هل هو سعي لإلغاء مؤسسة الأونروا؟!
الشيخ رائد صلاح
كالنار في الهشيم انتشر على صعيد عالمي الادّعاء الذي يقول: إن بعض العاملين في مؤسسة (الأونروا) في غزة شاركوا في أعمال عسكرية في غزة بتاريخ 2023.10.7، وما أن قيل هذا الادّعاء حتى انتشر في كل قارات الدنيا، وبدأت تردده وسائل الإعلام بشتى لغات الأرض، ثمّ تسارعت الإعلانات الرسمية في كل من أمريكا وكندا واستراليا والنمسا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، ومفاد هذه الإعلانات الرسمية واحد، وكأنهم تواصوا به سلفًا، حيث باتت كل هذه الدول تُصرح بالفم الملآن أنها ستوقف مساعداتها لمؤسسة (الأونروا)، والبعض من هذه الدول حاول أن يلبس مسوح النزاهة فصرّح أنه سيوقف دعمه لهذه المؤسسة حتى تتضح حقيقة هذه الادّعاءات، وكان من المفترض أن تقول هذه الدول أن هذا الادّعاء حول هذه المؤسسة سيبقى ادّعاء وسنواصل دعمنا لهذه المؤسسة، إلا إذا ثبت صدق هذا الادّعاء على قاعدة: (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، مما يعني أن (الأونروا في غزة بريئة حتى تثبت إدانتها)، إلا أن هذه الدول عكست القاعدة وقالت بلسان حالها: (الأونروا في غزة متهمة حتى تثبت براءتها).
واستنادًا إلى هذه القاعدة المعكوسة صرّحت هذه الدول أنها ستوقف مساعداتها لمؤسسة الأونروا في غزة، وكأنها كانت تنتظر هذا الادّعاء حول هذه المؤسسة بفارغ الصبر، حتى توقف مساعداتها، ولعل الواحد منا يشطح في ظنونه ويقول: هل من المعقول أنها طلبت من الجانب الإسرائيلي التصريح بهذا الادّعاء حتى يتوفر لها المبرر لقطع مساعداتها عن مؤسسة الأونروا؟! وماذا يعني أن تقطع هذه الدول مساعداتها عن هذه المؤسسة؟! إنه يعني إضعاف دور هذه المؤسسة مرحليًا، ثمَّ تفريغ قدراتها وشلّ دورها ثم إلغاء هذه المؤسسة!!، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا السعي لإلغاء هذه المؤسسة؟! ولصالح من هذا الإلغاء؟! ولماذا الآن؟! ومن الذي رسم هذه الخطة لإلغاء هذه المؤسسة؟! ومن هو المعني بإلغائها فورًا؟! وما هو مصير مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية التي كانت تعتاش من مساعدات الأونروا؟! إنها أسئلة كثيرة لن تبقى مجهولة الجواب، وستتضح أجوبتها خلال الأيام القادمة، وإلى جانب ذلك أوجه هذه الرسائل إلى الحكومات المسلمة والعربية:
1. هل ستكتفي الحكومات المسلمة والعربية بشجب السعي إلى إلغاء مؤسسة الأونروا، هذا الإلغاء الذي يعني تجويع مئات الآلاف من شعبنا الفلسطيني وتركهم فريسة للجوع والعطش والمرض والجهل والتشرد؟! ولماذا هذا الحصار الذي يُشبه حصار شِعب بني طالب بمكة المكرمة؟! ولماذا هذا العقاب الجماعي؟! ولماذا هذه الجرأة التي تُبيح معاقبة الرضّع والخدّج والأطفال والعجائز والطاعنين في السن والمُشردين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.
