خلاف الجنرالات بشأن الحرب على غزة ومع حزب الله.. نتنياهو إلى أين؟
الإعلامي أحمد حازم
الحرب التي شنّها إسرائيل على حركة حماس في غزة بسبب عملية “طوفان الأقصى”، والتي دخلت شهرها السادس، نجم عنها خلافات بين سياسيين وخلافات في الرأي بين جنرالات في هذه الدولة التي يحلو لقادتها تسميتها بـ “دولة اليهود”. هم أحرار في كيفية تسميتها كما يريدون، لكن الحقيقة الواضحة للعالم كله بما فيها الأمم المتحدة التي هي صاحبة الفضل في إقامتها قبل 76 عامًا، هي أن إسرائيل “دولة احتلال” وهذا الأمر واضح مثل وضوح الشمس: فهذه “الدولة اليهودية” تحتل أرضًا فلسطينية، وتحتل أرضًا لبنانية وتحتل أرضًا سورية.
نتنياهو المتصلب في مواقفه يواجه داخليًا ضغوطات عديدة منها: ضغط من أهالي الأسرى لدى حماس، الذين لم تهدأ مظاهراتهم ضد نتنياهو حيث يطالبونه بالقبول بالمفاوضات لاسترجاع أولادهم أحياءً وليس بالتوابيت، وضغط آخر من المعارضة. وهناك أيضا ضغوط دولية قوية يواجهها نتنياهو لوقف الحرب والقبول بمفاوضات للتوصل لتهدئة وتحرير الرهائن. حتى الرئيس الأمريكي بايدن أعرب عن استيائه من سلوكيات نتنياهو. فقد ذكر موقع “أكسيوس” الأميركي أنّ هناك إحباطا متزايدا داخل البيت الأبيض تجاه نتنياهو بسبب رفضه معظم الطلبات التي تقدمت بها الإدارة الأميركية بشأن الحرب على غزة، والتي تعتبر (على الأقل ظاهريًا) أولوية بالنسبة للولايات المتحدة.
المعروف ان أي جنرال وصل هذه الرتبة بناءً على تربية عسكرية صارمة ويتعلم أيضا المصداقية في القول والفعل، فمنهم من يطبق ما تعلمه ومنهم من يقوم بعكس ما تربى عليه عسكريًا. أمامنا الآن مشهدان لإثنين من الجنرالات: أولهما، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، الذي اعترف خلال مؤتمر صحفي عقده في الثالث عشر من الشهر الماضي، بأن “نتائجنا العسكرية ممتازة، لكن لا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن نتمكن من تحقيق أهدافنا في الحرب، ومن أجل الاقتراب من هذه الأهداف، لا بد من القضاء على قيادة حماس، وقتل المزيد من قادة ومقاتلي الفصائل الفلسطينية”.
الجنرال هاليفي، يرى “أنّ الجيش على استعداد لتوسيع العملية العسكرية وفق قرارات المستوى السياسي”. لكن هاليفي ورغم الثقة الكبيرة بقواته اعترف من جهة أخرى بفشل جيشه بالقول صراحة ان “الجيش فشل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر والمسؤولية تقع علينا”.
لن أعلق على أقوال هاليفي، بل سأعرض رأيًا آخر مخالف تماما لموقف هاليفي: الجنرال المتقاعد إسحاق بريك، وفي مقال له بصحيفة “معاريف” العبرية، يرى صورة قاتمة للحرب على غزة إسرائيليًا بمعنى أن موقفه يختلف كليا عن زميله الجنرال هاليفي، إذ قال في مقاله: اننا “خسرنا الحرب مع حركة حماس في قطاع غزة، والجبهة الداخلية غير مستعدة لحرب إقليمية واسعة”. ووصف رئيس أركان الأركان هاليفي بأنه منفصل عن الواقع، وفقد السيطرة على الأرض منذ وقت طويل”. وأضاف موجها كلامه الى هاليفي ونتنياهو: “لا يمكن الكذب على الكثير من الناس لفترة طويلة”.
وفي الوقت الذي يصرح به نتنياهو انه لن يتوقف عن القتال حتى تحرير الرهائن والقضاء على حماس، فإنَّ الجنرال بريك يرد عليه في مقاله بالقول: “في حال استمرت المستويات العسكرية والسياسية، على هذا النسق، فسنجد أنفسنا في وضع أسوأ بكثير مما كان عليه الوضع قبل بدء الهجوم على قطاع غزة”.
وماذا يقصد بريك في رأيه؟ لقد قالها صراحة لجنرالات نتنياهو: “لن نحقق هدفي الحرب: إسقاط حماس وإعادة المختطفين إلى بيوتهم أحياء. وسنواصل دفع ثمن باهظ للغاية لخسارة جنودنا حتى في المناطق التي أعلنا أنها تحت سيطرتنا”.
قائد الجيش هرتسي هاليفي، يرى أن مخاطر اندلاع حرب على الحدود بين إسرائيل ولبنان أصبحت أعلى بكثير من أي وقت مضى. تصريحات هاليفي تأتي ضمن سلسلة تحذيرات، للبنان عامة وحزب الله خاصة تصدر بين الفينة والأخرى من رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، ومفادها أن إسرائيل سترد بقوة ما لم يتم تأمين المنطقة ويتوقف مقاتلو الحزب عن قصف المواقع والبلدات الإسرائيلية عبر الحدود.
على هذا الموقف أترك الرد مرة أخرى للجنرال بريك، الذي يرى أنَّ “ما يجري في قطاع غزة وضد حزب الله في لبنان سينفجر في وجوهنا عاجلا أم آجلا، وحينها ستنكشف الحقيقة بكل خفاياها”. ولكن ما هي الحقيقة التي ألمح إليها بريك؟ يقول بريك بصورة تحذيرية “أن الجبهة الداخلية، غير مستعدة لحرب إقليمية ستكون أصعب وأخطر بآلاف المرات من الحرب في قطاع غزة”.
وفي ظل هذه التناقضات في مواقف الجنرالات وحتى في مواقف سياسيين فيما يتعلق بالحرب على غزة، وإمكانية توسيع الحرب مع حزب الله، من المفترض بالزعيم “بيبي” لو كان يهمه أمر إسرائيل أن يفكر بعقلانية وأن لا يفكر بأنانية جشع الحكم للبقاء في المنصب، على الأقل من أجل استرجاع أسراه.
فهل يعرف نتنياهو الى أين يسير في هذه المرحلة أم أنه يجر البلاد الى نفق مظلم؟