محكمة العدل الدولية تجدّد محاكمة إسرائيل بمرافعة افتتاحية لدولة فلسطين
الإعلامي أحمد حازم
لم يمض وقت طويل على قرار الإجراءات التي اتخذتها محكمة العدل الدولية في السادس والعشرين من الشهر الماضي إزاء الحرب على غزة، والتصويت الذي أظهر عزلة إسرائيل عن العالم الذي تمثّله هيئة المحكمة التي ترأستها القاضية الأميركية جوان إي دونغو التي صوّتت إلى جانب القرار، حتى عادت إسرائيل مجددا للمحاكمة في محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي بدأت جلساتها في التاسع عشر من الشهر الجاري بمرافعة من دولة فلسطين. جلسات المحكمة تتواصل حتى السادس والعشرين من الشهر الحالي. على مدى ستة أيام متتالية تستمع المحكمة الى مرافعات شفهية حول التبعات القانونيّة الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قال في جلسة الاستماع الأولى بشأن العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، “إنّ الشعب الفلسطيني يعاني من الاستعمار والفصل العنصري في ظل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتبر اختراقًا دنيئًا وخبيثًا للقوانين الدولية والحل الوحيد هو الامتثال للقانون الدولي”.
الأمم المتحدة هي التي تقدمت بطلب المحاكمة بهدف الحصول على فتوى من المحكمة (رأي استشاري) حول آثار الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ عام 1967، علمًا بأن هذه المحاكمة العلنية لإسرائيل، كانت مقرّرة قبل الحرب على غزّة. 52 دولة بينها 14 دولة عربية ( لبنان، سوريا، مصر، الأردن، السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، الجزائر، ليبيا، عُمان، السودان، العراق، وتونس) أعلنت عن المشاركة في المرافعات الشفهية أمام المحكمة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخها، بالإضافة الى ثلاث منظمات دولية هي الاتحاد الأفريقي، منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
ولكن ما هو سبب اندفاع محكمة العدل الدولية لمعالجة هذا الملف؟ اسمعوا الحكاية:
في نهاية عام 2022 تبنت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة قرارًا يطالب محكمة العدل الدولية، اعتمادًا على المادة 65 من نظامها الأساسي، بأن تصدر على وجه السرعة فتوى بشأن مسألتين: الأولى، الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، واستيطانها وضمها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس وطابعها ووضعها، وعن اعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن. أمّا المسألة الثانية، فهي كيف تؤثر سياسات إسرائيل وممارساتها على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي الآثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة.
صحيح أنّ إسرائيل كانت من بين الدول التي قدّمت بيانات مكتوبة إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لكنها قررت عدم المشاركة في جلسات الاستماع الشفهية. هذا وكانت غواتيمالا والأرجنتين اللتان تؤيدان إسرائيل قد انسحبتا من المرافعات. ويرى محللون أنّ الرأي الاستشاري الدولي حتمًا لن يرضي إسرائيل وحلفاءها.
الهدف من جلسات محكمة العدل الدولية، هو تقديم تقييم أكثر شمولًا لممارسات الاحتلال الإسرائيلي وتقديم المشورة بشأن تطبيق القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي، وذلك بعد مرور عشرين عامًا على آخر فتوى للمحكمة متعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وهذه هي المرة الثانية التي تطلب فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة. ففي العام 2004 أعطت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا حول جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، أقرّت فيه بعدم قانونيّة الجدار وطالبت إسرائيل بإزالته. لكن وللأسف لم يتم اتخاذ إجراءات عمليّة لتطبيق ذلك أو منع شركات ومؤسسات دوليّة من المشاركة في عمليّة بناء الجدار وتأمينه.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من القول، إن إجراءات الرأي الاستشاري منفصلة تماما عن دعوى الإبادة الجماعية، التي رفعتها جنوب أفريقيا في المحكمة الدولية ضد إسرائيل بسبب انتهاكاتها في قطاع غزة لاتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948. وكانت محكمة العدل الدولية قد أمرت إسرائيل في يناير/كانون الثاني الماضي، باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنع الإبادة الجماعية في غزة، وحتى هذه اللحظة لم تمتثل إسرائيل لذلك القرار، لأن قرارات المحكمة غير ملزمة.
والملاحظ أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة تقدمت بطلبها في وقت تصاعد الضغوط السياسية على اسرائيل بسبب حربها المستمرة على قطاع غزة.