لا حل ولا دولتان.. “استهبال” أمريكي لسلطة رام الله
الإعلامي أحمد حازم
يبدو واضحًا أنّ الولايات المتحدة تتعامل مع الملف الفلسطيني بوجهتي نظر مختلفتين تماما وكأن وجود سلطتين فلسطينيتين في رام الله وغزة هو أمر واقع لا رجعة فيه. فهي تنظر الى سلطة غزة بمنظار “الإرهاب” وترى في سلطة رام الله “القيادة المعتدلة”. الأمر الذي يدعو للتساؤل هنو الموقف المتناقض للإدارة الأمريكية في عهد بايدن، والتي تقدم مساعدات “للقيادة المعتدلة” من جهة ومن جهة أخرى تمانع في إعادة فتح مكاتبها في نيويورك وإعادة فتح قنصليتها في القدس الشرقية.
الإدارة الأمريكية الحالية لا تختلف عن سابقاتها عمليًا من ناحية النهج السياسي تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية. واللافت للنظر ان واشنطن غضت النظر دائما عما تمارسه إسرائيل في الضفة الغربية (تكثيف الاستيطان، زعرنات المستوطنين ورفض حل الدولتين) واهتمت بالتنسيق الأمني مع سلطة رام الله لتؤكد الصورة عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بانه “وكيل أمني” فقط لحماية إسرائيل.
عباس بالغ كثيرا في الرهان على بايدن واعتبره المنقذ للحالة الفلسطينية التي تدهورت بشكل كبير في عهد ترامب، وانه “الحمامة” القادمة التي تحمل السلام معها. لكن بايدن لم يحدث أي اختراق في هذا المجال، وقد خيب أمل زميله عباس، بمعنى أن رياح بايدن لم تجر كما اشتهتها سفن عباس، الذي لم ينظر بايدن الى سلطته سوى من زاوية أمنية فقط وليس سياسية، رغم ان بايدن يجتر دائما موضوع “حل الدولتين” لكن الحقيقة هي: لا حل ولا دولتان.
أكثر ما فعله بايدن منذ انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة اقتراحه عقد لقاءات إقليمية عرفت بقمّتَي “العقبة” و “شرم الشيخ”. ضمّت ممثّلين عن إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن ومصر والولايات المتحدة. وكانت ذات صبغة أمنيّة بحتة لحماية أمن إسرائيل. وكان هدف اللقاءات تعزيز التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من خلال قيام الأجهزة الأمنيّة الفلسطينية بدور مباشر في ضرب حالة المقاومة التي ظهرت بكثافة في تلك الفترة، من أجل ما أسموه “تهدئة الأوضاع في الضفة الغربية” التي كانت مشتعلة آنذاك.
بعد عملية السابع من أكتوبر والتي يطلق عليها الفلسطينيون (طوفان الأقصى) ركزت إدارة بايدن على تقوية الدور الأمني للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لاحتواء أي ظاهرة تصعيد لدعم غزة. وقد تجلى ذلك في اللقاءات الستّة التي عقدها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع عباس، حيث ركز بلينكن فيها على إمكانية إشراك السلطة بدور في غزة في ما يسمونه “اليوم التالي للحرب”.
وجهة النظر الإسرائيلية تختلف عن وجهة النظر الأمريكية فيما يتعلق بسلطة رام الله. وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس وبعد لقاءات بلينكن مع عباس، سارع في اتهام السلطة الفلسطينية بالإرهاب. فقد صرح في الخامس والعشرين من الشهر الماضي بإنّ “السلطة الفلسطينية لن تكون جزءًا من الحكومة المدنية في قطاع غزة. بعد انتهاء الحرب فيها. ولن نستبدل الإرهابيين بإرهابيين” (في إشارة إلى حركة حماس والسلطة لفلسطينية).. ولم يكن موقف نتنياهو أقل حدة من موقف كاتس. فقد شنّ نتنياهو ووزراؤه ووسائل إعلام اليمين هجومًا شديدا على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنيّة لدرجة ان نتنياهو قال “نستعدّ لاحتمال المواجهة مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية”.
واضح ان نتنياهو الذي لا يعجبه أي شيء ويرفض كل شيء، يتحدى الإدارة الأمريكية برفضه لأيّ دور للسلطة الفلسطينية في غزة بعد الحرب، ورفضه الدولة الفلسطينية. ومواصلة التحريض على الأجهزة الأمنيّة الفلسطينية والتهديد بخوض قتال معها، مما يعكس النظرة العنصرية الاستعلائية تجاه السلطة الفلسطينية، التي حصروا مهمتها في الجانب الأمني فقط، وهي طبعًا قبلت المهمة.
بالرغم من تحذيرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من إمكانية اندلاع انفجارات في الضفة الغربية، إلاّ ان البعض يقوم بالتحريض على السلطة وأجهزتها الأمنية. الصحفي يوني بن مناحيم قال في الخامس من هذا الشهر في مقال له في صحيفة “إيبوك تايمز” وهي صحيفة دولية يمينية متطرفة تصدر في عدة لغات ومقرها في نيويورك: “إنّ عناصر من السلطة الفلسطينية يشاركون في عمليات المقاومة، وأنّه منذ اندلاع الحرب على غزة، شارك العشرات من عناصر الأجهزة الأمنيّة الفلسطينية في عمليات ضدّ إسرائيل، لهذا ليس بمقدور الجيش الإسرائيلي الاعتماد على أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لوقف حال التصعيد في الضفة الغربية خلال شهر رمضان”.