أسئلة مشروعة
الشيخ رائد صلاح
كم كان الشاعر المتنبي صادقًا عندما قال:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
وهكذا هو حال السياسية الغربية الرسمية التي تقف في مقدمتها أمريكا، فهي سياسة غربية رسمية يظنُّ كل عاقل عندما ينظر إليها ويرى نيوبها بارزة أنها تبتسم، ولكن هيهات هيهات، فهي التي أوقعت الكارثة الإنسانية في غزة ولا أقول شاركت فيها أو دعمتها، بل هي التي أوقعتها، وهي التي أصرّت على إيقاعها، وهي التي تفرك أيديها فرحًا طمعًا بجني أرباح قذرة لها من وراء هذه الكارثة الإنسانية، ولا نبرئ الاحتلال الإسرائيلي الذي تحول إلى أداة تنفيذ بيد السياسة الغربية الرسمية لإيقاع هذه الكارثة الإنسانية، ولذلك إذا استمعنا إلى الأقوال الاستهلاكية التي تلوكها السياسة الأمريكية الرسمية بنيوبها نجد أنها أقوال مثالية، ولكنها جوفاء وخداعة وتافهة، حيث أنها أقوال تدعو في ظاهرها إلى حماية المدنيين والصحفيين في غزة، وتدعو في ظاهرها إلى الأمن والاستقرار ومنع اتساع رقعة الصراع، وتدعو في ظاهرها إلى تحقيق السلام وحل الدولتين وتقديم المساعدات الإنسانية ومنع التهجير !!، ولكن إذا نظرنا إلى حقيقة أعمال السياسة الأمريكية الرسمية نجد أنها هي التي تدير الحرب، وهي التي تجر من ورائها السياسة الغربية الرسمية في هذه الحرب، وهي التي تستخدم الاحتلال الإسرائيلي كأداة تنفيذ في هذه الحرب، وهذا يعني أن السياسة الأمريكية الرسمية هي المسؤول الأول عن هذه الكارثة الإنسانية في غزة، وبناءً على هذه المقدمة أسأل هذه الأسئلة:
1. أليست هي السياسة الأمريكية الرسمية التي لا تزال تمد عبر جسر جوي متواصل الاحتلال الإسرائيلي بأدوات الحرب المختلفة بلا توقف حتى هذه اللحظات؟!
2. أليست هي الخارجية الأمريكية التي استخدمت صلاحيات الطوارئ لتجاوز الكونغرس الأمريكي، كي لا تبقى مقيدة بموافقته، وهكذا أخذت حريتها بتقرير ما تشاء، وتقديم الدعم الذي تشاء للاحتلال الإسرائيلي، ثم بناءً على ذلك وعلى سبيل المثال قدّمت له 14 ألف قذيفة دبابات بجرة قلم منها قبل أيام، دون أن يجرؤ أحد على مُساءلتها على الصعيد المحلي الأمريكي أو على الصعيد العالمي!!، وماذا يعني هذا الرقم: 14 ألف قذيفة دبابات أمريكية؟!، ألا يعني الإمعان بقصف البيوت في غزة، إلى جانب الإمعان بقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس؟!، ألا يعني الإمعان بقتل المدنيين من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والعجائز؟! ألا يعني أن الكارثة الإنسانية بغزة ترتكبها الأسلحة الأمريكية بتنفيذ من الاحتلال الإسرائيلي؟!
3. عندما أطلق الحوثيون الصواريخ من اليمن على أكثر من موقع قالت أمريكا: إنَّ المسؤول عن ذلك هي إيران، لأن إيران هي التي تُزود الحوثيين بهذه الصواريخ!!، فإذا كان هذا هو ميزان الحُكم على الآخر في أمريكا، فإن أمريكا هي المسؤولة عن الكارثة الإنسانية في غزة لأنها هي التي تزود الاحتلال الإسرائيلي بشتى أنواع الأسلحة الأمريكية؟!، أليست هذه هي النتيجة وفق المنطق الأمريكي؟!
4. أليس هذا التواطؤ الأمريكي المكشوف هو الذي دفع (جوش بول)، أحد الموظفين الكبار في الخارجية الأمريكية أن يستقيل وأن يُعلن على الملأ أنَّ بيع إسرائيل الأسلحة الأمريكية يجعل واشنطن متواطئة في جرائم الحرب، ثم أن يُعلن على الملأ أنه يُشكك بمصداقية الدعوة الأمريكية لتقليل الخسائر في المدنيين؟!
5. أليست هي السياسة الأمريكية التي استخدمت الفيتو مرتين في مجلس الأمن ومنعت بذلك إصدار قرار من مجلس الأمن يدعو إلى إيقاف الحرب؟! فماذا يعني أن تمنع السياسة الأمريكية إيقاف الحرب؟! ألا يعني ذلك الموافقة والمُصادقة الأمريكية على مواصلة إيقاع الكارثة الإنسانية على غزة؟!
