من منا يرضى التنازل عن نِعمة البركتان؟؟
ساهر غزاوي
لقد أحسنت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، وأحسن معها كل حزب سياسي وكل قيادي ديني/سياسي/اجتماعي، وقد أحسن أيضًا كل فرد من أبناء مجتمعنا الفلسطيني في الداخل في رفضهم القاطع لتوجه الحكومة الإسرائيلية إلى فرض تقييدات على دخول الفلسطينيين من الداخل والقدس والضفة إلى المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان الفضيل الذي تفصلنا عنه أيام قليلة، حيث ينتظره الجميع بفارغ الصبر من العام إلى العام، لا سيّما وأن شهر رمضان بالنسبة للمسلمين يتميز بكثير من البركات خاصة في المسجد الأقصى الذي تجتمع فيه نِعمة بركة المكان التي تظهر من قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، مع نِعمة بركة الزمان.
وهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تُظهر فضائل شهر رمضان عن غيره من الشهور. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم).
وبالإضافة إلى أن الجميع ينتظر شهر رمضان بفارغ الصبر ليقضي ما قُدر له من وقت في المسجد الأقصى لأداء العبادات والصلوات والاعتكاف والرباط تقربًا إلى الله عزّ وجلّ في هذا الشهر الفضيل لما يرونه من فرصة عظيمة لا بدّ من اغتنامها فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، فإن المسجد الأقصى المبارك حقّ إسلامي خالص أوحد بجميع مبانيه وباحاته فوق الأرض أو تحتها، كما أن منطقة حائط البراق جزء لا يتجزأ منه، والأقصى لا يقبل القسمة ولا التجزئة. وقد كفلت هذا الحق الأوحد للمسلمين الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية والقوانين الدولية، ولا يُنازعهم فيه على هذا الحق إلا ظالم ومعتدٍ أثيم.
وعلى هذا الأساس فإن فرض تقييدات على دخول الفلسطينيين من الداخل والقدس والضفة إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان تعتبر انتهاكًا صارخًا لحرمة المسلمين ومشاعرهم الدينية وحقوقهم التعبدية في المسجد الأقصى المبارك، وكيف يكون الأمر من أن يُحرم المسلمون من اغتنام فرصة أداء حقوقهم التعبدية في مسجد تجتمع فيه بركة المكان مع بركة الزمان!!
والآن؛ لماذا هذا القلق الإسرائيلي من رمضان؟ وهو الشهر المبارك بالنسبة إلى المسلمين بالعموم والفلسطينيين على وجه الخصوص لمجاورتهم للمسجد الأقصى، ولا يُشكل أي مبرر للتصعيد في حد ذاته، فلطالما مرّت أشهر رمضان بهدوء واعتيادية مفرطة، ولطالما سُيرت حافلات تقل آلاف المصلين من مناطق الداخل الفلسطيني والقدس ومن الضفة الغربية الذين يستطيعون تخطي الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري بصعوبة وبشق الأنفس، ولم يحدث أي تصعيد!! فلا شهر رمضان المبارك ولا المسجد الأقصى ولا المصلين الذين يحرصون على اغتنام اجتماع بركة المكان مع بركة الزمان للعبادة والصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى هم سبب التصعيد، ولا يتحملون مسؤولية أي تصعيد محتمل ما زلنا قد عرفنا أن المشكلة بحد ذاتها في سياسات الاحتلال التي تستهدف الفلسطينيين في أقدس مقدساتهم وفي أقدس الأزمنة على الإطلاق.
إنّ شحن الأجواء والتنبيهات والتحذيرات والتهديدات وتهيئة الرأي العام من أن تصعيدًا سيحدث، بات مشهدًا يُكرسه الاحتلال الإسرائيلي عشية كل شهر رمضان بشكل خاص لتتسرب إلى وعينا أن شهر رمضان هو سبب التصعيد، حتى إن جرى تمرير قرار ما في المسجد الأقصى، ليتم قبوله كأمر واقع، ويكون الأثر عليه مستقبلًا أقل تأثيرًا، لماذا؟ لأن شهر رمضان هو سبب التصعيد وليس سياسة الاحتلال بكافة تفاصيلها!! وعلاوة على ذلك، يريد الاحتلال أن يظل الفلسطينيون صامتين أمام ما يجري حولهم وعليهم.
تتزامن في السنوات الأخيرة مواسم الأعياد اليهودية مع شهر رمضان المبارك، والمتتبع لمسار الأحداث يرى أن الاحتلال كان لديه مخططات مسبقة لتسهيل اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى في مواسم الأعياد اليهودية المتزامنة مع شهر رمضان التي هي أفضل الفرص لتغيير “الوضع القائم”، بحسبهم. ففي الوقت الذي يمنع الاحتلال فيه المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى، فهو يفسح المجال للجماعات اليهودية المتطرفة لتدنيس المسجد الأقصى بالاقتحامات اليومية وأداء الطقوس والصلوات التلمودية دون مراعاة لحرمة المكان والزمان ودون أن يخفي المقتحمون نواياهم الحقيقية بإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وقبل ذلك يسعون لتقسميه زمانيًا ومكانيًا كخطوة تسبق التي قبلها.
في النهاية، لا بدّ من التأكيد مرة تلو الأخرى على الرفض القاطع والمطلق لفرض تقييدات على دخول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى المبارك سواء في شهر رمضان أو في أي شهر من شهور السنة، كما إن واجب الوقت يدعو الفلسطينيين الذين أدّوا الدور المركزي، وما يزالون، في نصرة المسجد الأقصى من خلال المواظبة والمداومة على عمارة المسجد الأقصى والصلاة والرباط والاعتكاف عبر مسيرة طويلة من التواصل اليومي مع القدس والأقصى، يدعوهم إلى تكثيف شدّ الرّحال لأداء عبادة الصلاة والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى لما في ذلك من زيادة ورفعة في الأجر والثواب الممزوج بشعور الواجب الديني العقدي والتاريخي والحضاري لنصرة المسجد الأقصى، خاصة عندما تجتمع فيه نِعمة بركة المكان مع نِعمة بركة الزمان. فهل سيرضى المسلمون والفلسطينيون في هذه البلاد الذين أكرمهم وشرفهم الله تعالى بمجاورة المسجد الأقصى أن يحرمهم أي أحد من نِعمة هذه البركات؟؟