الفقه والواقع المعاصر
أ. د. مشهور فوّاز- رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء
أثر تغيّر قيمة العملة على المهر المؤجل
الجواب: المهر المؤجل عبارة عن دين في ذمة الرّجل، وفي حالات كثيرة بسبب التّغيرات السّياسية والكوارث والنّكبات وغير ذلك من العوامل المؤثرة على قيمة العملة فإنّ القوة الشّرائية للعملة تهبط هبوطًا حادًا إلى أدنى مستوياتها، وفي هذه الحالة هل يجوز ربط الدّيون والمهور المؤجلة ابتداءً بعملة ثابتة أو بمستوى الأسعار وغلاء المعيشة لحفظ قيمة الدّين؟ وهل يجوز في حالة عدم ربطها من الأساس عند التّعاقد أن يتمّ تعويض الدّائن المتضرر مقابل هبوط القوة الشّرائية للعملة التّي تمّ التعامل بها سواءٌ أكان منشأ الدّين قرضًا، أم بيعًا، أم زواجًا كالمهر المؤجل؟
ولتوضيح المسألة نقول على سبيل المثال: امرأة تزوجت قبل ثلاثين سنة وقد سُجّل في عقد الزّواج مهرها بقيمة ثلاثين ألف شاقلًا، والآن في السّنة الحالية -على سبيل المثال- تمّ طلاقها فهل يجوز لها المطالبة بفرقية تغير العملة أو ما يسمّى بغلاء المعيشة؟
الجواب: يجب على المدين ردّ نفس النقد المحدّد في العقد والثابت دينًا في الذمة دون زيادة أو نقصان، ولو انخفضت أو ارتفعت القيمة الشرائية للعملة التي تمّ بها التّعاقد سواءٌ أكان منشأ (سبب) الدّين بيعًا أم قرضًا أم زواجًا أم إجارةً وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشّافعية والحنابلة وهو قول أبي حنيفة. وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة إلى 1 رجب 1421هـ الموافق 23-28 أيلول (سبتمبر) 2000م، حيث جاء في القرار ما نصّه: “العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة، لأنّ الدّيون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها بمستوى الأسعار”. كما أنّه يحرم ربط الدّيون المؤجلة بالدولار أو بالذهب أو بأي عملة أخرى غير التي تمّ فيها الدّين سواء أكان منشأ الدّين عقد بيع أو قرض. ويحرم أيضًا ربط الدّيون بغلاء المعيشة أو سلة السّلع أو بعملة أخرى أو بالذّهب والتّدابير الوقائية لمثل هذه الأضرار المتوقعة هو: أن تكون الدّيون الآجلة التّي لأجل مطلق كالمهور أو التّي لأجل بعيد بالعملة الذّهبية منذ لحظة التّعاقد كأن يكون مهر الزّوجة المؤجل المطلق الأجل على سبيل المثال: (200 غرام ذهب مؤجل) مع تحديد وزن العيار، وهكذا يبقى حق المرأة محفوظًا ومضمونًا بطريقة شرعية.
إلاّ أنّه في حالات خاصة قد أفتى بعض أهل العلم المعاصرين بإمكانية تعويض الدّائن عن الضرر الواقع عليه نتيجة الانخفاض الحاد في قيمة العملة بسبب التّضخم المالي وذلك في الحقوق الآجلة لا في الحقوق العاجلة وشريطة أن يكون التَّضخُّم عند التعاقد غير متوقع الحدوث ففي مثل هذه الحالات يُلجأُ إلى مبدأ الصلح الواجب، بعد تقدير أضرار الطرفين (الدائن والمدين)، أي: يتم التراضي بينهما على مبلغ يدفعه المدين.
وهذا ما جاء في توصيات “الندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم” التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالتعاون مع مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين في عام (1420 هـ، 1999م): “إن كان التضخم عند التعاقد غير متوقع الحدوث وحدث، فإما أن يكون وقت السداد كثيرًا أو يسيرًا، وضابط التضخم الكثير أن يبلغ ثلث مقدار الدين الآجل:
1- إذا كان التضخم يسيرًا فإنه لا يعتبر مسوغًا لتعديل الديون الآجلة؛ لأن الأصل وفاء الديون بأمثالها، واليسير في نظائر ذلك من الجهالة أو الغرر أو الغَبْن مغتفر شرعًا.
2- وإذا كان التضخم كثيرًا، فإنّ وفاء الدين الآجل حينئذ بالمثل يُلحق ضررًا كثيرًا بالدائن يجب رفعه، تطبيقًا للقاعدة الكلية (الضرر يزال).
والحل لمعالجة ذلك هو اللجوء إلى: الصلح وذلك باتفاق الطرفين على توزيع الفرق الناشئ عن التضخم بين المدين والدائن بأي نسبةٍ يتراضيان عليها”. انتهى من: “مجلة مجمع الفقه الإسلامي” (12/4/286) بتصرف يسير.
وبرأيي يجب أن يفرّق بين المدين المماطل وبين المدين المعسر فأمّا المماطل القادر على السّداد فإنّه ينبغي أن يُلزَم بسداد الدّين بحسب قيمته يوم التّعامل بغض النّظر عن التّغير يسيرًا أم كثيرًا، ولكن إن لم يكن المدين مماطلًا فيفرق حينئذ بين التغير اليسير والتغير الكثير في قيمة العملة: فإن كان التغير يسيرًا لا يصل إلى ثلث الدين: فالواجب رد المثل، ولا ينظر إلى القيمة إلاّ إذا كان المدين مماطلًا.
وأمّا إذا كان التغير كثيرًا يصل إلى الثلث فأكثر: فالواجب الصلح بينهما بتوزيع الضرر على الطرفين كما في توصيات “الندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم”.