موقع أميركي: بايدن أكثر الصقور الأميركيين تعصبا لإسرائيل
عندما تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 10 آلاف في الحرب الحالية في غزة، سأل أحد الصحفيين الرئيس الأميركي جو بايدن عن فرص وقف إطلاق النار. ولم يتردد الشخص الذي يتمتع بأوسع نفوذ في العالم في إجابته قائلا: “لا شيء، لا يوجد أي احتمال”.
هكذا استهلت مجلة “موذر جونز” الأميركية تقريرا مطولا لها عن العلاقة العميقة لبايدن بإسرائيل سردت فيه كثيرا من الأحداث والتفاصيل التي تتجلى فيها هذه العلاقة.
وقالت المجلة “التقدمية” التي تركز على الأخبار والتحقيقات الاستقصائية حول مواضيع تشمل السياسة، البيئة، وحقوق الإنسان، في التقرير الذي كتبه مراسلها نوح لانارد، إن دعم بايدن غير المشروط لإسرائيل في شن عدوانها الحالي على غزة، وهو واحد من أكثر حملات القصف تدميرا في التاريخ الحديث، وضعه على خلاف مع معظم العالم وأجزاء كبيرة من قاعدته السياسية. ومع ذلك لم يظهر الرئيس حتى الآن إلا بطئا واضحا في التراجع عن دعمه القوي لإسرائيل.
سنظل ندافع عنها
وأشار لانارد إلى أن بايدن قال ذات مرة، “من الممكن أن تدخل إسرائيل في معركة بالأيدي مع أميركا، ومع ذلك سنظل ندافع عنها”.
وفي تصريح آخر قال بايدن إنه يفضل إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف، ولم ينس تأكيد دعمه الثابت لـ “الأمة اليهودية”، قائلا “لن نفعل أي شيء سوى حماية إسرائيل. لا شيء أبدا”.
ومضى التقرير ليقول إن الأمر استغرق شهرا كاملا من بدء الهجوم الكاسح لإسرائيل على قطاع غزة، حتى يبدأ بايدن ينتقد إسرائيل بطريقة ذات مغزى، بتحذير من أن “القصف العشوائي” لإسرائيل يكلف أميركا الدعم الدولي، لكن دعم بايدن نفسه لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ظل كما كان إلى حد كبير.
وأضاف أنه قبل هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل وبعده، لم يظهر الرئيس الأميركي أي تعاطف مع الفلسطينيين.
وعن هذا التحيّز إلى إسرائيل، نقل الكاتب عن راشد الخالدي، أستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، قوله إنه لا يعتقد أن بايدن يرى الفلسطينيين على الإطلاق، لكنه، في المقابل، يرى الإسرائيليين كما يتم تقديمهم بعناية شديدة من قبل حكومتهم وأجهزتهم الإعلامية الضخمة.
لا يعترف بإنسانية جميع الأطراف
كما نقل عن مسؤول سابق في إدارة بايدن وجهة نظر مماثلة، إذ قال “يبدو أن الرئيس لا يعترف بإنسانية جميع الأطراف المتضررة من هذا الصراع. لقد وصف المعاناة الإسرائيلية بتفصيل كبير، بينما ظل يتحدث عن معاناة الفلسطينيين بشكل غامض، هذا إذا ذكرها على الإطلاق”.
وأوضح أن جميع من التقاهم من المسؤولين والأكاديميين الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين كشفوا عن تمتع بايدن بتعاطف غريزي مع إسرائيل مقابل عدم اهتمامه بالفلسطينيين، ولديه وجهة نظر عفا عليها الزمن بشكل متزايد للسياسة الداخلية حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهي أن السلام لن يأتي إلا من عدم وجود اختلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة.
والنتيجة هي أن بايدن أعطى الأولوية لتزويد إسرائيل بدعم غير مشروط إلى حد كبير ومساحة لمواصلة القتال في مواجهة معارضة دولية مكثفة، مضيفا أن أي رئيس أميركي كان سيدعم إسرائيل في أعقاب هجوم حماس الذي أودى بحياة 1200 شخص، لكن بايدن ذهب أبعد من أي من زملائه الديمقراطيين في الدفاع عن إسرائيل.
وسرد لانارد أن بايدن عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ، أيد نقل السفارة الأميركية إلى القدس قبل عقود من قيام دونالد ترامب بجعل ذلك حقيقة واقعة، وتفاخر بحضور المزيد من جمع التبرعات للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) أكثر من أي عضو آخر في مجلس الشيوخ، وهاجم محاولة جورج بوش الأب لدفع إسرائيل نحو التفاوض مع الفلسطينيين.
قوّض جهود أوباما
وكنائب للرئيس، قوّض بايدن جهود الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لدفع إسرائيل نحو السلام. وكرئيس، قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واصل السياسات التي نفذها ترامب والتي قامت على تهميش الفلسطينيين.
