يؤمنون بالطرد وليس بالحلول.. فشل مخططات “الترانسفير”
الإعلامي أحمد حازم
يقول الكاتب الإسرائيلي آري شبيط في مقال له في صحيفة “هآرتس” في الثامن من شهر سبتمبر/ أيلول عام 2016، إنّ “القوة الوحيدة في العالم القادرة على إنقاذ إسرائيل، هم الإسرائيليون أنفسهم، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض، ومنذ أن جاء الإسرائيليون إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية”. هذا الكلام لمحلل سياسي يهودي وليس لكاتب عربي. لكن قادة إسرائيل من سياسيين وعسكريين لا يلتفتون لأي تحليل منطقي وواقعي، حتى لو كان التحليل من أحد أبناء جلدتهم.
عضوا الكنيست “رام بن باراك” و”داني دانون”، نشرا مقالا مشتركا في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، اقترحا فيه خطة هجرة طوعية للاجئي غزة، باعتبار “هذا هو الحل الإنساني الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عامًا من اللجوء والفقر والمخاطر”، وكأن الإثنين يعرفان معنى الإنسانية.
وزير المالية اليميني المتطرف “بتسلئيل سموتريتش” دعا أهالي قطاع غزة للهجرة إلى مختلف دول العالم، في ظل تواصل العدوان الوحشي واستهداف مستشفيات القطاع وأحيائه السكنية.
هذا الأمر ليس بجديد، بل هو احياء لفكرة الـ “ترانسفير” التي تبنتها حكومة أرئيل شارون، عام 2001، بعد دخول ائتلاف الوزير رحبعام زئيفي طرفًا فاعلًا به. وكان زئيفي الذي ارتبط اسمه مع خطة الترانسفير الشهيرة، وزيرًا للسياحة، وتمَّ اغتياله من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مدينة القدس عام 2001، ردًّا على عملية اغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة. زئيفي نفسه اعترف بأنَّ فكرة الترانسفير ليست فكرته، بل استلهمها من قادة الحركة الصهيونية. ففي مقال له في صحيفة “هآرتس” بتاريخ 17 آب/ أغسطس 1988، بعنوان “الترحيل من أجل السلام”، كتب زئيفي: “صحيح أنني أؤيد الترانسفير بحق عرب الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الدول العربية، لكنني لا أملك حق ابتكار هذه الفكرة، لأنني أخذتها من أساتذة الحركة الصهيونية وقادتها، مثل دافيد بن غوريون الذي قال من جملة أمور أخرى إن أي تشكيك من جانبنا في ضرورة ترحيل كهذا، وأي شك عندنا في إمكان تحقيقه، وأي تردّد من قبلنا في صوابه، قد يجعلنا نخسر فرصة تاريخية”.
هم لا يؤمنون بالحلول، بل بالطرد أو المماطلة في الموافقة على حلول. وهل ننسى المقولة المشهورة لرئيس الحكومة الأسبق إسحاق شامير عام 1991، خلال مؤتمر مدريد للسلام، والذي قال: “سنفاوض الفلسطينيين 20 عاما دون أن نتنازل لهم عن شيء”. في كتابه “الصورة والحقيقة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، يقول ديفيد بن غوريون (ص 110): “يرى الجميع أنَّ ثمَّة صعوبة في مسألة العلاقة بَيْنَ العرب واليهود، ولكن ليسوا كلُّهم قادرين على أن يروا أنَّه ليس من حلٍّ لهذه المسألة، ليس من حلٍّ.. هناك هوَّة وليس من أحَد قادر على ملئها، وحدها السفسطة يُمكِنها أن تحلَّ النزاع بَيْنَ المصالح اليهوديَّة والعربيَّة”. والسفسطة هي مجموعة من الأوهام الَّتي تعتمد على الجدل والتلاعب بالألفاظ بقصد الإقناع بمعنى أنَّ الخداع والأوهام والتلاعب بالمصطلحات والأفكار جزء من ثقافة التعاطي الإسرائيلي مع الحلول الَّتي يُمكِن أن تُطرحَ للتعامل مع مسألة الصراع.
حتى أن إسحاق رابين الذي اعتبروه رجل سلام من الطراز الأول وتمَّ منحه جائزة نوبل للسلام، حين كان رئيسًا للحكومة عام 1974، عبّر عن ذلك بدقة حين دعا “إلى أن تعمل إسرائيل، في السنوات العشر أو العشرين المقبلة، على خلق أوضاع من شأنها أن تدفع اللاجئين إلى الهجرة الطوعية الطبيعية من قطاع غزة والضفة الغربية إلى الأردن”.
يقول المؤرخ عباس شبلاق، الباحث المشارك في مركز دراسات اللاجئين (RSC) في جامعة أكسفورد الذي شغل متصب مسؤول الإعلام في مكتب جامعة الدول العربية في لندن، في تقييمه لكتاب نور مصالحة “طرد الفلسطينيين: مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882 ـ 1948”: “علينا أن نتذكر أيضًا أن عمليات الطرد القسري، التي وقعت سنة 1948 وسنة 1967، تمت بترتيب من بن غوريون وخلفائه من الزعماء العماليين. وكان تعليق بن غوريون التقليدي في الرد على منتقديه من اليمينيين- وأولهم مناحيم بيغن- “أنتم تثرثرون ونحن نفعل”.
بقي علينا القول، إنَّ فكرة ترحيل الفلسطينيين الى سيناء وفتح باب الهجرة لآخرين ليست بجديدة، بل هي أفكار كان مناحيم بيغين وغيره قد تحدثوا عنها سابقا. فقد نشرت صحيفة “هآرتس” مقالًا في نهاية سبتمبر 1988، ذكرت فيه أن مناحيم بيغين، الوزير بلا وزارة في حكومة “الوحدة الوطنية” آنذاك، دعا إلى تصفية المخيمات الفلسطينية في الضفة ونقل سكانها إلى سيناء، بينما طالب “بنحاس سبير” (وزير المالية آنذاك) بنقل اللاجئين الفلسطينيين إلى إحدى الدول العربية المجاورة. ولأن نقاش الحكومة الإسرائيلية لم يسفر وقتها عن أي قرار محدد بهذا الخصوص، تركز الاهتمام باتجاه تأييد اقتراح نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية “يغئال ألون” القاضي بنقل اللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء وتوطينهم هناك؛ على أن يجري في الوقت نفسه إقناع سكان الأراضي المحتلة بالهجرة إلى الخارج.