ابن هشام.. صاحب السيرة النبوية
هو الإمام العلّامة المؤرخ الأخباريّ جمال الدين أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيّوب الذهلي السدوسي، وقيل الحميري، المعافري البصري، نزيل الديار المصريّة.
جاءت شهرته الكبرى من تهذيبه لسيرة ابن إسحاق التي سمعها من زياد بن عبد الله البكّائي صاحب ابن إسحاق، وتلميذ الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وبه الكتاب يعرف، وإليه ينسب.
حياة ابن هشام
ولد ابن هشام في البصرة أثناء الخلافة العبّاسيّة، وقد كان العراق حينها قبلة العلماء وطلّاب العلم، فنشأ في إحدى حواضر العالم الإسلامي آنذاك، ثم ارتحل في طلب العلم كثيرًا، وانتهى به المقام في مصر واشتهر بها وعرفه العلماء بالعلم والفضل، والتقدم في علوم كثيرة أهما السير والمغازي واللغة العربية والشعر والأنساب.
روى الدارقطني بسنده إلى الإمام المزني صاحب الشافعي أنه قال: قدم علينا الشافعي، وكان بمصر عبد الملك بن هشام صاحب المغازي، وكان علامه أهل مصر بالعربية والشعر، فقيل له في المصير إلى الشافعي، فتثاقل ثم ذهب إليه فقال: ما ظننت أن الله يخلق مثل الشافعي”.
ثناء العلماء عليه
كان ابن هشام إماما في المغازي، عالمًا بالنحو وبالأنساب وبأخبار العرب، وكان من الأئمّة المبرزين في اللغة العربيّة، وكان يحفظ كثيرًا من أشعار العرب حتى إنّه حين التقى الإمام الشافعي في مصر تذاكرا كثيرًا من الأشعار.
قال ابن العماد الحنبلي: “كان أديبًا أخباريًّا نسّابة”، وقال عنه ابن كثير المؤرخ صاحب البداية والنهاية وصاحب التفسير المشهور: “أبو محمد عبد الملك بن هشام راوي السيرة، وإنّما نُسبت إليه فيُقال: سيرة ابن هشام؛ لأنّه هذّبها وزاد فيها ونقّص منها، وحرّر أماكن واستدرك أشياء، وكان إمامًا في اللغة والنحو”، وكذلك قال عنه أبو القاسم السهيلي صاحب “الروض الأُنُف”: “إنّه مشهور بحمل العلم، متقدّم في علم النسب والنحو”.
مؤلفاته
لابن هشام كتب كثيرة، ومؤلفات عديدة، ولكن أشهر كتبه:
أولا: تهذيب سيرة ابن إسحاق، وهو أشهر مؤلّفاته على الإطلاق، وبه اشتهر وعمَّ ذكرُه الآفاق، وقد طُبع عدّة طبعات وما يزال، وهو من أغنى كتب السيرة الآن بعد فقد الكتاب الأصلي لابن إسحاق.
وقد كانت سيرة ابن إسحاق من أشهر كتب السيرة التي جمعت في العصر الأول وأعلاها وأجمعها، فجاء ابن هشام بعد ابن إسحاق بخمسين عاما فهذّب كتابه وتناوله بالتحرير والاختصار والإضافة والنقد ومقارنة رواياته بروايات علماء آخرين، والتزم الأمانة والدقة والحرص على المجيء بعبارات ابن إسحاق كما هي، وما كان من إضافاته صدّره بقوله: “قال ابن هشام”؛ للتفريق بينها وبين النص الأصلي الذي هو لابن إسحاق.
ولقد أوضح ابن هشام منهجه في تهذيب سيرة ابن إسحاق واختصارها بقوله: “… وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب، مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب، ولا تفسيرا له، ولا شاهدا عليه، لما ذكرت من الاختصار، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته، ومستقص -إن شاء الله تعالى- ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به”.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: “ولا ريب أن ابن إسحاق كثَّرَ وَطوَّلَ بأنساب مستوفاة، اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة، حذفها أرجح، وبآثار لم تصحح، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح، لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح وتصحيح، ورواية ما فاته”.
وقال الأستاذ الدكتور أكرم العمري عن سيرة ابن هشام: “هي تهذيب لسيرة ابن إسحق، حيث حذف ابن هشام منها كثيراً من الإسرائيليات والأشعار المنتحلة، وأضاف إليها معلومات في اللغة والأنساب، مما جعلها -بعد التهذيب- تنال رضا جمهور العلماء، فليس من مؤلف بعده إلا كان عيالاً عليه”.
ثانيا: كتاب التيجان:
وقد ذكره صاحب الأعلام، وله أسماء منها “التيجان لمعْرِفَة مُلُوك الزَّمَان”، ومنها “التيجان في ملوك حِميَر”، وهو كتاب يجمع بين الوقائع التاريخية والوقائع والقصص الدينية والخرافة والأسطورة، فيه كثير من الإسرائيليات وبالذات فيما يتعلق بقصص الأنبياء، وفيه شيء عن تاريخ اليمن.
ثالثا: كتاب القصائد الحِميَريّة: وهو كتاب وضعه في أخبار اليمن وملوكها في الجاهليّة.
رابعا: كتاب “شرح ما وقع في أشعار السير من غريب”: والكتاب واضح من اسمه أنّ موضوعه هو شرح غريب الشعر الذي يقع في كتب السير.
بالإضافة لكتاب في أنساب حِمْيَر وملوكها.
وفاته:
وقد توفي ابن هشام بمصر، وذلك في ثالث عشر ربيع الآخر، سنة ثمان عشرة ومئتين للهجرة.. فرحمه الله رحمه واسعة.