الخبير الاقتصادي أنس سليمان اغبارية: الآثار السلبية للحرب على الاقتصاد ستصل إلى جيوبنا جميعا
طه اغبارية
أفادت العديد من التقارير الاقتصادية، بأنَّ المؤسسة الإسرائيلية، ستضاعف عجزها المالي بسبب الحرب التي تشنها على قطاع غزة، 3 مرات العام المقبل لتغطية الإنفاق العسكري، الذي ارتفع بشكل كبير من نحو 5% إلى ما بين 7% و8% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومؤخرا، خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” نظرتها المستقبلية للاقتصاد الإسرائيلي من مستقرة إلى سلبية، وسط ارتفاع حدة المخاطر المحدقة بالاقتصاد بسبب العدوان على قطاع غزة، محذرة من التداعيات السلبية لاستمرار الحرب.
تداعيات قاسية
وتوقع الخبير الاقتصادي الدكتور أنس سليمان اغبارية، أنّ تكون التأثيرات السلبية للحرب- على الاقتصاد الكلي والجزئي في البلاد-، مؤلمة أكثر بعد أن تضع الحرب أوزارها.
وأضاف في حديث لـ “المدينة”، أنَّ كل مواطن في هذه البلاد، شعر بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتداعيات الحرب على اقتصاده الشخصي.
وأوضح أنَّ “مئات الآلاف من الأشخاص والعائلات تلقوا ضربة اقتصادية قاسية، خاصة الذين جرى اجلاؤهم من بيوتهم، كما أنّ سوق العمل تلقى ضربة قوية، حيث انضم نحو 150 ألف موطن إلى سوق البطالة، وقد قفز معدل البطالة مرتين ونصف في شهر واحد، ووصل إلى 10% وهو الأعلى بعد أزمة “كورونا” عام 2021، بعدما كان في شهر أيلول/سبتمبر 4%”.
وأشار إلى أنَّ وجود نحو 3% من القوى العاملة في إسرائيل في الاحتياط (نحو 276 ألف جندي)، يعدّ عاملا سلبيا آخر في تأثيراته على الحركة الاقتصادية في البلاد، لأن هؤلاء الجنود جزء من هيكلية وسوق العمل.
تراجع الدورات المالية للمصالح
ويلقي د. أنس مزيدا من الضوء على التداعيات الاقتصادية بسبب الحرب: “معظم الشركات في البلاد، تحدثت عن انخفاض في دورتها المالية ما يزيد عن 50% من دخلها خلال فترة الحرب، مقارنة بالأيام العادية وبالشهر نفسه من العام الماضي، ما يبيّن أنّ الوضع خطير جدا، لا سيما في قطاع البناء، وقاعات الأفراح والمطاعم، حيث تعاني من انخفاض دخلها بأكثر من 70%، وهذا ما حدث- على سبيل المثال- مع سوق الأثاث في هذه الفترة”.
وأكمل “العديد من أصحاب المصالح التجارية أغلقوا مصالحهم، كما وتشير التقارير إلى أن كل القطاعات الصناعية والتجارية والمالية تمر حاليًا بأسوأ حالاتها الاقتصادية، وهذا يعني أن الركود قد يتسبب في انهيار المزيد من الشركات، بما في ذلك تلك التي تعمل بشكل قوي نسبيًا”.
وبحسب المعطيات- وفق أنس سليمان-، فإن “37% من الشركات تعمل بالحد الأدنى من الموظفين والعاملين، بينما في جنوب البلاد حوالي 60% من الشركات تعمل بالحد الأدنى في نطاق التوظيف”.
كساد في قطاعات مختلفة
وبخصوص المصروفات اليومية، يقول “انخفض متوسط المصروفات اليومية في الشهر الماضي بنسبة 25.3% مقارنة بشهر 9 هذا العام. كما تم تسجيل انخفاض بنسبة 8.8% في حجم السحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي التابعة للبنوك. والشهر الماضي كان الأسوأ على صعيد سوق بيع الشقق”، مبينا أن “هذا الكساد في سوق الشقق والعقارات لم يكن منذ الثمانينيات”.
