اختراق أمني كبير لمعقل حزب الله.. رسائل من وراء اغتيال العاروري
الإعلامي أحمد حازم
لم أستغرب أبدًا عندما سمعت خبر اغتيال صالح العاروري المنسق المكلف من حركة حماس مع حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، لأن هذا الأمر ليس جديدًا وليس مستبعدًا لعدة أسباب، منها، أن إسرائيل كانت قد أعلنت أكثر من مرة وعلى لسان رئيس حكومتها نتنياهو أن كل قادة حماس عرضة للاغتيال أينما كانوا. وحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في الثاني من الشهر الماضي، فإن نتنياهو أمر وكالات الاستخبارات الإسرائيلية بوضع خطط لاغتيال كبار قادة حماس، الذين يعيشون خارج غزة، في أي مكان بالعالم.
كما أنّ رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، تحدث عن توجيهات من الحكومة بملاحقة قادة حماس. ففي تسجيل أذاعته هيئة البث الإسرائيلية في الثالث من الشهر الماضي قال إن الأجهزة الأمنية ستسعى للقضاء على حماس في غزة والضفة الغربية ولبنان وتركيا وقطر “وقد يستغرق الأمر بضع سنوات، لكننا مصممون على تنفيذه”.
وكانت قطر التي يقيم فيها عددًا من قادة حركة حماس ومنهم الرئيسان السابق والحالي للمكتب السياسي للحركة خالد مشعل وإسماعيل هنية، سارعت فورا للتحدث إلى مسؤولين أميركيين لمنع إسرائيل من هذا الاستهداف. أمّا تركيا فقد حذّرت إسرائيل في الخامس من الشهر الماضي من “عواقب وخيمة” إذا حاولت ملاحقة مسؤولين من حركة حماس في تركيا.
إذًا، نستنتج من ذلك أن أي عملية اغتيال تتم بحق قيادي من حماس هي عملية متوقعة. لكن عملية اغتيال العاروري في بيروت كانت الأكثر توقعًا. لماذا؟ بنيامين نتنياهو، حمّل العاروري مسؤولية عمليات قتل جنود إسرائيليين، وتمّ نسف منزله مؤخرًا في عارورة في الضفة الغربية. هذا من الناحية العسكرية.
أمّا من الناحية السياسية، فإنّ العاروري “هو من الساعين الجديين لترتيب العلاقات بين حركة حماس وحركة فتح، وإقامة حكومة وطنية تشمل الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة”. وكان العاروري من المكلّفين بمتابعة ملف المفاوضات بين حماس وإسرائيل. والدليل على نجاحه، إعلان رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، “أننا منفتحون على الاقتراحات التي تتوالى علينا بشأن مفاوضات لترتيب الأوضاع في غزة”، وهذا أمر لا يريده رئيس الحكومة الإسرائيلية. لذلك، فإنّ الكلام عن مفاجأة في عملية الاغتيال ليس في محله، وأعتقد أنه من السذاجة تصديق هذا الكلام.
واضح أن اغتيال العاروري أول قيادي سياسي كبير في حماس، يريد منه نتنياهو توجيه عدة رسائل أوّلها، انه بدأ بتنفيذ وعده بالقضاء على قادة حماس في أعقاب هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي. وثانيها أنّ اختياره الضاحية الجنوبية لبيروت والتي هي معقل حزب الله أراد تمرير رسالة؛ بأن لديه القدرة على القيام بخرق أمني للحزب لا يُستهان به، وهو الأول من نوعه. والرسالة الأخيرة التي أراد نتنياهو توجيهها من وراء الاغتيال، أن لديه القدرة على التنفيذ في حال خطَّط لاستهداف مسؤولين في حزب الله.
عملية اغتيال العاروري في الحاضنة الشعبية لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت بدون عوائق، تعني أن إسرائيل اخترقت أمنيًا الحزب، وهو اختراق لا يستهان به. وليس من المستبعد أن يكون الهدف من العملية جرّ حزب الله لتوسيع رقعة الحرب.
نقطة أخرى لا بد من الإشارة اليها، وهي ان اختيار إسرائيل لاغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” صالح العاروري، يعود بالدرجة الأولى لعجزها حتى الساعة عن الوصول إلى يحيى السنوار، ومحمد الضيف، ومروان عيسى، الذين ما زالوا في غزة رغم اقتراب الحرب من يومها المائة.
ما جرى في قلب معقل حزب الله ببيروت، هو بطبيعة الحال إذلال وإهانة بكل معنى الكلمة لحزب الله. وفي هذه الحالة يجد نصر الله نفسه أمام امتحان صعب، فاذا ما خاطر بخوض حرب كبيرة، فإنه يفعلها ردًا على (مقتل) قائد غير لبناني في داره، وإذا لم يفعل، فإنه سيخسر مصداقيته.
والسؤال المطروح: هل ينجر نصر الله لهذه الحرب التي يريدها نتنياهو في محاولة منه لإنقاذ منصبه ومصيره السياسي والحزبي، علمًا بأن كرسي رئاسة حزب الليكود الجالس عليه نتنياهو بدأ بالاهتزاز.