6. أليسوا هم الساسة الأمريكيون الرسميون الذين شارك بعضهم في جلسات مجلس الحرب الإسرائيلي؟! ألا يعني ذلك في أضعف الأحوال أنَّ السياسة الأمريكية الرسمية تُشارك في إدارة هذه الحرب؟! ألا يجعل ذلك من السياسة الأمريكية الرسمية شريكًا مُقررًا في هذه الحرب ثم شريكًا مُدانًا بإيقاع هذه الكارثة الإنسانية على غزة؟!
7. ثمَّ يوم أن وافق كل أعضاء مجلس الأمن على إيقاف الحرب وصمت البعض منهم ولم يوافق ولم يُعارض إيقاف الحرب، إلا السياسة الأمريكية الرسمية التي استخدمت الفيتو ومنعت إيقاف الحرب، ألا يقول ذلك بلا تلعثم: إنَّ السياسة الأمريكية الرسمية هي الوحيدة في العالم التي أصبحت تدعم مواصلة هذه الحرب؟!
8. أليست هي السياسة الأمريكية الرسمية التي أعلنت أنها أرسلت خبراءها أصحاب التجربة في غزو أفغانستان والعراق ليشاركوا في هذه الحرب كخبراء، بهدف تقديم خبرتهم إلى الاحتلال الإسرائيلي خلال هذه الحرب؟! فماذا بعد ذلك؟! وماذا أوضح من ذلك؟! حتى يقول كل عاقل في الأرض إن السياسة الأمريكية الرسمية تتحمل خطيئة الكارثة الإنسانية في غزة؟! وتتحمل خطيئة مقتل كل جنين في رحم أمه في غزة؟! وتتحمل مقتل كل رضيع وكل طفل في غزة!!، وإلا لولا هذا السلاح الأمريكي، ولولا هذا الفيتو الأمريكي، ولولا هؤلاء الخبراء الأمريكيون، هل كانت ستقع هذه الكارثة الإنسانية في غزة التي لا تزال تتفاقم أعداد ضحاياها وجرحاها ومشرديها والمدفونين فيها تحت الأنقاض يومًا بعد يوم؟! وهل تظن السياسة الأمريكية الرسمية أنها ستواصل استهبال أهل الأرض بلا توقف؟! وهل تظن السياسة الأمريكية الرسمية وبعد أن أصبحت دماء أطفال غزة تلطخ أبواب البيت الأبيض وشبابيكه وحدائق أزهاره أن مستضعفًا في الأرض قد يُنادي مستغيثًا ويقول: أنجديني يا ماما أمريكا؟! أم أن الذي سيحدث هو العكس حيث سينادي كل مستضعف في الأرض ويقول: أبعدي ويلاتك عني وعن شعبي يا ماما أمريكا؟!
9. ثمَّ أليست هي المسيّرات الأمريكية التجسسية التي لا تزال تُحلق فوق غزة؟! لماذا؟! سلفًا هي لا تُريد أن تُسقِط حليبًا على أطفال غزة، ولا خبزًا على جياعها ولا دواءً على مرضاها، ولا ثيابًا على نسائهًا، بل ولا حتى أكفانًا لموتاها!!، هي لا تزال تُقدم المعلومات الأمنية العسكرية للاحتلال الإسرائيلي؟!، مما يعني أنّ السياسة الأمريكية الرسمية باتت شريكة في هذه الحرب ثم شريكة في ويلاتها من رأسها حتى أخمص قدميها؟!
10. ولذلك لم يستغرب عاقل في الأرض عندما راح بعض المسؤولين في البيت الأبيض يقول لأهل الأرض كِبرًا وعلوًا: لسنا قريبين من هدنة إنسانية جديدة، ولم نعطِ موعدًا محددًا لإنهاء الحرب!!، وهذا يعني أن البيت الأبيض يقول بين سطور هذه التصريحات: أنا المسؤول عن هذه الحرب!!، وأنا الذي أقرر متى تنتهي!!، أليس كذلك؟!
11. ثمَّ أليست كل من السياسة الرسمية البريطانية والفرنسية والألمانية والإيطالية شُركاء في هذه الحرب، وكلها تتحمل خطيئة الكارثة الإنسانية في غزة كالسياسة الأمريكية الرسمية سواءً بسواء؟! أليست طائرات التجسس البريطانية هي التي تُحلق اليوم فوق غزة؟! أليست السُفن الفرنسية الحربية هي التي تقصف قرب اليمن الآن؟! أليست هي أجهزة مخابرات كل هذه الدول تقدم خدماتها الآن مجانًا للاحتلال الإسرائيلي؟!
هل هناك أوضح من كل هذه الأدّلة لإدانة كل هذه السياسات الرسمية الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية والإيطالية؟!.