ورغم تجاهل إسرائيل للعديد من توصياتها، يقول التقرير، تواصل إدارة بايدن دفع الكونغرس لتقديم 14 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية في الغالب بدون قيود، وذلك بعد أن زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالفعل بآلاف القنابل التي دمرت أجزاء واسعة من غزة، وشردت أكثر من 80% من سكانها، وارتكبت جريمة الحرب المتمثلة في استخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب، وفقا لتقرير من هيومن رايتس ووتش صدر الاثنين.
وقال لانارد إن بايدن وصف في الأيام الأولى للحرب حجم هجوم حماس بقوله إنه يعادل 15 مرة هجمات 11 سبتمبر/أيلول لدولة بحجم إسرائيل، لكنه نسي أن يقول إن مقتل أكثر من 20 ألف شخص حتى الآن في غزة، يعادل تقريبا 900 مرة هجمات 11 سبتمبر/أيلول بنفس المقياس.
بعد ذلك، دلف لانارد إلى تفسير العلاقة العميقة لبايدن بإسرائيل، قائلا إن دوافعها شخصية تماما.
وعن هذه الدوافع، ذكر التقرير أن الرئيس الأميركي كان كثيرا ما يُرجع ذلك إلى محادثات مائدة العشاء مع والده حول أهوال “المحرقة” النازية وإلى اجتماع في عام 1973 في إسرائيل مع رئيسة الوزراء غولدا مائير خلال عامه الأول كعضو في مجلس الشيوخ، ومناقشات طويلة مع هنري “سكوب” جاكسون، السيناتور الديمقراطي المتشدد الشهير من ولاية واشنطن.
وتحت تأثير جاكسون، قال الكاتب، ظهر بايدن مؤيدا متعصبا لإسرائيل. ففي عام 1982، وهو العام الذي التقى فيه بايدن ونتنياهو لأول مرة، غزت إسرائيل لبنان وأثارت غضب الناس في العالم العربي وعارضها مسؤولون أميركيون بارزون، أظهر بايدن تأييدا واضحا لإسرائيل آنذاك.
رحب ترحيبا حارا ببيغن
وفي الأسابيع الأولى من الحرب، جاء رئيس الوزراء اليميني المتطرف مناحيم بيغن إلى واشنطن لتعزيز الدعم، في مواجهة انتقادات علنية شديدة. وتلقى بيغن ترحيبا حارا من بايدن.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” آنذاك أن بايدن أخبر بيغن أنه لا ينتقد غزو لبنان. وبعد عودته إلى إسرائيل، قدم بيغن مزيدا من التفاصيل للصحافة الإسرائيلية وقال إن عضوا شابا بمجلس الشيوخ ألقى “خطابا حماسيا” خلال اجتماع خاص مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
وقال بيغن إن هذا السيناتور جادل بأن الأميركيين “لن ينتبهوا إذا قتلت أميركا الرجال أو النساء أو الأطفال انتقاما من هجوم مماثل من كندا”.
وخلال خطاب ألقاه في عام 1992 أمام “أيباك”، أعرب بايدن مرة أخرى عن دعمه القوي لإسرائيل، وكان يصرخ ويضرب صدره من أجل التأثير العاطفي حيث انتقد حملة عامة غير مسبوقة للرئيس جورج بوش الأب لدفع إسرائيل نحو التعامل مع مطالب الفلسطينيين بالسيادة وإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية والأراضي الأخرى.
فكرته المركزية
وقال الكاتب إن أي زعيم يفكر قد يغيّر مساره، لكن بايدن ظل ملتزما بنهجه كما أوضح في مقابلة أثناء ترشحه للرئاسة، قائلا “خلال مسيرتي المهنية التي استمرت 34 عاما، لم أتردد أبدا تجاه فكرة أن الوقت الوحيد الذي تم فيه إحراز تقدم في الشرق الأوسط هو عندما عرفت الدول العربية أنه لا يوجد اختلاف بيننا وبين إسرائيل”.
من خلال القيام بذلك، قال الخالدي إن بايدن كان يتبنى النسخة الدبلوماسية من النظرة اليمينية العسكرية التي وضعها قبل قرن من الزمان زئيف جابوتنسكي، مؤسس الصهيونية التحريفية التي ساعدت في تشكيل حزب الليكود.
وبعبارة أخرى، أوضح الخالدي، أن بايدن يقصد “فقط عندما يفهم العرب أنه يتعين عليهم قبول كل ما ترغب إسرائيل في تقديمه، سيكون هناك سلام”.
لا يهتم بوجود الفلسطينيين
وتابع الخالدي، أحد أبرز علماء فلسطين في العالم، “أعتقد أن هذا يمثل موقفه إلى حد ما حتى يومنا هذا. أنا بصراحة لا أعتقد أن هذا الرجل لديه أي شعور بأن هناك جانبا آخر لهذا الصراع. لا أعتقد أنه يفهم أو يهتم بالإنسانية، أو الحقوق، أو مجرد وجود الفلسطينيين”.
وبعد أن أصبح بايدن نائبا للرئيس عام 2009، تمسك بموقفه حول القضية الفلسطينية، وتسبب التزامه بحماية إسرائيل من الضغوط الشعبية في تقويض سياسة أوباما في لحظة مهمة عندما كان يحاول إحياء محادثات السلام.