وفي استشراف القادم، يتوقع أن “التباطؤ الاقتصادي الحالي، سينجم عنه انخفاض الاستهلاك الخاص الذي يشكل أكثر من نصف استخدامات الناتج المحلي، وهذا بسبب مخاوف المواطن والمستهلك من التدهور الاقتصادي، ونظرًا لأجواء الحرب، فإن ميل المستهلك إلى القيام بعمليات شراء كبيرة آخذ في التناقص”.
فاتورة الحرب تضرب الموازنة العامة
وحول تأثير الحرب على الموازنة العامة للدولة، يكمل: ” فاتورة الحرب على غزة كلفت ميزانية الدولة- إلى الآن- 35 مليار شيكل. وهنا نتحدث فقط عن النفقات المباشرة التي تكبدتها الميزانية حتى الشهر الماضي: 22 مليار شيكل نفقات الجيش و13 مليار شيكل نفقات مدنية. وبما أنه لا يمكن التنبؤ بموعد انتهاء الحرب أو امتدادها بقوة إلى جبهات أخرى، يحرص صناع السياسات الاقتصادية في وزارة المالية على عدم وضع تقديرات لميزانية عام 2024 بسبب الغموض”.
ويقدّر اغبارية أنّ “تتجاوز نفقات الحرب الـ 150 مليار شيكل”، مشيرا إلى أن عددا من الاقتصاديين يتحدثون عن 200 مليار شيكل في حال استمرت الحرب حتى 10 شهور، أي حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لإسرائيل. هذا بالإضافة إلى الركود الذي من المحتمل أن يسجله الاقتصاد في الربع الرابع من هذا العام. كما يقول.
ويتابع “وهنا يطرح السؤال هل يمكن للاقتصاد الإسرائيلي أن يستوعب صدمة الـ 150 مليار شيكل كتكلفة للحرب؟ لإنه من أصل 35 مليار شيكل نفقات الحرب-وفق التقديرات-، هناك حوالي 32 مليار شيكل ستكون من قبيل عجز الميزانية وزيادة الدين، حيث أن وزارة المالية خفّضت عجز الميزانية بمبلغ 3-3.5 مليار شيكل فقط، ما يعني أنّه سيتم تمويل نفقات الحكومة بالكامل- تقريبًا- من خلال زيادة الدين”.
وأردف: “نحن الآن في نهاية عام 2023، وقد تمّ بالفعل إنفاق جميع مخصصات ميزانية هذا العام تقريبًا، ولم يتبق سوى القليل من الأموال التي يمكن استعمالها. لكن ميزانية الدولة لعام 2024 التي ستدخل حيز التنفيذ بعد شهر ونصف، ستكون فيها تقليصات كبيرة من 16 إلى 20 مليار شيكل”.
ووفقا للخبير الاقتصادي، فإن “ما يحدث اليوم، حصل تقريبا خلال انتفاضة الأقصى، ففي عام 2002 غرقت إسرائيل في أزمة مالية في خضم الانتفاضة، ما تسبب بأزمة مالية نتيجة لقيام الدولة بتوزيع الأموال لتمويل الحرب دون أن تكلف نفسها عناء خفض الميزانية، في حين عملت الدولة في الوقت نفسه على تضخيم العجز إلى حد كبير، وقد أدَّت هذه السياسة إلى فقدان الثقة وشبه الانهيار المالي: ففي منتصف عام 2002، كان سعر الدولار 5 شيكل، وقفزت أسعار الفائدة على سندات الحكومة الإسرائيلية إلى 12%، وكانت إسرائيل على وشك الإفلاس. ولهذا كان على الدولة يومها أن تستنجد بأمريكا بأن يقبلوا ضمانات منهم، وأن يزيدوا سعر الفائدة 4.5% في شهر واحد، وأن يخفضوا عشرات مليارات الشواكل لاستعادة ثقة الأسواق”.
وبخصوص الأزمة الحالية، يرى اغبارية أن “تل أبيب ستعاني من عجر في ميزانيتها قد يصل إلى نحو 7% في هذا العام، وهو مرشح أن يصل إلى عجز أعلى في العام القادم، هذا يعني أن الدولة ستضطر إلى أخذ قروض”.
