سيناريوهات ما قبل انتهاء الحرب
ساهر غزاوي
على ما يبدو، إن إمكانية تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة باتت صعبة وبعيدة المنال، وهذا الراجح حتى الآن مع دخول الحرب أسبوعها الثامن، لا سيّما وأن أغلب التقديرات إسرائيلية تذهب إلى أن الحسم العسكري في قطاع غزة أمر صعب، وكذلك رئاسة هيئة الأركان الأمريكية المشتركة التي ترى باستحالة تحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة من حربها على غزة لأنها أهداف كبيرة وسقفها عالٍ جدًا، وكلما طال أمد الحرب زادت صعوبتها، بحسبها.
بطبيعة الحال من الصعب توقع أو تحديد الشكل الذي ستنتهي عليه الحرب، فلا زالت حرب الإبادة مستمرة، ولا زالت المجازر الدامية بحق السكان المدنيين في غزة متواصلة، ولا زال قصف المنازل على رؤوس ساكنيهم هو الخبر العاجل باللون الأحمر الذي يكاد يبقى ثابتًا على مدار اليوم والليلة على شاشات الفضائيات، ولا زالت الحرب تتسبب في وقف معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل، ولا زالت بيوت العبادة في غزة في دائرة الاستهداف المُركز.
وبالرغم من أن الحرب لم تضع أوزاها بعد ونتائجها غير معروفة، فهناك سيناريوهات وخطط عدة بدأت تُطرح فيما لو حققت الحرب الإسرائيلية على غزة أهدافها المعلنة المتمثلة بالقضاء على حكم حماس وتقويض قدراتها العسكرية واستعادة الأسرى من غزة.
هناك العديد من الأطراف الفلسطينية والعربية الرسمية وغير الرسمية بدأت تعمل على مواصلة بناء أفقها السياسي على تحقيق إسرائيل أهدافها وانتصارها في هذه الحرب وعلى هزيمة المقاومة الفلسطينية. وهذا ليس بعيدًا عما نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية بأن بعض الدول العربية تتمنى هزيمة المقاومة أمام إسرائيل، فهذه الأمنية هدف تلتقي عليه بعض الأطراف العربية والفلسطينية ومصلحة عليا تتجمع عليه، وهذه ليست آراء شخصية، إنما هي معلومات وحقائق تداولت في وسائل الإعلام وأكّدها أكثر من مصدر مسؤول.
على مستوى الأطراف العربية، فإن أفقها السياسي لا زال منفتحًا على المُضي بمسار التطبيع مع إسرائيل بعيدًا عن المسار السياسي للفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية، خاصة أن مسار التطبيع يُنظر إليه، إسرائيليًا وأمريكيًا، على أنه مصلحة عليا ونهج يفيد منطقة الشرق الأوسط بأكملها من النواحي السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتجارية، وأمريكا لا تزال تواصل الدفع من أجل تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية، رغم حرب الإبادة على غزة، ورغم أن 90% من الخطاب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي رافض لاتفاقيات التطبيع.
وفي الحديث عن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، فإنه سيناريو يُطرح بقوة في هذه الأيام، وقد أكّده “أبو مازن”، الذي أبدى استعداد سلطته لتحمل مسئوليتها كاملة في قطاع غزة، فالحديث الرائج هو عن استعادة السيطرة على قطاع غزة عندما تنتهي الحرب ولو على ظهر دبابة إسرائيلية أو أمريكية، وكل الحديث عن ربط عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة في إطار حل سياسي شامل يتضمن شرقي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، ما هو إلا ضريبة كلامية وتصريحات عبثية، وما لم تحققه السلطة طوال ثلاثة عقود وفي ظروف أفضل لأي عملية سياسية، لن تستطيع تحقيقه في هذه الأيام وفي مثل هذه الظروف.
وبالرغم أيضًا من أن الحرب لم تضع أوزاها بعد، وبالرغم من حرب الإبادة التي لا زالت مستمرة، إلا أن بعض الجهات الحزبية التي ربطت مصيرها في مشاريع الأسرلة والاندماج والانكفاء على الذات وتوسيع الوعي بقضية الحقوق المدنية، فإنها في هذا الوقت بدأت تبني أفقها السياسي على أن تكون جزءًا من الحكومة المقبلة في ظل سيناريو متوقع بشكل كبير بحل الكنيست بعد الحرب مباشرة والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة، خاصة وأن نتنياهو يدرك أنه قد انتهى سياسيًا واستطلاعات الرأي تكشف عن تراجع قوة حزب الليكود الحاكم وتعاظم قوة حزب الوزير في حكومة الطوارئ الإسرائيلية الجنرال بيني غانتس.
وبعيدًا عن هذه السيناريوهات، فإن حصّة فلسطينيي الداخل ستكون كبيرة من انعكاسات هذه الحرب كونهم في دائرة الاستهداف المباشر من قبل المؤسسة الإسرائيلية، ومن أبرز ملامح هذه الانعكاسات ما يلي:
1- تحديد سقف العمل السياسي والشعبي للفلسطينيين في الداخل بما يتلاءم مع السياسات الإسرائيلية العليا. ويتوقع هنا التضييق على عمل لجنة المتابعة، كونها هي الجهة التي تدعو إلى الاحتجاجات والإضرابات والمظاهرات ذات الطابع السياسي والاحتجاجي.
2- التأثير الإسرائيلي المباشر في تحديد حجم التفاعل مع القضايا الوطنية.
3- المضي في سياسة تقسيم الفلسطينيين في الداخل إلى تيار معتدل وآخر متطرف.
4- احتدام المواجهة السياسية بين مظاهر “الفلسطنة” التي تؤكد على أهمية الانتماء الوطني والالتحام مع الشعب الفلسطيني وقضيته وبين مشاريع الاندماج و”الأسرلة” التي تدعو للانكفاء على الذات وتوسيع الوعي بقضية الحقوق المدنية.
5- توسيع الإجراءات الأمنية والعقابية بحق فلسطينيي الداخل.