مرة أخرى.. عن فكرة “حل الدولتين” منتهية الصلاحية
ساهر غزاوي
مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ومع استمرار المجازر الدامية بحق السكان المدنيين في غزة، يعود طرح “حل الدولتين” إلى الواجهة عبر تصريحات المسؤولين العرب والدوليين وحتى الفلسطينيين المؤيدين لهذا المسعى. ويعود التأكيد على ضرورة تطبيقه، بل ويطرح هذا الحل على أساس أن لا حل سواه، وتبدأ الأصوات ترتفع بضرورة التعجيل بحل الدولتين لوضع حد ينهي ما يسمى “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، وفق نظرتهم، تمامًا مثل كل مرة تتفجر فيها الأوضاع في هذه الأرض التي مثل حمم البركان ولا تهدأ، وما أن تلبث وتهدأ الأوضاع قليلًا حتى تثور من جديد، وهذه طبيعة الأرض التي من الطبيعي جدًا أن كل من لا يعرفها حتى الآن ولم يتعرف إلى طبيعة ثوران بركانها المتواصل، سيبقى يظن واهمًا أنه يبني آماله وتطلعاته واستراتيجياته على أرضية ثابتة وعلى واقع وُجد ليبقى، وليس على أرضية متحركة قابلة للتغيير الجغرافي والسياسي على المديين القريب والبعيد وإن لم يكن في أي لحظة.
للتذكير، إن المقصود بتطبيق فكرة “حل الدولتين” التي تدعو لها حكومات وهيئات عربية وعالمية (وحتى أحزاب عربية داخل مناطق الـ 48) من خلال عمل سياسي وفق “الشرعية الدولية”، – قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (242) الذي ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967-، هي فكرة حل على أساس قيام دولتين إحداهما إسرائيل وتقوم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والأخرى فلسطين وتقوم على أراضي حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 قبل هزيمة العرب في الحرب التي عرفت تاريخيًا باسم النكسة. وأراضي 67 تضم مناطق الضفة وشرقي القدس وغزة وما يربطها، وتشكل 22% (بمساحة 6209 كلم) من أراضي فلسطين التاريخية. وقبول هذا الحل يشترط الاعتراف بدولة إسرائيل وسيطرتها على 78% من أراضي فلسطين التاريخية التي مساحتها الإجمالية 27.009 كيلو متر مربع.
يحضرنا في السياق ما يقوله القيادي الفلسطيني نبيل عمرو، عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح المؤيدة لفكرة “حل الدولتين”: “إن الفلسطينيين وكل العرب، لم يعودوا قابلين لتداول عملة لا مفعول لها، مختوم عليها مصطلح “حل الدولتين”، الذي لن يتحقق كما قال الرئيس بايدن ذات مرة لا على المدى البعيد ولا الأبعد”. ويحضرنا كذلك ما يقوله المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه: “إن حل الدولتين أشبه بجثة يتم إخراجها من المشرحة من حين لآخر، فيتم هندمتها بصورة أنيقة، ومن ثم عرضها كشيء حي. وعندما يثبت مرة أخرى أن لا توجد فيها ذرة حياة، يتم إرجاعها إلى المشرحة”.
نعم، إن فكرة “حل الدولتين” عملة لا مفعول لها وجثة هامدة، وكيف لا تكون كذلك والموقف الإسرائيلي تجاه هذه الفكرة يستند إلى الاعتبارات الدينية والاستراتيجية والتاريخية والأمنية والسياسية والاقتصادية والأيدلوجية على حد سواء، كما أن غالبية الأحزاب والتيارات السياسية دينية أم غير ذلك في إسرائيل ترى بأن فلسطين من النهر إلى البحر هي كلها أرض إسرائيل، وهناك إجماع إسرائيلي يدعو إلى عدم التنازل عن أي أرض لصالح قيام دولة فلسطينية، علاوة على أن القدس بشطريها تبقى العاصمة الموحدة لإسرائيل، إلى جانب بقاء المستوطنات في الضفة الغربية تبقى تحت السيادة الإسرائيلية، مع العلم أننا نتحدث عن وجود 176 مستوطنة يسكنها قرابة 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية، و94 موقعًا عسكريًا، و25 موقعًا صناعيًا… الخ. وبالتالي، يستحيل تطبيق فكرة “حل الدولتين” على أرض الواقع، وفقًا للمنظور الإسرائيلي.
وفقًا لهذا الموقف الإسرائيلي وللاعتبارات المذكورة، فهل ستجد إسرائيل نفسها مجبرة ولا مفر أمامها من الاستجابة إلى أصوات تصريحات إسقاط الواجب العربية والدولية وبيانات الثرثرة وشعارات الوهم لبعض الجهات الحزبية التي ترتفع كلما انفجرت الأوضاع في فلسطين وتبدأ بالمناداة بـ “التوصل لاتفاق سلام بين الشعبين والبدء بعملية سلام حقيقية ودائمة قائمة على حل الدولتين، والعيش بأمن وسلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني”.
وفي المقابل على الجهات الحزبية أن تتوقف عن ترديد مثل هذه الشعارات المتلاشية في التصريحات والبيانات العبثية، وتسويق فكرة “حل الدولتين” على الجمهور الكادح بثوب الواقعية وفهم المرحلة، مع أنه يستحيل تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، ثم من خوّل هذه الجهات أن تدعو إلى حلول فيها تنازل وتفريط بشيء لا تملكه!! أليس الأجدر بهذه الجهات الحزبية أن تدرك أن عقارب الساعة لن تتوقف عند هذه المرحلة التي مهما بلغت قسوتها فهي عابرة ولن يبقى منها إلا ذكراها تُخلد في التاريخ وتصبح من الماضي.
ختامًا، إن فكرة “حل الدولتين” تعود إلى ما قبل ما يعرف بمفهوم “أراضي حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967″، وكل الصيغ التي طرحت في أوقات مبكرة من الصراع تهدف إلى تقسيم فلسطين بين العرب واليهود. بَيْدَ أن تقسيم فلسطين بين العرب واليهود قد طُبق فعلًا على أرض الواقع، لكن لم يكن ذلك من خلال عمل سياسي ولا استجابة للقرارات الدولية ولا المفاوضات ولا استجابة للتصريحات وبيانات الثرثرة، إنما طُبق، مرحليًا، بقوة السلاح وبدعم كبير من العالم الغربي. ففي عام 1947 كان اليهود يسيطرون على نحو 56% من مساحة فلسطين التاريخية التي مساحتها الإجمالية 27.009 كيلو متر مربع، أي أن أرض فلسطين كانت مقسمة بين العرب واليهود قبل نكبة عام 1948 التي سيطر اليهود بعدها على مساحة 78% من أراضي فلسطين التاريخية.