ويتوقع أن يخسر الاقتصاد الإسرائيلي 5% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام. وأن عام 2023 (الذي أوشك على الانتهاء) سيصل إلى نمو بنسبة 1.5%، وأن الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل سوف ينمو بنسبة 0.5% فقط – وهو الرقم الذي يعني انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الزيادة السكانية. بناء على ذلك، يقدّر د. أنس “أن كل مواطن في إسرائيل سيكون أكثر فقرًا في نهاية العام”.
ويزيد أنّ “التأثير الرئيس للحرب سيكون في عام 2024، عندما يغرق الاقتصاد في الركود وينكمش بنسبة 1.4%. ويصبح هذا النمو السلبي أكثر أهمية، بمعنى أن نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي سوف يتقلص بشكل أكثر حدة، ليقترب من 3%”.
التوقعات
يعتقد الدكتور أنس أنّ “التباطؤ الاقتصادي سنعايشه جميعا في العام المقبل، من حيث تراجع في مستويات المعيشة، هذا يعني أن هذه الحرب ستصل إلى جيوبنا جميعا، في ظل انخفاض حاد في النشاط الاقتصادي والتجاري وانخفاض في الاستهلاك الخاص. كما من المتوقع أيضًا أن تنخفض الاستثمارات في إسرائيل بشكل كبير، وأن تتقلص الصادرات الإسرائيلية. بالتالي، فإن جزءًا كبيرًا من مكونات المنتج ستشهد تباطؤًا كبيرًا، الأمر يعني أن الاقتصاد سينكمش، وسيؤثر على مستوى معيشة المجتمعات في هذه الدولة وبالذات المجتمع العربي في الداخل، مقارنة مع العالم”.
ارتفاع الأسعار
يمكن- بحسبه- أن تكون عواقب هذه الحرب مستمرة على سوق العمل أو حتى انخفاض في متوسط الأجر في الاقتصاد، ما يعني أن تتقلص القوة الشرائية للمواطنين في البلاد بشكل كبير.
وأضاف “في ظني أننا نتجه إلى الركود التضخمي، ما سيؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي وارتفاع في معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، والذي يحدث على الرغم من انخفاض الطلب فعليا”.
توصيات
وحول توصياته لأبناء المجتمع العربي في ظل الحالة الراهنة، يقول د. أنس: “يجب أن نجهز أنفسنا للقادم ما بعد الحرب أو حتى خلال فترة الحرب، وهو توفير ما يمكن توفيره، وعدم هدر مصاريف زائدة على أمور ليست ضرورية، خوفا من توابع الحرب، حيث لا يخفى على أحد أننا كمجتمع عربي في وضع اقتصادي صعب، والمجتمع العربي يعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة أصلا، علما أنَّ المجتمع العربي في الداخل يعتمد بشكل خاص على مجالات البنية التحتية والبناء والإسكان والسياحة وما الى ذلك، وهذه القطاعات بكل تأكيد سيقل الإنفاق عليها من قبل الدولة في السنة القادمة، بسبب العجر الكبير الذي ستكون به الدولة. ولهذا فإننا بحاجة الى تصنيف المصاريف العائلية الى مصاريف مهمة، وأقل أهمية ومصاريف ثانوية، حيث يمكننا التنازل عن المصاريف الثانوية في هذه الظروف الخاصة”.
وختم د. أنس سليمان اغبارية حديثه لـ “المدينة” بالقول: “هذا هو الوقت المناسب لنتعلم كيف نستثمر أوقاتنا، وكيف نفحص مصروفاتنا وأن نعمل على تخطيط ميزانية أسرنا وتحسينها. وهذا هو الوقت المناسب للعمل والبحث عن عروض فيما يخص دفعات الهواتف الخلوية والتأمينات والبنوك وغيره، حيث علينا استغلال الفرص من أجل توفير أكثر والتفكير بإقامة صندوق طوارئ خاص، لهذه الفترة والفترات القادمة”.