حق (الفيتو).. مشكلة جذور لا مشكلة أدوار
ساهر غزاوي
أجهض (الفيتو) الأمريكي الأخير مشروع قرار في مجلس الأمن لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وذلك رغم التحذيرات والمناشدات الدولية والأممية من خطورة الوضع الإنساني؟ هل كان العالم حقًا، بما فيه الشعب الفلسطيني، في انتظار أن تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية موقفًا مناصرًا وداعمًا لقضية فلسطين؟! وهي القضية الأكثر عدلًا في عصرنا الحديث، وهي القضية التي أظهرت فشل الأمم المتحدة في تطبيق واجباتها، إذ تُعرّف نفسها منذ تأسيسها عام 1945- بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية- على أنها “منظمة تهدف إلى تأمين العدالة والأمن والتنمية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية لجميع البلدان”!!
منذ بدء الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، أُستُخدم (الفيتو) الأمريكي أربع مرات ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة، ما معناه أن الولايات المتحدة الأمريكية تمنح إسرائيل مزيدًا من الوقت لاستكمال حرب الإبادة على قطاع غزة، وتعطيها الضوء الأخضر لاستمرار ارتكاب المجازر الدامية بحق السكان المدنيين وتدمير البنية التحتية الحيوية حتى تصبح غزة مكانًا لا يصلُح للحياة بعد الحرب!! الأمريكي يتذرع بأن إجهاضه لقرار وقف فوري لإطلاق النار في غزة “لن يؤدي إلا لزرع بذور الحرب المقبلة”، وكأن الحرب الإسرائيلية الأمريكية على غزة لن تنجح ولن تصل إلى أهدافها إلا بتفريغ غزة من أهلها بالإبادة الجماعية والتدمير الممنهج لبنيتها ومبانيها وتهجير سكانها المدنيين خارج القطاع.
نعم، العالم وبما فيه الشعب الفلسطيني، لم ينتظر موقفا أمريكيا عادلا ومناصرا للحق الفلسطيني في الأمم المتحدة، رغمًا أن أكثر من 100 دولة تبنت الموقف المطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة لدواع إنسانية، لأن العالم لديه نظرة سلبية تجاه مجلس الأمم المتحدة الذي يمنح الشرعية لنظام يؤيد الأقوياء لمجرد ارتفاع أصواتهم بدلًا من حماية الضعفاء، لا سيّما بوجود تاريخ طويل من قرارات حق النقض (الفيتو) الأمريكي في مجلس الأمن لدعم إسرائيل، وقد استخدمت الولايات المتحدة (الفيتو) ضد قرارات تدين إسرائيل 46 مرة، بما في ذلك الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان وكذلك الضم الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السوري المحتل.
في السياق، يقول الرئيس التركي رجب طيب أروغان، صاحب مقولة “العالم أكبر من خمسة” في كتابه (نحو عالم أكثر عدلا) الذي يدعو فيه إلى إلغاء امتياز حق النقض (الفيتو) الذي تحتكره خمس دول (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا) والذي يكرس الظلم والتحكم في مصائر دول العالم وشعوبها وفقًا لأهوائهم ومصالحهم الجشعة، كما يقول: “إن مجلس الأمم المتحدة ببنيته الحالية أضحى يخدم سياسات الأعضاء الخمسة دائمي العضوية فقط، متغاضيًا عن السلام والعدالة العالميين.. في مثل هذه الفترة التي تشهد العديد من النزاعات، من غير المحتمل أن يصدر أي قرار من المجلس إن اعترضت عليه دولة واحدة فقط من الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في المجلس، وهذا يؤخر حلّ الأزمات ويسبب المزيد من المآسي الإنسانية.. هكذا نظام ليس عادلًا ولا شرعيًا”.
وإلى جانب رؤية أردوغان التي ينّظر لها في كتابه لإصلاح النظام الدولي والأمم المتحدة والذي يشدد فيه على أن البنية الفاسدة الجائرة للنظام الدولي هي أساس الأزمات الإنسانية التي تشهدها مناطق العالم، فقد سعت أيضًا مجموعة ما يسمى الدول الأربعة (ألمانيا، اليابان، الهند، البرازيل) إلى تقديم مشروع إصلاح مجلس الأمن، مطالبة من خلاله بأن يكون لها مقاعد دائمة في مجلس الأمن وأن لا تقتصر العضوية الدائمة على الدول الخمس المذكورة. غير أن هذا المشروع لاقى معارضة شديدة ولم يطبق حتى الآن.
وعن سؤال: لماذا تمَّ اختيار خمس دول تحديدًا كأعضاء دائمين في مجلس الأمن وهم: (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، روسيا، والصين)، يجيب أحد المحاضرين طلابه بالقول: “الجواب بكل بساطة لأنهم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، وهم وراء تأسيس المنظمة. فكل عضو من هذه الأعضاء يتمتع بسلطة على جانب من الأهمية يوضّح مشاكل كثيرة اليوم: إنه حق الفيتو. ومتى كانت آخر مرة استعمل فيها هذا الحق؟ بحق من كان؟”. وهذا ما ينطبق تمامًا على “عصبة الأمم” التي تأسست عام 1920 كأول منظمة دولية أخذت على عاتقها مهمة الحفاظ على السلام العالمي، اقتصر مجلسها التنفيذي فقط على الدول القوية التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الأولى (إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، اليابان)، حيث بات يُنظر إليها على أنها “عصبة المنتصرين” التي أخفقت في تأدية مهماها وواجباتها ووقفت موقف المتفرج فيما كان العالم يتجه نحو الحرب العالمية الثانية، كما هو حال إخفاق مجلس الأمن التابع للجمعية العامة لأمم المتحدة منذ تأسيسها قبل 78 عامًا وحتى يومنا هذا.
في النهاية، ربما يحتاج العالم لحرب عالمية ثالثة (لا نتمناها) أو حدث كبير يُغير موازين القوى حتى يتغير النظام العالمي المُهيمن ويكون فيه صاحب الحق هو القوي لا القوي هو المُحق، غير أنَّ هذا لا يعني على الإطلاق أن يتوقف أصحاب القضايا العادلة، في بذل الجهود والطاقات في طرق أبواب المؤسسات الدولية، ولا يعني أن لا يكون لهم الحضور والنشاط البارزين في المنظمات الحقوقية والقانونية، فكل الجهود والطاقات، ولو أنها كانت متواضعة جدًا في بُعدها السياسي والإعلامي والإنساني، فهي مهمة وضرورية ومطلوبة إن كانت نتائجها تصب في صالح قضية فلسطين، القضية الأكثر عدلًا في عصرنا الحديث.