2. أليست هناك الكثير من الحكومات المسلمة والعربية التي تملك المليارات الفائضة عن حاجاتها، والتي طال عليها الدهر وهي مكدسة ببعض البنوك الغربية إلى جانب سبائك الذهب السرية بحجمها وقيمتها، والتي لا ينتفع من وارداتها الحرام وهي مُجمدة إلا الرجل الأبيض في العالم الغربي؟! فإلى متى هذا الحال الذي أرزى بكل مسلم وعربي وفلسطيني على مدار القرن الماضي؟! ألا تصلح أن تكون هذه الودائع السرية قوة مالية تنهض بحال الأمة المسلمة والعالم العربي؟! ألا تصلح أن تكون هي البديل الذي يمكنه تأسيس أونروا مسلمة عربية بمساعدات مسلمة عربية خالصة لدعم مئات الآلاف من شعبنا الفلسطيني الذين تقطعت بهم السُبل الآن وباتوا على الجوع ينامون، وعلى العطش ينامون، وعلى المرض ينامون؟!!، وما الذي يمنع إقامة هذه الأونروا المسلمة العربية وهذه الودائع المالية العملاقة لا تزال تتضخم ببعض البنوك الغربية؟! وسيما أن هناك جامعة الدول العربية التي تقدم نفسها كراعي لكل هموم العالم العربي!!، أليس الشعب الفلسطيني جزءًا من العالم العربي؟! سيما وأن هناك منظمة التعاون الإسلامي التي تقدم نفسها كراعي لكل هموم العالم الإسلامي!!، أليس الشعب الفلسطيني جزءًا من العالم الإسلامي؟! وما هو العذر حتى لا يتحقق ذلك؟
3. خلال مؤتمر إسلامي عربي عُقِد في تركيا قبل أعوام قال أحد ضيوف المؤتمر وقد كان يشغل منصب وزير في أحد الدول العربية: إن دولته تملك فائض أموال ضخم، لدرجة أنها تقرض بعض الدول الأوروبية قروضًا مالية!!، فمن الأحق بفائض هذه الأموال؟ هل هي أوروبا أم الشعب العربي أولا في هذه الدولة التي لا تزال مُتخلفة في نهضتها العمرانية وفي مستوى دخل الفرد فيها وفي مستوى رفاهيته؟! أليس الأقربون أولى بالمعروف؟! ثم أليس شعبنا الفلسطيني المنكوب أولى بفائض هذه الأموال من أوروبا؟! ولا أبالغ إذا قلت إن هذه الدولة تملك القدرة على إقامة أونروا بديلة لوحدها، فلماذا لا يتحقق ذلك؟! هل هناك وراء الأكمة ما وراءها؟!
4. خلال حوار اقتصادي شاركتُ فيه وكان في مدينة القدس قبل أكثر من عشرين عامًا، قال أحد المشاركين في ذاك الحوار وهو ذو ثقافة عالية: الدولة العربية (ص) يدخل على دخلها القومي يوميًا ما معدله مليار دولار!!، وقد تكون هناك مبالغة بعض الشيء في هذا الرقم، ولكن لو شطبنا قيمة المبالغة من هذا الرقم سيبقى الرقم مهولًا، وهذا يعني أن هذه الدولة العربية (ص) تتربع على اقتصاد عملاق، وهذا يعني أنها تملك القدرة المالية وزيادة على النهوض بشعبها، ثم على القيام بدور أونروا لوحدها، ولعل هذه الدولة اليوم قد تكون من المساهمين بدعم الأونروا القائمة الآن والتي باتت في خطر وجودي، ولكن لو قورن ما تقدمه هذه الدولة العربية (ص) إلى الأونروا القائمة الآن بما تملك من اقتصاد عملاق لوجدنا أنها لا تقدم إلا فُتات الفُتات!! لماذا؟!
5. أنا لا أنكر أن بعض الدول المسلمة والعربية وفي مقدمتها قطر قدمت مساعدات مالية وإنسانية إلى شعبنا الفلسطيني، وهي مشكورة سلفًا، ولكن حال شعبنا الفلسطيني تدهور وساء حاله وتفاقمت مآسيه، وباتت المؤسسات الإنسانية الأهلية التي كانت تقدم المساعدات من عالمنا الإسلامي والعربي، باتت هذه المؤسسات مُطاردة في كل الأرض، وباتت أموالها محجوزًا عليها، وباتت أرقام حساباتها مُغلقة، ولعل بعض أعضائها باتوا في السجون، وهذا يعني أن الدور الإغاثي الشعبي ما عاد يُجدي نفعًا بهدف دعم شعبنا الفلسطيني اليوم، بعد أن تضاعفت نكبته وطالت وتشعبت، وهذا يعني أن واجب الوقت يُلزم الحكومات المُسلمة والعربية بضرورة إقامة أونروا مسلمة عربية فورًا، أم أننا أصبحنا في مرحلة لا يمكن للحال أن يصبح فيها أحسن مما كان؟!، سيما ونحن نعيش الأيام الأخيرة من مرحلة الحكم الجبري التي عانى منها العالم الإسلامي والعربي منذ قرن من الزمان.
6. لنتصور أنَّ الحكومات المسلمة والعربية لو قامت سنويًا -كما يجب- بجمع زكاة الأغنياء في العالم الإسلامي والعربي، وإلى جانب ذلك قامت بجمع كل صدقة جارية منهم، لأصبح هناك رأس مال حلال يفوق رأس مال كل بورصات الدنيا، ولأصبح هناك أونروا مسلمة عربية تفيض بالخير والرحمة على كل الشعوب المنكوبة في كل الأرض بدون استثناء بما في ذلك شعبنا الفلسطيني المنكوب، ولكن يبدو أن كل ذلك لن يتحقق إلا في المرحلة القادمة وهي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثمَّ تكون خلافة على منهاج النبوة تملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن ملئت ظلمًا وجورا).