وثيقة اعتراف دولية تتعلق بالأقصى.. هل سمع بها قادة دول الجامعة العربية؟
الإعلامي أحمد حازم
الفلسطينيون الذين بقوا في أرضهم بعد النكبة الأولى عام 1948 أطلقت عليهم “الدولة اليهودية” اسم “عرب إسرائيل”، وهي خطوة حملت أهدافا سياسية أهمها محاولة محو اسم فلسطين من ذاكرة الأجيال اللاحقة. وفي الحقيقة أنّ هذا الاسم الجغرافي التعبير “عرب إسرائيل”، يصح أن يطلق على دول الجامعة العربية، لأنهم بالفعل “عرب إسرائيل” سياسيا.
يقول الباحث والمحلل السياسي صالح لطفي في مقال له: “إن الحكومات السابقة (نتنياهو والثنائي بنيت/لبيد) مضت في السلام الإبراهيمي الذي عملت عليه المخابرات الأمريكية في عهد أوباما وأكمله ترامب ويصب في مصلحة إسرائيل بالكامل، وجودًا وتثبيتًا، ويعمل على إنهاء الملف الفلسطيني. وجوهر السلام الإبراهيمي يقوم على إقرارٍ عربي بحق اليهود في المسجد الأقصى المُبارك. ومن أجل ذلك، أقامت الإمارات ما سُمي بالبيت الإبراهيمي”.
الكاتب الصهيوني يهودا عتصيون يقول في كتاب له: إن “التبرؤ من المسجد الأقصى هو كذبة لأن معناها قطع كل صلة مع صهيون”. ويوضح: “إن مهمتنا هي التخلص من الثقافة الأوروبية، والعلمانية، والتنوير والتركيز على الوجود في المسجد الأقصى، كما أرى تعايشًا مع المسلمين في المسجد الأقصى، عندما نكون نحن من يملك المكان، يمكننا أن نستضيفهم بشكل عادل، إذا قبلوا ذلك ولم تكن لديهم ادعاءات وطنية حول المكان، فإن التعايش ممكن”.
إذًا الصراع بالدرجة الأولى هو صراع حول الأقصى أي صراع ديني. توجد وثيقة صدرت عن محكمة دولية قبل 93 عامًا وأثناء الانتداب البريطاني لفلسطين. في تلك الفترة وبالتحديد في العام 1929 اندلعت ثورة البراق ضد المستعمر البريطاني احتجاجًا على تسهيلات قدَّمها الانجليز لليهود للوصول والصلاة عند الحائط الغربي للمسجد الأقصى. ولم تهدأ الثورة، إلا بعد أن قبل الانجليز إحالة النزاع إلى محكمة دولية للبت في الموضوع: هل الحائط هو حائط البراق الإسلامي، أم هو حائط المبكى اليهودي؟
فماذا كانت النتيجة؟
في 15 مايو/أيار عام 1930 وافق مجلس عصبة الأمم على تشكيل لجنة أوروبية برئاسة وزير الشؤون الخارجية السابق في حكومة السويد، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل في جنيف، ورئيس محكمة التحكيم النمساوية الرومانية المختلطة وحاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة السابق وعضو ببرلمان هولندا، وهي لجنة دولية محايدة وعلى أعلى مستوى قضائي وتحكيمي.
في 19 يونيو/حزيران 1930 عقدت اللجنة اجتماعات في القدس استمعت إلى شهادة 52 شاهدًا، من بينهم 21 من حاخامات اليهود و30 من علماء المسلمين، وشاهد واحد بريطاني. وقدم الطرفان إلى اللجنة 61 وثيقة، منها 35 مقدمة من اليهود، و26 وثيقة مقدمة من المسلمين. وفود كثيرة من أنحاء العالم الإسلامي توافدت إلى القدس للدفاع عن القضية وإعلان تمسك المسلمين بملكية الحائط، إضافة إلى عدد من الشخصيات الفلسطينية البارزة.
بعد أكثر من خمسة أشهر من بدء جلسات اللجنة الدولية في القدس، وبعد أن استمعت إلى ممثلي العرب المسلمين وممثلي اليهود، وأطّلعت على كل الوثائق التي تقدم بها الطرفان، وزارت كل الأماكن المقدسة في فلسطين، أثبتت اللجنة أن حجة المسلمين كانت هي الغالبة، إذ استطاع دفاعهم أن يثبت أن جميع المنطقة التي تحيط بالجدار وقفٌ إسلاميٌ بموجب وثائق وسجلات المحكمة الشرعية، وأن نصوص القرآن وتقاليد الإسلام صريحة بقدسية المكان عندهم وأن زيارة اليهود للحائط ليست حقًا لهم، وعقدت اللجنة جلستها الختامية في باريس من 28 نوفمبر إلى 1 ديسمبر 1930 حيث تمّت الموافقة بالإجماع على قرار ينص على: “للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءًا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضًا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفًا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير”. ونصّ أيضًا على: “إنّ أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يجلبها اليهود ويضعونها بالقرب من الحائط لا يجوز في حال من الأحوال أن تعتبر أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له. وتضمن القرار عددًا من النقاط الأخرى، أهمها: “عدم السماح لليهود بنفخ البوق قرب الحائط”.
وقد وضعت أحكام هذا الأمر موضع التنفيذ اعتبارًا من 8 يونيو/حزيران 1931، وأصدرت الحكومة البريطانية كتابًا أبيض عن الموضوع اعترف بملكية المسلمين للمكان وتصرفهم فيه كما أصدر ملك بريطانيا على أساس ذلك المرسوم الملكي المعروف باسم “مرسوم الحائط الغربي لسنة 1931” ، الذي نُشر في حينه في الجريدة الرسمية لفلسطين.
فهل سمع قادة دول الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بهذا القرار؟ أشك في ذلك لأنها لم تفعل شيئا ولم يصدر عنها لاحقا أي شيء يتعلق بهذا القرار.