو ظروف احتجازهم، وحين يتم إحضارهم أمام قاض يتم ذلك من دون محام وعن طريق الفيديو كونفرنس (V.C).
استنادًا إلى تقارير حقوقية، فإن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، يتعرضون بشكل يومي لأبشع صنوف العذاب والانتهاكات والتجاوزات. مع أهمية التأكيد أن الهجمة على الأسرى الفلسطينيين وما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة تطاول حقوقهم الأساسية، موجودة منذ بداية الاحتلال. ولم تكن حياة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون “فندق 5 نجوم”!. لكن بعد 7 أكتوبر، الظروف والممارسات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون فاقت وتجاوزت كافة الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية، وفي مقدمتها القانون الإنساني الدولي، و”اتفاقية جنيف الرابعة”، ومبادئ حقوق الإنسان، و”النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
وقد تضمنت الإجراءات التعسفية ضد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ما يلي:
• بقاء شبابيك الغرف مفتوحة 24 ساعة والإبقاء على القضبان الحديدية في الشباك حيث يكون البرد قارصًا وخصوصًا في ساعات الليل، وسحب الأغطية والملابس من الأسرى، وفيما يحاول الأسرى وضع ملابسهم غطاءً للشبابيك، تقوم مصلحة السجون بسحب الملابس الإضافية إمعانًا في التعذيب.
• الأطباء لم يزوروا الأقسام منذ وقت طويل، رغم أن هناك حالات مرضية حرجة ومزمنة وبحاجة لمتابعة دائمة، فضلًا عن توقيف الأدوية عن عدد كبير من المرضى، والذي يلح بالشكوى عن أمراضه وطلبا للدواء، تكتفي مصلحة السجون بإعطائه مسكنات وبكميات محدودة جدًا.
• الطعام سيء جدًا وغير ناضج ورائحته وطعمه كريهان جدًا والكميات قليلة وغير كافية، ولا توجد وجبات فيها لحوم كما ادّعى الوزير بن غفير.
• عدم السماح للأسرى بالخروج إلى ساحة الفورة (الفسحة)، أي أن الأسرى في زنازينهم منذ 7.10.23 لغاية اليوم لا يرون السماء ولا حتى يستنشقون الهواء الطلق.
• سحب كافة الأجهزة الكهربائية والأغراض الشخصية، والملابس، والحرامات، والمخدات.
• قطع الكهرباء يوميًا من الساعة السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا وسحب الراديوهات والتلفزيون من الزنازين، وبالتالي يعيش الأسرى بحالة انقطاع عن العالم الخارجي بكل ما تعنيه الكلمة.
• الزنازين مكتظة جدًا، الزنزانة التي كانت تحوي ومُعدة لسبعة أسرى أصبحت تضم بين جدرانها 14 أسيرًا ومنهم من ينام على الأرض.
• اعتداءات متكررة على الأسرى في الأقسام والزنازين على أقل الأسباب وحتى بدون سبب، والاقتحامات المتكررة لوحدات التفتيش، والقمع بشكل وحشي.
• سحب “مصلحة السجون” لكل مستحقات الأسرى التي حصّلوها على مر السنين بعد نضال ضد سياسات التنكيل، وإلغاء “الكانتينا” وإمكانية شراء مواد غذائية أو المعدات الأساسية.
• الحرمان من زيارة والأهل وإغلاق السجون أمام مندوبي منظمة الصليب الأحمر.
• يتم تعبئة الماء للشرب من صنبور مياه الحمام، ولا يوجد مياه ساخنة للاستحمام.
• منع اقتناء ملابس، باستثناء غيار واحد فقط وملابس داخلية واحدة فقط، وإذا اتسخت يضطر الأسير لغسلها والانتظار حتى تجف لارتدائها مجددًا، ومنهم من يبقى في ذات اللباس لفترة طويلة بسبب البرد القارص وعدم إمكانية غسل الملابس.
• إلغاء إمكانية إحضار المعتقلين للمثول أمام القضاة في المحاكم إلا عن طريق الفيديو كونفرنس (C).
يضاف إلى ما سبق، وبحسب شهادات عشرات الأسرى، والتي جمعها محامون من قبل منظمة أطباء لحقوق الإنسان أثناء زياراتهم للأسرى في مختلف السجون، قيام السجانين بإلقاء الشتائم البذيئة على السجناء، والصفعات واللكمات أثناء نقل السجناء بين المهاجع المختلفة. ويجبر سجانون المعتقلين على تقبيل العلم الإسرائيلي ويضربون من يرفض القيام بذلك، ويجرد حراس السجناء من ملابسهم بالقوة، يسخرون منهم ويهينونهم أثناء تفتيشهم، والأسير الذي يشتكي أمام المحكمة أو محاميه أنه يتعرض للضرب والتنكيل تتم معاقبته وضربه أكثر أو وضعه في العزل!!
وفي هذه الظروف العصيبة، تحل علينا هذا العام ذكرى “يوم الأسير الفلسطيني” في حالِ أسوأ وأصعب فترة تمر على الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، وفي ظل انتهاكات ممنهجة للحقوق والمساس الصارخ بالأسرى الفلسطينيين وخاصة النساء الأسيرات اللواتي يواجهن ظروفًا حياتية صعبة في سجن “الدامون”، منها الاعتداء على خصوصيتهن التي لم يعد لها أي احترام ومكانة في عرف السجّان الإسرائيلي، ونحن نتحدث عن أسيرات منهن أمهات محرومات من رؤية أطفالهن منذ أشهر طويلة.
على ضوء ذلك، تزداد المسؤولية الملقاة على عاتق المؤسسات الحقوقية والمحامين ووسائل الإعلام وكل جهة مختصة في رفع صوت الأسرى وصرخاتهم والمطالبة بزيارتهم للاطلاع على أوضاعهم وتذكير شعوب العالم ودوله بمدى العذاب الذي يعانونه جراء انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان الأساسية، ولمبادئ القانون الإنساني الدولي وقواعده، و”اتفاقية جنيف الرابعة” التي أصبحت حبرًا على ورق في المنظور الإسرائيلي وكل من يدعم هذه السياسات.