ونقل الكاتب عن مقال للصحفي بيتر بينارت أنه “خلال فترة حرجة في وقت مبكر من إدارة أوباما، عندما فكر البيت الأبيض في ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو للحفاظ على إمكانية قيام دولة فلسطينية على قيد الحياة، عمل بايدن أكثر من أي مسؤول آخر على مستوى الحكومة لحماية نتنياهو من هذا الضغط”.
وفي عام 2010، أغضبت حكومة نتنياهو أوباما ومستشاريه بإعلانها توسعا استيطانيا كبيرا، لكن بايدن الذي كان في إسرائيل آنذاك، عمل بانفراد على النزاع الناشئ. واتخذ معسكر أوباما طريقا مختلفا من خلال وضع قائمة بالمطالب التي يجب تقديمها لنتنياهو. ثم أعطت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون رئيس الوزراء 24 ساعة للرد، محذرة إياه، “إذا لم تكن قادرا على الامتثال، فقد يكون لذلك عواقب غير مسبوقة على العلاقات الثنائية من النوع الذي لم يسبق له مثيل من قبل”.
وسرعان ما كان بايدن على اتصال مع نتنياهو المذهول. وقال مسؤول سابق في الإدارة الأميركية إن “بايدن قوّض جهود وزيرة الخارجية تماما وأعطى نتنياهو إشارة قوية إلى أن كل ما كان مخططا له في واشنطن كان متهورا ويمكنه نزع فتيله عندما يعود”.
نباح أوباما أسوأ كثيرا من عضه
وعندما زار نتنياهو وموظفوه البيت الأبيض بعد فترة وجيزة، قال أحد كبار مستشاريه لصحيفة “نيويورك تايمز” إن بايدن قال لنتنياهو، “فقط تذكر أنني أفضل صديق لك هنا”.
وبفضل دعم بايدن جزئيا، تعلم نتنياهو عدم القلق من جهود أوباما للضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية. وقال مسؤول أميركي كبير للصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت: “بدأ نتنياهو يفهم أن نباح أوباما أسوأ بكثير من عضه، وأنه لا يوجد سبب للخوف منه”.
وخلال الأيام الأخيرة لأوباما في منصبه، صدر قرار من الأمم المتحدة يطالب بوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والأراضي المحتلة الأخرى. وفي دعوة لمناقشة كيفية تصويت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، قال العديد من مسؤولي الإدارة إن بايدن ووزير الخزانة آنذاك جاك ليو هما الوحيدان اللذان أيدا استخدام حق النقض ضد القرار. وعلى غير العادة، فشل بايدن وليو في هذا الجهد. وليو هو الآن سفير بايدن في إسرائيل.
وقال الكاتب إن عودة ليو تشير إلى أن بايدن لم يتغيّر تجاه إسرائيل قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فقد تمسك بقرار ترامب نقل السفارة إلى القدس، ولم يتراجع عن إعلان كبير لوزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو قلب عقودا من السياسة الأميركية بقوله إن المستوطنات الإسرائيلية لا تنتهك بالضرورة القانون الدولي، وفشل في إعادة فتح قنصلية منفصلة للفلسطينيين أغلقها ترامب.
لم يقف ضد نتنياهو
ولم يفعل بايدن الكثير لتعديل تعامله مع إسرائيل بعد أن انتخبت أكثر برلمان يميني في تاريخها في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ولم يقف حتى لمرة واحدة ضد سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة التي تمخض عنها هذا البرلمان.
ومن المؤكد، يقول الكاتب، أن هجوم حماس ضد إسرائيل أدى لتعميق ارتباط بايدن بإسرائيل. وبدلا من الضغط من أجل وقف إطلاق النار، نقلت إدارة بايدن الأسلحة، وشمل ذلك ما لا يقل عن 100 قنبلة تزن كل منها طنا كاملا وهي ذخيرة كانت 4 أضعاف حجم ما استخدمته الولايات المتحدة عادة خلال معاركها الجوية عام 2017 ضد تنظيم الدولة في الموصل، العراق.
وأوضح الكاتب أن التداعيات السياسية لموقف بايدن أصبحت عالمية النطاق الآن. وقال شبلي تلحمي، أستاذ السلام والتنمية في جامعة ماريلاند، إن بايدن قد يتفوق الآن على نتنياهو باعتباره الزعيم الأكثر كرها في العالم العربي، مضيفا أن “هناك مستوى من الصدمة الآن في العالم العربي لم أره حتى أثناء حرب العراق، عندما كانت مروعة للغاية”.
وختم لانارد تقريره بأنه لم يكن هناك ما يشير إلى أن دعم بايدن لإسرائيل آخذ في التراجع، لكن المشكلة هي أن كثيرين من حزبه لم يعودوا معه، ولذلك ربما يدرك، وهو السياسي المخضرم، ما يجب عليه فعله في مواجهة الضغوط الدولية والمحلية. فقد يحاول قريبا وقف الحرب الحالية، وقد يقاوم لأطول فترة ممكنة.